الثورة المصرية تأكل نساءها!
صحف عبرية
February 2, 2014
‘د. مريم ميلاد هي المرأة المسيحية الاولى التي تشكل حزبا في مصر. فقد تنافست ثلاث مرات في الانتخابات للبرلمان وخسرت في ثلاثتها. ولكن هذه الاخفاقات لا توهنها والان تعتزم التنافس لرابع مرة، في الانتخابات البرلمانية التي ستجرى في موعد غير معروف بعد الانتخابات للرئاسة. وميلاد مزودة بوفرة من الافكار لتحسين المجتمع المصري، ولا سيما مكانة المرأة.
ميلاد، ابنة 30، أنهت دراستها الجامعية في جامعة ميزوري في الولايات المتحدة واكسفورد في انجلترا ولكن لا تزال تبدو كطالبة. ففي المقابلات التي تنشر على اليوتيوب والصحف المصرية تروي بان ‘التصميم والشجاعة’ هما اللذان جلباها الى السياسة. بداية هي عضو في حزب الحكم في عهد مبارك، ولكنها اصطدمت بسور رجالي معادٍ. ‘الرجال الذين سيطروا في حينه على أجهزة الحزب فعلوا كل شيء كي يزوروا نتائج الانتخابات وافشال النساء رغم أن النساء شاركن في الانتخابات اكثر من الرجال’، قالت.
لا تحتاج ميلاد الى الدعم المالي، فهي تملك عدة شركات تجارية. وحزب ‘الحق’ الذي اقامته بعد الثورة مولته من مالها أساسا. ‘تعرف ميلاد كيف تحدث صخبا وهي هامة في الحوار الجماهيري في مصر، ولكن يبدو انها تسبق زمنها’، يقول لـ ‘هآرتس′ صحفي مصري يعمل في صحيفة ‘الاهرام’ الحكومية. ‘نحن لا نزال اسرى الثقافة السياسية التي تؤمن بالرجال في السياسة وليس بالنساء’.
هذا بالضبط هو المفهوم الذي وقفت ضده ميلاد. فقد طلبت من لجنة صياغة الدستور المصري أن يدرج مادة تمنح النساء نسبة ثابتة في البرلمان. وقد رفض الطلب وستضطر النساء الى التنافس ضمن قوائم حزبية او كمرشحات مستقلات. ومن المخيب للامال ان تكون الثورة بالذات، التي احتفلت يوم السبت الماضي بالذكرى الثالثة لقيامها، الغت النسبة التي قررها البرلمان في عهد مبارك. في العام 2009 أمر الرئيس أن تكون ما لا يقل عن 64 امرأة من اصل 518 مقعدا في البرلمان. وقد الغيت هذه المادة عندما انتخب البرلمان الاول بعد الثورة، وكانت النتيجة انه مقابل 12 في المئة من المقاعد التي خصصت للنساء في عهد مبارك، دخل الى أول برلمان في الثورة 2 في المئة من النساء فقط، نصفهن من حركة الحرية والعدالة للاخوان المسلمين. هذا معدل منخفض على نحو خاص مقارنة بتونس، حيث تحتل النساء 23 في المئة من المقاعد، او ليبيا، حيث 17 في المئة في البرلمان من النساء.
في اطار الاستعدادات للانتخابات التالية جرى يوم الاحد الماضي نقاش طويل بادر اليه المجلس الوطني لمكانة المرأة، برئاسة ميرفت تلاوي وبمشاركة رؤساء الاحزاب الكبرى لفحص السبل لاشراك النساء في القوائم التي ستتنافس في الانتخابات.
والمشكلة هي أنه مقابل طريقة النسبة (الكوتا)، يقرر الدستور الجديد، دون تفسير ذلك، بان على الدولة ‘ان تضمن حقها في القبول للوظائف العامة والوظائف الادارية العليا والتعيينات في السلطة القضائية دون تمييز′. ويتبين أن هذه مادة غامضة جدا، وحتى مجلس الدولة، الهيئة المخولة بالتوصية للتفسير القضائي يعتقد أن القانون لا يقرر عددا محددا من النساء يجب تعيينهن، اذا كان على الاطلاق في السلطات القضائية او في البرلمان.
لا حاجة الى تفسير بعيد المدى من اجل التقدير بان معظم الاحزاب ستفضل دحر النساء الى الاماكن الاخيرة وابقاء القيادة في ايدي الرجال، دون أن تخاطر بانتهاك تعليمات الدستور. وقد أوصى مجلس الدولة بالتالي بعدم تعيين النساء في مناصب قاضيات، في هذه المرحلة. ضمن امور اخرى، يستند المجلس الى نتائج عمل لجنة سابقة تشكلت في العام 2010 وتقضي بانه ‘لا يجب تعيين قاضيات لانهم لا يمكنهن العمل والسكن في المحافظات خارج القاهرة، بسبب انعدام الظروف المناسبة للنساء القاضيات، بما فيها الترتيبات المناسبة للقاضيات الامهات. كما أشارت ذات اللجنة الى أن تجربة تعيين قاضيات فشلت بشكل تام ‘بعد ان فشلت أربع قاضيات في حياتهن الزوجية وانفصلن عن ازواجهن’.
