تشخيص أردني عميق: تصعيد ‘فلسطيني’ يحظى بالتفهم والدعم من ‘مطبخ كيري’بسام البدارين

عمان ـ ‘القدس العربي’ غياب إسم وزيرالخارجية الأمريكي جون كيري ومشروعه وحتى أخبار المفاوضات عن القاموس السياسي الأردني العلني لا يؤشر في رأي خبراء الدبلوماسية الأردنية على ‘عدم وجود مستجدات’ أو تراجع الماكينة الداعمة لعملية المفاوضات بقدر ما يدلل على مساحة اليقين السياسي عند الدوائر الأردنية المطلعة على الحيثيات.
بوضوح شديد توقف وزير الخارجية الأردني النشط ناصر جودة عن الإدلاء بتصريحات أو تعليقات تخص المفاوضات وكيري .
ولم تصدر بيانات رسمية أردنية تعلق على مسار الأحداث خصوصا بعدما دخل الرئيس محمود عباس في استعراض ‘رد الفعل’ وبدأ بخيارات تصعيدية من المرجح في رأي المستوى السياسي الأردني أنها محسوبة ولا يمكنها الإنطلاق والتمأسس بعيدا عن آليات الضغط التي يوفرها كيري أصلا في الإتجاه المضاد للإسرائيليين.
لكن صمت المؤسسة الأردنية وعدم تسريب مواقف لها خصوصا بعدما أعلنت مساجد الضفة الغربية المقاومة السلمية بتوجيهات وزيرالأوقاف محمود هباش المقرب من عباس لا يعني سياسيا وإعلاميا أكثر من أن عمان تشخص وتقيم المسألة بدقة إضافة لكونها ‘داخل الصورة’ مما يبقيها جزءا منها عموما.
بالنسبة لنقاشات مغلقة جرت مؤخرا وراء كواليس مجلس الأعيان الأردني لا زالت إسرائيل ترى نفسها في موقع القوة والصدارة الذي يتيح لها الإمتناع عن تقديم أي تنازل ومن أي نوع للطرف العربي والفلسطيني ما دام النظام الرسمي العربي مشغول بقضاياه الداخلية ومتخندق وراء وثيقة المبادرة العربية التي تم التأكيد عليها كمرجع في قمة الكويت الأخيرة.
الطرف الذي سيعيق كيري وخطته في تقييم غرفة القرار الأردنية هو بنيامين نتنياهو وشريكه الموتور أفيغدور ليبرمان والأطراف الوطنية المحلية التي تعترض على تداعيات مشروع كيري على الوضع الداخلي في الأردن يقال لها أن تترك الأمر لإعاقة الخطة عبر الطرف الإسرائيلي على أمل تراكم الخلاف بين تل أبيب وواشنطن مما سيحقق قدرا من الإسترخاء لاحقا للأردن ولسلطة عباس.
على هذا الأساس إستمعت ‘القدس العربي’ مباشرة لرئيس وزراء الأردن عبدالله النسور وهو يتحدث بانتباه عن ‘شغف وحماس′ الوزير كيري في الوقت الذي يتداول فيه السياسيون القصة المتعلقة برغبة كيري في تحقيق إختراق كبير في الشرق الأوسط كرافعة لترشيحه لانتخابات الرئاسة رغم أن خطته المثيرة للجدل وفي رأي الوزير جودة هي في الواقع خطة إدارة أوباما برمتها.
على نحو أو آخر تبدو عمان وهي العاصمة العربية الأكثر احتكاكا وقربا من الحدث الفلسطيني والإسرائيلي معنية بعدم التحدث رسميا عن خطة كيري التي تتميز بديناميكية المرونة بدليل أنها لم تنتج بعد حتى تنضج ورقة كيري المتكاملة بعيدا عن الحضن العربي والأردني ثم يجري التعامل معها.
بذكاء وخبرة يتقصد الأردنيون الإنزواء قليلا حتى تنضج المواجهة مباشرة بين كيري والإسرائيليين على أمل أن يحدث ذلك فارقا في مستوى الضغط الأمريكي على اليمين الإسرائيلي خصوصا وان ما تسرب من خطة كيري حتى اللحظة يؤشر على مشروع متكامل يعالج كل القضايا وتسعى حكومة نتنياهو حصريا لإعاقته قبل غيرها وهي المهمة التي سيسعى لها ليبرمان عشية لقائه المفترض بكيري.
