بيرنز في عمان وكيري يتعمق في التفاصيل قبل عودته للمنطقة و’القدس العربي’ حصلت على تفصيلات معمقة: تواصل بدلا من ‘حق العودة’ وعاصمة إدارية في القدس… وقوة ثلاثية في منطقة الأغوار
بسام البدارين
January 29, 2014
عمان ـ ‘القدس العربي’: لا يمكن قراءة إيفاد نائب وزير الخارجية الأمريكي الخبير في منطقة الشرق الأوسط وليام بيرنز خارج سياق التحضيرات الجدية التي يشرف عليها وزير الخارجية جون كيري لإطلاق عملية سلام وتسوية تثير الجدل حتى قبل اتضاح ملامحها.
بيرنز توقف مليا في عمان والتقى العديد من النخب بينها وزير الخارجية ناصر جودة ويتوقع أن يلتقي العاهل الملك عبد الله الثاني ونخبة من السياسيين فيما سبقه أحد مساعديه في جولة استمرت لخمسة أيام تخللتها نشاطات ذات بعد دبلوماسي وسياسي وإعلامي.
المسؤول الأمريكي الرفيع والمخضرم لديه بطبيعة الحال أصدقاء كثر في طبقة النخبة الأردنية بسبب عمله السابق في عمان سفيرا وهو بهذا المعنى يحضر إلى بيئة يعرفها وتعرفه جيدا.
توقيت الزيارة هو الأهم ويعتقد أنها ‘تحضيرية’ وتسبق عودة الوزير كيري للمنطقة في زيارته الحادية عشرة التي يترقب الأردنيون والفلسطينيون مضمونها وسط إحتجاب كامل ومقصود للمعلومات المتعلقة بمشروع كيري لإطلاق المفاوضات وعملية التسوية.
‘القدس العربي’ على هذا الأساس تفاعلت مع حزام الصمت الدبلوماسي وتمكنت من الوصول إلى معلومات ‘شبه مؤكدة’ عن التسريبات التي نتجت عن إتصالات بيرنز الأخيرة في عمان في وقوف يعتقد على نطاق واسع أردنيا على الأقل بأنه تمهيدي قبل عودة كيري وعرض ما لديه من أفكار ومقترحات.
رئيس وزراء الأردن عبد الله النسور كان قد قال السبت الماضي بحضور ‘القدس العربي’ أن ما يسمى بـ’وثيقة كيري’ ستبرز خلال أيام لكن مصدرا مقربا جدا من النسور أكد بأن عمان ليس لديها نسخة من هذه الوثيقة لكنها تنتظر بصورة محددة ما في جعبة كيري وبشغف، الأمر الذي عبر عنه الوزير ناصر جودة وهو يصرح بأن بلاده بانتظار الشروحات الأمريكية.
معنى الكلام من حيث المبدأ أن كيري وكما أكد القيادي الفلسطيني عزام الأحمد في عمان الأسبوع الماضي لم يقدم فعلا شيئا مكتوبا.
لكن عبر الدائرة التي يعمل ويشرف عليها في الواقع السفير بيرنز يمكن تأسيس تصورات حول طبيعة وتكوين ما سيحمله كيري في جعبته على الأقل في الخطوط العريضة خصوصا وان مقترحات كيري ‘المحجوبة’ عمليا عن جميع الأطراف خضعت في واشنطن للتطوير والتعديل على ضوء النقاشات التي حصلت مع زعماء المنطقة والتي اكتفى خلالها الوزير كيري بالإصغاء أكثر من الكلام فيما تعهد مساعدوه بجمع الملاحظات.
بيرنز أشار بوضوح إلى أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما مصر على تحقيق إنجاز واختراق كبير في عملية السلام بالشرق الأوسط قبل انتهاء ولايته الحالية مما يرجح صدقية رواية وزير الخارجية الأردني حول تبعية الخطة لأوباما وليس لكيري فقط.
خطة كيري المفترضة كانت ولا زالت حتى اللحظة ‘محجوبة’ حتى عن الطرف الإسرائيلي هذه المرة.
وقد شهد بذلك مسؤولون إسرائيليون أبلغوا وزيرا سابقا للخارجية في الأردن أن تل أبيب لديها معلومة عن خطة بالإطار العريض لكن تفصيلات ما يفكر به أوباما ليست موجودة.
المسؤولون الإسرائيليون إشتكوا مشددين على أنها المرة الأولى في تاريخ إسرائيل التي تقدم فيها الإدارة الأمريكية مبادرة لعملية السلام لم تنكشف تفصيلاتها بل لم تبرمج هذه التفصيلات من خلال التعاون بين فريقين إسرائيلي وأمريكي كما كان يحصل بالعادة.
الوزير الأردني جودة حاول البحث عن ‘معلومات’ عبر الإسرائيليين قبل نحو عشرة أيام، لكن قيل له أن كيري لم يقدم تفصيلات وأن فريقه فقط يحتفظ بكل الأوراق مما يعني تلقائيا حجب الكثير من التفصيلات عن الحلفاء في الأردن وإسرائيل والسلطة الفلسطينية.
