حرب الانبار.. تعبيد الطريق الواصل بين دمشق وطهران
د . مثنى عبدالله
January 13, 2014
قايضت الولايات المتحدة الامريكية ماتدعيه من مبادئ حقوق الانسان وقدّاسة الدم السوري بتخلي النظام عن السلاح الكيمياوي، وخلال ساعات وبعملية دراماتيكية قبل النظام فبات مقبولا، فتحول من قاتل الى أقل قتلا مقارنة بفصائل المعارضة المسلحة حسب المفهوم الامريكي، فنحن في زمن المقارنات بين القاتل والاقل قتلا، والسيئ والاقل سوءا. تحركت أيران لتأكيد موقف المقبولية هذا على الارض لتعزيز حيز سيطرة النظام على الجغرافية السورية على حساب حيز المعارضة، فطلبت من بغداد التحرك لتعبيد الطريق الواصل نحو الاراضي السورية ورفع عقبة الانبار والاسراع في ذلك قبل حلول مؤتمر جنيف كي يكون لحليفهم أوراق ضغط يفاوض بها، ولم يعد يفي بذلك تواجد أكثر من خمسة الاف مقاتل من لواء أبو الفضل العباس وفيلق الوعد الصادق وحزب الله العراقي وغيرهم ممن يقاتلون تحت راية فيلق
القدس الايراني، فالمطلوب دخول الحرس الثوري بعده وعديده الى الساحة السورية لقلب معادلة القتال ورسم خارطة سياسية جديدة.
في صميم اللحظة هذه كان المالكي يحمل على كتفيه هم الاعتصامات السلمية في العديد من المحافظات التي باتت تؤرقه، ووزر عودة التفجيرات التي باتت كل أجهزته عاجزة عن أيقاف دويها، وصعود نسب القتل الى أعلى مستوى منذ العام 2003، وبروز أصوات قوية داخل البيت السياسي الطائفي الذي ينتمي اليه تعترض على نهجه، وتُعيب عليه فشله وعجزه في كل المجالات، وتطالب بعدم ترشحه الى ولاية ثالثة، وقبل كل ذلك خسارة قائمته الانتخابية الحكم المحلي في العديد من المحافظات. كل ذلك يحصل له وهو على أبواب بداية حملة أنتخابية يقاتل في سبيل الفوز بها، ليس من أجل خدمة عامة، بل من أجل أن لا يتبوّء المنصب الاول أحد حلفائه في الائتلاف. هكذا نقل عنه أحد النواب المستقلين قائلا أن فزت بها فهي لي، وأن خسرتها هذه المرة فلن أدع أحدا من التيار الصدري أو المجلس الاعلى يتولاها . هنا تلقف المالكي الطلب الايراني بشغف كبير، فقد وجد فيه الفرصة الكبرى لتثبيت موقعه أمام الحليف الايراني الذي له الكلمة المسموعة لدى كل الحلفاء الطائفيين، وهو الوحيد القادر على أجبارهم لاعادة أستيزاره في المنصب الاول للمرة الثالثة والرابعة والعاشرة، أذا ما أبلى بلاء حسنا في حشد الجهد العسكري والاقتصادي والبشري من أجل المذهب في الحرب ‘المقدسة’ على الاراضي السورية. تم الايعاز الى بعض قطعات الجيش العراقي بالتوجه الى بادية الانبار لاغراض الاستطلاع وتأمين الطريق الذي ستسلكه مجاميع المتطوعين من فيلق القدس، لكن التعليمات التي أعطيت للعسكر يبدو أن المجاميع المسلحة أستلمتها أيضا فردت على الخطة بتفخيخ وكر كي ينفجر على قائد الفرقة وهيئة أركانه.
ولأن الخسارة كانت فادحة، ولأن التراجع كان سيعني الهزيمة الاخيرة للمالكي التي ستقضي على وجوده السياسي الى الابد، فقد كان لابد له من التحرك بعملية ثأر كما هو أسماها، ليس ممن قتل عساكره فقط بل من الانبار جميعها.
كانت الخطوة الاولى في عملية التحرك تقتضي الاعلان عن أن ساحة أعتصام الانبار هي مركز السيطرة والتخطيط والتعبئة للقاعدة، وأن جميع السيارات المفخخة التي تجوب كل
العراق وتنفجر يوميا تنطلق من هذه الساحة، وبما أنها يؤمها الاف من أهل المدينة فأن الانبار كلها مشاركة في عمليات القتل التي تجري في
العراق. أما الخطوة التالية فكانت تقسيم المجتمع العراقي الى فريقين لا ثالث لهما، أتباع يزيد وأتباع الحسين، ولان الجيش هو حسيني كما وصفه في حديثه، فأن ساحات أنتشاره وعملياته لابد أن تكون فقط في قاطع أتباع يزيد . هاتان الخطوتان كانتا ضروريتين جدا للمالكي لاحداث فرز يُجرّم طرف ويجعل من الطرف الاخر حليفا لكل ما سيقوم به. ولكي يُظهر نفسه أنه قادر على أتخاذ قرارات حاسمة بادر الى القول بأنه لن تكون هنالك صلاة جمعة أخرى في ساحة أعتصام الانبار، وأن الخيم يجب أن ترفع خلال يومين. وعندما تم ذلك وسط تصفيق حار من حلفائه، دفعته وتيرة الغرور كي يباشر في القبض على قادة الاعتصامات الواحد تلو الاخر أمعانا أكثر في أذلال المعتصمين ومؤيديهم، فأرسل قواته الى المنطقة كي تلقي القبض على أحدهم فقُتل الرجل والقي القبض على شقيقه النائب المحصن، فعد ذلك نصرا مؤزرا لابد أن يعززه بفعل أكثر جرأة وأقوى فعلا فكان أن أوعز للقوات التي كانت تنتظر في الصحراء كي تطوق المحافظة وتدخلها من جميع الجهات تحضيرا لعملية تعبيد الطريق الواصل الى
سوريا.
لكن حسابات الحقل لم تتطابق مع حسابات البيدر. كانت حسابات مستشاريه وبطانته تقتضي القاء القبض على كل قادة الاعتصام، ثم أضهارهم على شاشات التلفاز في أعترافات مفبركة باعتبارهم قادة بارزين في
القاعدة، على ان يدلوا بمعلومات ملقنة عن ساسة أخرين، وشيوخ عشائر نافذين ورجال دين معروفين، هدفها التسقيط السياسي والاجتماعي والتجريم القانوني كي تتم ملاحقتهم . لكن حسابات ما جرى على الارض كانت مختلفة تماما عن حسابات جوقة البطانة والمستشارين، وأبرز دلالاتها كان لجوء العشرات من قوات الجيش الى مضايف شيوخ العشائر في الانبار بعد أن رفضوا قتال أهلهم . كما كان أبرز دلالات النوايا الحقيقية للعملية هي تصريحات المسؤولين الايرانيين من أنهم على أستعداد للتدخل وتقديم الدعم العسكري للحكومة. وبذلك ثبت للجميع بأن الانبار كانت تمارس دورا مشرفا في قطع الطريق على هذا المشروع .
‘ باحث سياسي عراقي