اين العرب في يوم الغضب؟
د. يوسف نور عوض
تتابعت التداعيات الدولية بشأن الهجوم الإسرائيلي على سفن الإغاثة إلى سكان غزة المحاصرين، ولعل أقوى التداعيات جاءت من تركيا التي ظلت تربطها بإسرائيل علاقة قوية تراجعت الآن إلى أدنى مستوياتها، وقد كان رد فعل تركيا الأولي بعد أن شاركت بسفنها في حملة الإغاثة هو إلغاء المناورات العسكرية المشتركة بين البلدين واستدعاء السفير التركي من إسرائيل. وقد كانت تركيا في مقدم الدول التي دعت إلى عقد جلسة خاصة لمجلس الأمن لبحث الاعتداء الإسرائيلي. ويعتقد كثير من المراقبين أن هذه المشكلة ستكون لها انعكاساتها على السياسة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط..
والمعروف أن العلاقة السياسية والاقتصادية والعسكرية بين البلدين قوية جدا وتقدر المبادلات التجارية بين إسرائيل وتركيا بنحو مليارين ونصف المليار دولار أمريكي ، ومعظم العلاقات التجارية بين البلدين تتركز على شراء المعدات العسكرية الثقيلة ،كما يتشارك البلدان في تبادل المعلومات الاستخباراتية. غير أن هذه العلاقات بدأت تشهد فتورا منذ تولى طيب أردوغان رئاسة الوزراء في تركيا ـ ويفسر ذلك بسبب توجهاته الإسلامية ومحاولته إقامة علاقات حسنة مع سورية وإيران بل وسائر الدول الإسلامية التي لها مواقف معادية للسياسات الإسرائيلية، ويبدو واضحا أن فقدان أمل تركيا في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي من الأسباب القوية في إدارة ظهرها إلى إسرائيل. وتواجه تركيا في الوقت الحاضر ضغطا شعبيا كبيرا لاتخاذ مواقف حاسمة من الكيان الإسرائيلي.
ويعتقد أن هذا التحول قد يؤثر سلبا على سياسات الولايات المتحدة في المنطقة خاصة أن الولايات المتحدة ظلت تنظر دائما إلى تركيا على أنها لاعب أساسي في توجهات السلام في المنطقة، وقد حاولت تركيا من قبل أن تتوسط بين سورية وإسرائيل ولكنها أوقفت وساطتها بعد أن قامت إسرائيل باعتدائها على غزة في العام الماضي، ونشأت مشكلة أخرى بينها وبين الولايات المتحدة بشأن الموقف من حركة حماس، إذ بينما ترى الولايات المتحدة ضرورة عزل حماس فإن تركيا ترى ضرورة التعامل معها بصورة مباشرة.
ولم يقتصر الأمر على تركيا وحدها، فقد أثار الموقف حساسية ألمانيا إذ طالبت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بضرورة إجراء تحقيق شامل في ما حدث، وقالت أمام جمع من الصحافيين إنها أجرت اتصالا مع رئيس وزراء إسرائيل ورئيس وزراء تركيا أعربت من خلالهما على ضرورة الإسراع في إتمام هذا التحقيق، وقالت إن بعض المواطنين الألمان كانوا على متن تلك السفن ويجب إخبارها بما حدث لهم بالسرعة الممكنة.
وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة الحليف التقليدي لإسرائيل عرقلت إصدار قرار من مجلس الأمن بإدانتها فقد قالت إنها تأسف لوقوع الضحايا وإنها ما زالت تنظر في الأمر.
أما الفاتيكان فقد أعرب عن حزنه العميق لما حدث وعبر رئيس وزراء بريطانيا السابق توني بلير عن أسفه وصدمته، وقد كان لليونان عدد من المواطنين في تلك السفن وأدى ذلك إلى انسحابها من مناورات كانت تشارك فيها مع إسرائيل.
وتواصلت أعمال الشجب من دول الإتحاد الأوروبي حيث طالبت مسؤولة الشؤون الخارجية كاترين أشتون بضرورة أن تجري إسرائيل تحقيقا سريعا في الأمر، وعلى الفور استدعت فرنسا والسويد والنرويج والدنمارك والنمسا واليونان وقبرص سفراء إسرائيل وأبلغتهم أن العمل الذي قامت به إسرائيل لا يعتبر مقبولا على المستوى الدولي.
أما الرئيس الفرنسي 'نيكولا ساركوزي' فقد اتهم إسرائيل باستخدام القوة المفرطة في هذه العملية، وطالب وزير خارجية بريطانيا 'وليام هيغ' إسرائيل بأن تتحلى بضبط النفس. وكان موقف الحكومة البلغارية قويا جدا إذ استدعت الخارجية البلغارية السفير الإسرائيلي، وأفهمته بأنها لا تجد مبررا لاستخدام العنف، كما طالبته بالإسراع في إجراء التحقيق لمعرفة ملابسات الحادث.