بيرنز يجهز في المنطقة لعودة كيري مباشرة بعد الإنتهاء من فعاليات مؤتمر جنيف 2 وعلى هذا الأساس تمكنت ‘القدس العربي’ من إلتقاط بعض الأفكار المثيرة في السياق وسط حالة ترقب حساسة جدا في أوساط القرار الأردني خوفا من مفاجآت تخفيها الإدارة الأمريكية لفرضها على جميع الأطراف أو على الأطراف الأضعف في المعادلة.
حسب التسريبات التي تبعت تحضيرات بيرنز يمكن القول إن مشروع كيري يرتكز على ثلاثة مبادئ أساسية وجوهرية ستفرضها الإدارة الأمريكية على جميع الأطراف مقابل غرق الأطراف نفسها في التفصيلات.
المبدأ الأول يتضمن برنامجا تفصيليا يستند إلى استبدال ‘حق العودة’ للاجئين بصيغة ‘واقعية’ عنوانها ‘تمكين الفلسطيينين في الداخل والشتات من التواصل مع بعضهم البعض’.
هذا التواصل يفترض حركة عبور وتنقل سلسة جدا في محيط منطقة جغرافية ممتدة ومتصلة مع بعضها البعض لخمس كتل فلسطينية بشرية أساسية هي ‘ثلاثة ملايين فلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، ونحو نصف مليون فلسطيني من الساحل وتحديدا في قرى المثلث ونحو مليوني (لاجئ) في الأردن وكتلة اللاجئين والفلسطينيين في الشتات’.
الهدف من برنامج ‘التواصل’ خلق بيئة جغرافية تحتضن الشعب الفلسطيني في كل مكان وتمكينه من التواصل الإجتماعي والثقافي مع بعضه البعض عبر عدة وسائل على أن يكون الأردن تحديدا مسرحا أساسيا من الناحية الإقتصادية والأمنية لضمان هذا التواصل دون إحداث خلل ديمغرافي في أي مكان.
لإنجاز ذلك ستعمل الخطة على ‘توطين’ اللاجئين في الأردن بمكانهم الحالي مع إنعاشهم إقتصاديا وضم كتلة من القرى شمالي فلسطين مقابل مستوطنات وتوفير مطار في منطقة الأغوار لنقل البضائع والركاب عبر الأراضي الأردنية وربط الضفة الغربية بقطاع غزة مع إنعاش إقتصادي لجميع اللاجئين والمقيمين في الضفة والقطاع وتمكين الدولة الفلسطينية التي ستنظم هذا التواصل من الإستثمار في قطاع الغاز الذي اكتشف وجوده مؤخرا في محيط رام الله وسط الضفة وبكميات كبيرة وعلى طول ساحل غزة.
بالإضافة بطبيعة الحال لوضع نظام قانوني يسمح بازدواجية الجنسية في بعض المواقع والمستوطنات وبحرية الإقامة وليس العودة لفلسطينيي الشتات بما في ذلك حرية البناء والإستثمار.
المبدأ الثاني: هو وضع برنامج لإقامة دولة فلسطينية مع توفير كل ضمانات الأمن التي تطلبها إسرائيل وهي دولة ينبغي أن تكون قادرة على ‘الإتصال’ عبر شبكة طرق آمنة ببعضها البعض حتى تستضيف بيئة التواصل المشار إليها سابقا.
هنا أيضا برزت تفاصيل فأوساط بيرنز وكيري تتحدث عن ‘دولة فلسطينية تنشأ برعاية الأمم المتحدة تدار من خلال مرحلة إنتقالية مدتها عام واحد برئيس إنتقالي وبحكومة إنتقالية مرحلية.. يعقب هذا العام إنتخابات تشريعية وبلدية ثم تشكيل حكومة ترث الحكومة المؤقتة’.
خلال هذا العام تحل السلطة الفلسطينية نفسها ويتم حل وتفكيك جميع الفصائل والسماح لها بالتحول إلى أحزاب تشارك في الإنتخابات وتزود الدولة الناشية بأسحلة أمنية داخلية وتضمن وجودها وأمنها الحدودي دول الجوار بالتوافق مع المجتمع الدولي وتحديدا عبر الأردن بصفته رئيسا لمجلس الأمن حاليا.
المبدأ الثالث يتمثل في تركيز مشروع كيري على ‘الحدود’ وتحديدا منطقة الأغوار حيث ستتواجد قوة ثلاثية على طول منطقة الأغوار من الجانبين تمثل إسرائيل والأردن والفلسطينين.
بعيدا عن هذه المبادئ الثلاثة تركت الكثير من التفاصيل.
لكن الدوائر الأمريكية تتحدث عن ضرورة’ أن يشعر الفلسطينيون أنهم نجحوا في إقامة عاصمة إدارية لهم في القدس ‘..هنا حصريا تتحدث الخطة الأمريكية عن منطقة ‘شعفاط’ في محيط القدس العربية باعتبارها المكان المؤهل لإستضافة العاصمة الفلسطينية الإدارية وفي محيط جغرافي دائري يبدأ من أحياء شعفاط الغربية ويمتد نحو ‘وادي الجوز′ على أن يضم المرافق والعقارات التي صادرتها إسرائيل من هذه المنطقة بما في ذلك المكاتب والمرافق والأبنية التي تملكها عائلة الحسيني الشهيرة والتي كان يقيم فيها الراحل فيصل الحسيني مقره.