ما الذي يزعج اردوغان؟
تسفي برئيل
January 28, 2014
لماذا ينشر قرار الحكم قبل ثلاثة اشهر من الانتخابات؟ فقد كان يمكنكم أن تنشروه بعد 30 اذار. لا شك ان قرار المحكمة يثير التساؤل’. هذا كان رد فعل رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان الغاضب على قرار محكمة الاستئناف تبني قرار المحكمة المركزية في قضية يلدريم. فقد حكمت المحكمة المركزية قبل سنة على عزيز يلدريم، صاحب نادي كرة القدم بنربحتشا، بالسجن ست سنوات وثلاثة اشهر اخرى بتهمة شراء المباريات.
قد يكون اردوغان يتساءل، ولكن في تركيا الغارقة حتى الرقبة في قضايا الفساد، لم يعد اي شيء يثير التساؤل. ويطرح فقط السؤال ما الذي دفع اردوغان، غير حقيقة ان يلدريم هو صديقه المقرب، ان يهاجم بالذات محكمة الاستئناف؟ بالضبط لذات السبب الذي جعله يشك في كل الجهاز القضائي في تركيا، بقضاته ومدعيه ـ وهو مقتنع بانهم يديرون ‘دولة موازية’ على حد تعبيره، هدفها تقويض حكومته وحزبه.
هكذا بحيث أن اردوغان ايضا لا يتساءل حقا. فالعلاقة بين توقيت نشر قرار محكمة الاستئناف في قضية يلدريم وبين قضية الفساد الجديدة لا تحتاج الى اي تفسير برأيه. فالمدعي الذي رفع الدعوى في قضية يلدريم هو زكريا أوز، ذات المدعي الذي كشف قضية الفساد الاخيرة، التي يشارك فيها ظاهرا ثلاثة وزراء وابناء عائلاتهم بدفع رشوة لمسؤولين كبار في الحكومة. أوز، كما يقول اردوغان يعمل مثل عشرات القضاة والمدعين الاخرين حسب تعليمات خصمه السياسي والايديولوجي، المفكر الاسلامي فتح الله غولان. ومن هنا، كما يؤمن اردوغان، ينبع ايضا قرار محكمة الاستئناف بنشر قرارها قبل الانتخابات للسلطات المحلية، التي ستجرى في اذار. واضاف قرار المحكمة تذكيرا لشحنة الفساد التي تجثم تحتها الحكومة.
حتى قضية الرشوة الاخيرة، خدم أوز اردوغان باخلاص. فهو لم يتردد في رفع الدعاوى بحق صحفيين انتقدوه، وكان المدعي العام الذي ادار التحقيقات في قضية ارغنكون، والتي كان يشارك فيها، على الاقل حسب لائحة الاتهام وقرارات المحكمة، ضباط، صحفيون وسياسيون في محاولة لتنفيذ انقلاب ضد اردوغان.
وكان أوز في حينه رأس الحربة القضائية لاردوغان حتى الشرخ بين اردوغان وغولان، والذي في اعقابه قرر اردوغان العمل ضد جهاز التعليم الخاص الذي تملكه شبكة ‘هزمات’ (الخدمة) التابعة لغولان.
عندما انكشفت الشبهات في موضوع الرشوة للوزراء، اتهم اردوغان أوز بتسريب تفاصيل التحقيق بهدف المس بحكومته، واستغل الفرصة كي يطهر الشرطة وجهاز القضاء من الموالين لغولان. ونقل عشرات الضباط والشرطة من مناصبهم واستبدل المدعون الذين عملوا على التحقيق في الفساد ونقل القضاة الى محافظات اخرى.
وفي الاسبوع الماضي فقط اقيل 500 ضابط شرطة ونحو 100 مدعي وقاضي احيلوا من مناصبهم. وعرض على أوز نفسه تغيير منطقته. ولكنه رفض ورفع شكوى شخصية قد اردوغان.
والان وقعت على رأس اردوغان قضية الفساد في نادي بنربحتشا وقرار محكمة الاستئناف الذي يعتبر هو ايضا، بالطبع، كمؤامرة من الجهاز القضائي. ولكن قبل ذلك، عندما جرت المحاكمة في المحكمة المركزية، حاول اردوغان مساعدة صديقه يلدريم من خلال محاولة الضغط على البرلمان – الذي يسيطر عليه حزبه للمبادرة الى مشروع قانون يقلل عقوبة المدانين بجرائم الفساد في الرياضة من 12 سنة الى ثلاث سنوات.
وأدت العاصفة الجماهيرية التي نشبت في اعقاب المبادرة بالرئيس عبدالله غول، رجل حزب السلطة، باستخدام الفيتو على القانون واعادته الى البرلمان. اما اردوغان، الذي يرى في غول منافسا محتملا في الانتخابات للرئاسة التي ستجرى في تموز، فلم يخفِ غضبه. وفي نهاية المطاف وافق غول على التوقيع على القانون واقراره، ولكن الاحساس بالامتعاض الذي تسلل الى العلاقات بين الزعيمين لم يتبدد.
العلاقة بين الرياضة والسياسة ليست غريبة على اردوغان. فقبل نحو سنة نشرت صحيفة ‘ميلييت’ تفاصيل المفاوضات بين مندوبي الحكومة وبين مندوبي الثوار الاكراد. وكان اردوغان واثقا، كالمعتاد بان هذه مؤامرة من معارضي مبادرة المصالحة. ولسعادته، فان مالك ‘ميلييت’ هو ايلدريم دميرون، ابن اردوغان دميرون، صاحب شركة توزيع الغاز الكبرى ‘ميلنغاز′ والمقرب من اردوغان. ايلدريم الابن هو ايضا رئيس الاتحاد التركي لكرة القدم وكان في الماضي رئيس نادي بشكتاش.
وكان اشترى ‘ميلييت’ من رب المال ايدين دوان الذي اضطر الى بيع جزء من أملاكه بعد أن فرضت سلطات الضريبة في تركيا عليه غرامة كبرى بنحو 3.5 مليار دولار. ولم تكن هجمة سلطات الضريبة مصادفة. فقد درجت صحف ايدين على اطلاق اسهم الانتقاد السام ضد اردوغان وحكومته، ولم يكن الانتقام سوى مسألة وقت.’ وحظيت صفقة بيع صحف ايدين الى دميرون بمباركة اردوغان الذي ساعده ايضا في ان ينتخب لرئاسة اتحاد كرة القدم وجند في صالحه ايضا رئيس بنربحتشا عزيز يلدريم، الرجل الذي سيضطر الان الى الجلوس في السجن.
لاول مرة منذ اثنتي عشر سنة كان فيها اردوغان رئيسا للوزراء يواجه عدم يقين سياسي. فهل ستؤثر قضايا الفساد على نتائج الانتخابات للسلطات المحلية والتي ستخرب على فرصه في الانتخابات الرئاسية ام ان المبدأ الذي يقول انهم ينتخبون اردوغان وكأنه لا يوجد فساد سيواصل تحديد قواعد اللعب السياسية. في فرع كرة القدم التركي، على اي حال، كف هذا المبدأ عن العمل.
هآرتس28/1/2014