وأما في المحيط العربي والإسلامي فقد دانت باكستان هذا الحدث و أعرب المشرعون والصحفيون والسياسيون في إسلام آباد عن إدانتهم له ،كما دانت مصر عملية قتل الأبرياء ووصف رئيس البرلمان الكويتي مهاجمة السفن بأنها تصرف إجرامي، وقالت إندونيسيا لم يكن هناك مبرر لهذا الهجوم.
وإذا نظرنا إلى كل ما صدر سواء من دول العالم الغربي أو دول العالمين العربي والإسلامي، وجدنا أن الأمر كله لم يخرج عن أسلوب الإدانة، ومطالبة المجتمع الدولي باتخاذ مواقف ضد إسرائيل، و نلاحظ في الوقت ذاته أن إسرائيل لم تبد أي نوع من القلق من هذا الموقف بل تصرفت بأسلوب ينم عن الإزدراء حين عبر رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو الذي كان في زيارة لكندا عن تأييده الكامل لما حدث وحاولت في الوقت ذاته إسرائيل أن تفرض غيوما ضبابية على ما حدث بينما كانت قواتها البحرية تقود السفن المحاصرة إلى ميناء أسدود، وقد فرضت إسرائيل تعتيما كاملا على ما يجري في السفن بينما عاملت الناشطين من مختلف أنحاء العالم معاملة قاسية بإجراء التحقيقات معهم وهم مقيدو الأيدي، وظلت إسرائيل تقول إن قواتها لم تبدأ العنف إلا عندما واجهت مقاومة بالسلاح الأبيض وتم إطلاق النار على بعض جنودها.
والسؤال المهم هو هل كل هذه المواقف الدولية كافية لردع إسرائيل.؟ وهل هناك في الحقيقة موقف عربي يجعل إسرائيل تفكر مئة مرة قبل أن تقوم بمثل هذه الأعمال؟
الحقيقة هي أنه من الناحيتين الجغرافية واللوجستية ليس هناك ما يهدد إسرائيل، فقد رأينا إسرائيل أكثر من مرة تعتدي على سورية، ويأتي الرد السوري بأن دمشق تحتفظ لنفسها بحق الرد في الوقت المناسب، وهو رد لا نعرف أنه قد أتى في أي لحظة من اللحظات، ومن جانب آخر نحن نرى من الجانب المصري أن إسرائيل تعيش في أمان تحت حماية جغرافية من صحراء سيناء، وما هو معروف لدينا هو أنه بعد اتفاقية السلام التي وقعها الرئيس السادات استعيدت صحراء سيناء، ولكن هل استعيدت سيناء حقا؟
ربما استعيدت الأرض ولكن مصر حرمت من حق التحرك فيها، بمعنى أنها لا تستطيع أن تدخل قواتها كما تريد بحيث تشكل هذه القوات خطرا على أمن إسرائيل، فقد فرضت الإتفاقية على مصر ألا تدخل قواتها إلا على بعد مسافة قليلة من قناة السويس بحيث لا تشكل هذه القوات أي تهديد لإسرائيل، ويبدو واضحا أن مصر لا تفكر في هذا التهديد لأنها تنفذ سياسات يرضى عنها الكيان الصهيوني ، خاصة تلك التي تتعلق بإغلاق قطاع غزة ومنع إدخال المساعدات للشعب الفلسطيني، إذ ما الفرق بين أن تقوم إسرائيل بالإعتداء على سفن الإغاثة وبين دولة تمنع إدخال المساعدات لقطاع غزة.
ويبدو في ضوء ذلك أن الموقف العربي كله منهار في مواجهة الكيان الصهيوني إذ ليست هناك إستراتيجية تأخذ بظروف الحرب والسلام مع إسرائيل، وليست هناك إرادة عربية تحضر لاحتمالات المواجهة مع هذا الكيان الغاصب.
ولكن في الوقت ذاته يحب ألا نقلل من أهمية ما جرى أخيرا بالإعتداء على سفن الإغاثة، ذلك أن إسرائيل وجدت نفسها للمرة الأولى في مواجهة المجتمع الدولي الذي وجد مواطنيه يتعرضون لاعتداءات إسرائيلية غير مبررة، وقد ذهبت المواقف الدولية إلى حد تعليق نيكاراغوا لعلاقاتها مع إسرائيل كما أعلن تشافيز تنظيم مظاهرات في جميع أنحاء فنزويلا مع اتخاذ جميع الوسائل لممارسة الضغط على إسرائيل ،ولعل إسرائيل خسرت من سمعتها في هذه العملية ما ظلت تحرص عليه منذ إنشائها ،وذلك ما سبب إحراجا بالغا لحليفتها الولايات المتحدة، يحدث ذلك في الوقت الذي لم تتخذ فيه الدول العربية أي مواقف حاسمة ضد إسرائيل خاصة تلك الدول التي ما زالت تقيم علاقات مباشرة مع إسرائيل، ولا يختلف في ذلك التعبير الشعبي الذي لم يكن بالمستوى الذي توقعه الكثيرون ما يجعلنا نتساءل إن كان العرب ما زلوا يحسون بالخطر الإسرائيلي في محيطهم الوطني. ٍ
' كاتب من السودان