على هذا الأساس يمكن رصد الهدوء الأردني التام وعدم التعليق على مجريات أحداث نهاية الأسبوع حيث فشلت جولة المفاوضات التي رعاها مارتن إنديك في القدس وأعلنت تل أبيب التراجع عن إطلاق سراح الدفعة الرابعة من الأسرى وقصفت غزة وهددت السلطة بعقوبات إقتصادية لم تر لها مثيلا في الماضي قبل أن يتجاوب أنصارها في الكونغرس ويهددون عباس بعقوبات إقتصادية.
في المقابل وقع عباس الأوراق التي تنفذ التهديد بالإنضمام إلى المنظمات الدولية وبدأت مساجد الضفة الغربية بالدعوة للمقاومة السلبية وهدد صائب عريقات مباشرة أمام إنديك قادة إسرائيل بأن ‘دولة فلسطين’ التي حظيت بشرعية الإعتراف ستلاحقهم كمجرمي حرب .
في التقييم العميق والداخلي الأردني على أقل تقدير لايمكن لعباس بحكم الإعتبارات الواقعية والخبرة السابقة الذهاب إلى هذه الجبهات التصعيدية بالداخل مع الإسرائيليين بدون’تنسيق’ من نوع ما مع الأمريكيين وتحديدا مع الجبهة التي يقودها كيري فالأخير رافق عباس في رحلته الأخيرة إلى واشنطن إلى منظمة إيباك وطلب من رموز اللوبي اليهودي ‘ترك هذا الرجل الصديق يعمل’ كما طلب ‘تقدير جهود الرئيس عباس′.
وكيري عمل بنشاط وراء الكواليس على إنجاز صفقة الأسرى وفقا للمقاييس الأقرب لعباس بسبب حساسية هذا الملف للشعب الفلسطيني.
عمليا يوحي تصرف كيري بأن ‘خلية الأزمة’ التي يديرها الأمريكيون لصناعة عملية سلام جدية معنية في الجوهر بسياسة ‘تمكين’ الرئيس عباس وبالضغط على إسرائيل بالمقابل في إطار عملية مزدوجة تهدف لفرض تصور كيري على جميع الأطراف.
قد يعني ذلك أن تهديدات عريقات بمحاكمة ليفني ورفاقها في القيادة الإسرائيلية والتقدم بطلب للإنضمام إلى المنظمات الدولية في إسقاط مباشرعلى اتفاقية المحكمة الجنائية الدولية هي في الواقع سلوك سياسي تفاوضي قد لايمكنه الولادة خارج مطبخ كيري.
موضوع الجنائية الدولية هو أكثر ما يربك الإسرائيليين بسبب معايير القانون في الدول الغربية .
قبل ذلك بنحو عامين جازف عباس بإغضاب المجموعة العربية عندما ذهب بطلب الدولة لمجلس الأمن مواجها ال’فيتو ‘ المرجح وليس للجمعية العمومية كما نصح العرب وهو الإتجاه الذي عاد إليه لاحقا وحصل على ‘الدولة’.
بكل الأحوال تمارس سلطة عباس سلوكا سياسيا وهي ترد بـ’الأوراق المتاحة’ على الصلف الإسرائيلي ولا يبتعد مطبخ كيري عن سياقات الممارسة السياسية وهو يسمح بعبور ‘التصعيد الفلسطيني’على أساس أنه أداة تفاوضية.
المطبخ الأردني يمارس بدوره أقصى طاقات الصبر السياسي وهو يراقب تفاعلات المعنيين مباشرة بالمشهد والصدام التفاوضي فعمان تخطط جيدا لمسألتين : إذا نجحت خطة كيري وأصحبت واقعا ‘ستدعمها’ وإذا أخفقت لن تستطيع جهة إتهامها بإعاقتها.

جزاكم الله خيرا وبارك الله لكم وعليكم
دمتم بحفظ المولى

اقف اجلالا لعبق حروفك وابحارك في مكنونات
 الذات الانسانية فاجدني عاجزا عن الرد حيث
 تسمرت الحروف على الشفاه جزيل شكري وتقديري
لما سطرت يداك المباركتان من حروف ذهبية
 دمت بخير