عندما يكون هذا هو نهج مجلس الدولة، الذي سيوفر من الان فصاعدا التفسير لبنود الدستور الجديد مشكوك فيه أن تتمكن مريم ميلاد حتى الانتخابات القادمة او مرشحات اخريات – من تحقيق نصر هام. ‘عندنا يستغلون النساء في العمل السياسي. والمثال الاسوأ هو ذاك الذي نجند فيه بالامر النساء للتصويت، وفي نفس الوقت لا ننشر صورهن في قوائم المرشحين في الانتخابات’، شرح د. بسام كامل، عضو الحزب المصري الديمقراطي في النقاش الذي جرى يوم الاحد. ولم يقدم كامل الكثير من الجديد للمشاركين. فحسب المعطيات التي جمعتها حركات الاحتجاج، فان أكثر من نصف المشاركين في المظاهرات كن نساء. وفي الاستفتاء الشعبي لاقرار الدستور، والذي جرى قبل اسبوعين ونيف، كان نصيب النساء 55 في المئة، وفي الحملات الانتخابية ارتفع معدل المصوتات ليفوق 60 في المئة. وحتى لو كانت هذه المعطيات غير دقيقة، فانها توضح جيدا الفجوة الهائلة بين استعداد النساء المصريات للمشاركة في الفعل السياسي، وبين المجال الضيق الذي يتركه لهن الرجال.
‘ذنب الرجال’ لا يحتاج الى اثبات فالمعطيات تتحدث من تلقاء نفسها. كما يمكن الاعتماد على تصريحات رئيس الوزراء المصري حازم الببلاوي الذي شرح في مؤتمر دافوس بان ‘معظم النساء سينتخبن الجنرال عبدالفتاح السيسي رئيسا، لانه وسيم’. موجة الانتقاد التي جاءت على هذه الاقوال لم تدفعه الى الاعتذار.
ولكن عند محاولة فحص لماذا لا تنجح نشيطة هامة كمريم ميلاد في اقتحام الحاجز السياسي، يتبين أنها هي ايضا تجعل الامر صعبا على مؤيديها. هكذا مثلا، قبل الانتخابات للبرلمان في العام 2011، اعلنت ميلاد القبطية بانه سيسرها التعاون مع السلفيين ومؤيدي الاخوان المسلمين، وذلك لان ‘حزبي ليس حزبا قبطيا بل هو لكل الناس′. هذه الاقوال لم تستقبل جيدا بين الجمهور القبطي. وبعد بضعة اشهر من ذلك نشرت بان ‘فارين’ من حزب الاخوان المسلمين انضموا الى حزبها. وبعد ذلك في مقابلة مع محطة تلفزيون مصرية وجهت اتهامات شديدة للرئيس مرسي على شكل ادارته للدولة. وقد اوقف البث في منتصفه. وقبل نحو شهر اتهمت وزير الداخلية المصري بان تعريف الاخوان المسلمين كمنظمة ارهابية ‘جاء متأخرا جدا’، وعمليا فانها في النصف سنة الاخيرة تحدثت بحدة ضد الاخوان’.
ولكن حركات الاحتجاج هي الاخرى لا يمكنها أن تؤيدها حقا. فقبل نحو عشرة ايام طلبت ميلاد من كل من يريد ان يحتفل بيوم الذكرى الثالثة للثورة ان يطلب رخصة للتظاهر كما يطالب القانون. ‘في ظل عدم وجود رئيس وبرلمان، فان كل ما تبقى لنا هو القانون’، شرحت ميلاد. ولكن هذا هو ذات القانون لترتيب المظاهرات الذي تعارضه حركات الاحتجاج وترى فيه خروجا خطيرا عن مبادىء الثورة.
”النساء لا زلن يضطررن الى مغازلة الاحزاب ‘الرجولية’، كي يتمكن من العمل في المجال السياسي البرلماني وعدم الاكتفاء بالنشاط الاجتماعي في اطار الجمعيات’، تقول ميرفت تلاوي. ولكن مشكوك فيه أن تكون حتى هي ستصوت في صالح حزب ‘الحق’ لميلاد. فميلاد ليست فقط شخصية شاذة في السياسة المصرية بل هي ايضا قبطية وشابة، بل ربما شابة اكثر مما ينبغي. يبدو أن الثورة التي رفعت اعلام المساواة ولوحت بشعارات الوحدة المدنية دون فرق في الدين والجنس، لا تزال حبيسة مفاهيم محافظة بالنسبة للنساء. مصر بالذات، طليعة الحركات النسوية في الشرق الاوسط، تلحق الان بتونس بل وحتى بايران.
تسفير برئيل
هآرتس 2/2/2014