تفجير التفاوض تفجير للأوضاع في الضفة
ستستمر الوساطة الامريكية هذا الشهر لكن مؤشرات تشير إلى احتمال التصعيد في الضفة
عاموس هرئيل
April 4, 2014
منذ أن فاجأت السلطة الفلسطينية اسرائيل والولايات المتحدة باعلان تقديم طلبات انضمام الى المواثيق الدولية الـ 15 في يوم الثلاثاء من هذا الاسبوع، اتهم مسؤولون اسرائيليون كبار القيادة الفلسطينية بسلوك لا مسؤولية فيه وقالوا إن السلطة تعرض الاستقرار الاقليمي للخطر. وزعمت وزيرة القضاء تسيبي لفني علنا أن خطوة السلطة تضر بالمصلحة الفلسطينية. وحذرت لفني الفلسطينيين في داخل الغرفة بحسب تسريبات من الطرف الثاني، من عقوبات اسرائيلية على السلطة اذا استمرت على دفع التوجهات قدما.
لكن القلق الاسرائيلي المفهوم لا يمكن أن يغطي حقيقة أساسية وهي أن اسرائيل لا السلطة هي التي نكثت الاتفاقات السابقة في التفاوض. فقد كان يفترض أن تفرج اسرائيل في نهاية شهر آذار عن الدفعة الرابعة الاخيرة وفيها 26 سجينا فلسطينيا من 104 سجناء التزمت بالافراج عنهم بحسب الاتفاق السابق مع السلطة والامريكيين في تموز من العام الماضي. ومنذ اللحظة التي لم تف فيها اسرائيل بالتزاماتها وتجاهلت الجدول الزمني، رأى الفلسطينيون أنفسهم أحرارا في الرد.
اذا أخذنا في الحسبان أن الحال كذلك فانهم لم يقلبوا الطاولة بالضبط، فالتوجه الى مؤسسات الامم المتحدة أعده العاملون مع الرئيس محمود عباس منذ زمن طويل ليكون خطة مطوية. فلو شاء الفلسطينيون أن يحدثوا ازمة بكامل معناها لأعلنوا تفجير الاتصالات الآن بدل أن يتيحوا شهرا آخر تقريبا لاستنفاد المحادثات بحسب الاجل المسمى الأصلي الذي اتفق الطرفان عليه. ومع ذلك قال عنصر أمني رفيع المستوى في اسرائيل أمس لصحيفة هآرتس إن ‘المحادثات بلغت الى أشد نقطة ازمة منذ كان مؤتمر انابوليس في 2007′.
كان للامريكيين ايضا الذين هددوا أمس بترك كل شيء والعودة الى واشنطن وانتقدوا سلوك الطرفين، كان لهم نصيب مهم في إحداث التعقيد. فقد بدأ ذلك بفرض وزير الخارجية جون كيري الذي بدا من البداية طموحا وغير واقعي وهو أنه سيمكن اقناع اسرائيل والسلطة الفلسطينية بالتوصل الى تسوية بعد انتهاء محادثات تحدد في تسعة اشهر (في حين أن المصلحة السياسية الواضحة لعباس ولرئيس الوزراء نتنياهو هي أن يُلاشيا الاتصالات دون التوصل الى اتفاق لأن ذلك سيكون مقرونا بتنازلات صعبة وازمات في الجبهة الداخلية).
وجاء بعد ذلك الطبيخ الذي طبخه كيري في قضية الدفعة الاخيرة. وقد أصبح واضحا كثيرا اليوم أن نتنياهو لم يعط لكيري أي التزام بأن يفرج عن 14 سجينا عربيا اسرائيليا محكوما عليهم بسجن مؤبد وهذه خطوة شديدة الصعوبة بمعناها القضائي وليس لها تشجيع من الجمهور باعتباره جزءاً من الدفعة الاخيرة. وقد جعل كيري عباس إما لأنه بُلبِل وإما على عمد، جعله يفهم أنه سيحدث افراج كهذا دون أن يكون نتنياهو التزم به. ولم يسارع الوسيط الامريكي ايضا الى حل المشكلة برغم التحذيرات الاسرائيلية المعلنة خلال الاشهر الاخيرة كلها.
ظهرت الأنباء المنشورة عن صفقة جديدة تلوح تباشيرها لاطالة أمد التفاوض، أول مرة في يوم السبت الماضي. فقد تحدث آفي يسسخاروف في موقع ‘والله’ عن استعداد اسرائيلي للافراج عن 400 سجين فلسطيني آخر. ورد الطرفان بتصريحات تهرب، لكن تبين حتى مساء يوم الاثنين أن الامريكيين قد صاغوا خطوط الصفقة الهيكلية التي كان يفترض أن تشمل حبة حلوى مهمة لاسرائيل الافراج عن الجاسوس اليهودي الامريكي جونثان بولارد مع تفاهمات ليست ملزمة جدا لكف جماح البناء في المستوطنات.
كانت هذه صفقة واعدة جدا في ظاهر الامر بالنسبة للمشاركين فيها. فعباس يعاني مشكلة حرجة هي انعدام الشرعية تضاف الى خيبة الأمل من الجمود السياسي والتباطؤ الاقتصادي في الضفة الغربية. إن حقيقة أن آخر مرة أجريت فيها انتخابات في المناطق كانت في كانون الثاني 2006 تضعضع منزلته لدى الجمهور الفلسطيني وتجعل من الصعب عليه أن يتوصل الى اتفاقات ما مع اسرائيل. وكان الافراج عن عدد كبير نسبيا من السجناء، وأكثر من ذلك الافراج عن الـ 14 عربيا اسرائيليا، كان سيُمكّنه من أن يعرض انجازا حقيقيا ردا على الازمة الحالية وردا على نجاح حماس في صفقة شليط التي تمت في تشرين الاول 2011.
وأكثر من ذلك أن استمرار التفاوض، كالتفاهمات في جولات سبقت، معناه على نحو عام تحويل كبير آخر لاموال الى السلطة الفلسطينية، من الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي. وتضمن هذه الهبات دفع رواتب عمال السلطة الفلسطينية وفي مقدمتهم عشرات آلاف العاملين في اجهزة الامن. وإن مصدر العيش المضمون اشهرا الى الأمام يُسهل التنسيق الامني الفلسطيني مع اسرائيل، ويكون ضمانا ما من نشوب عنف جديد على الارض وهو قلق الجانب الاسرائيلي الرئيس.
لكن عباس كانت عنده تقديرات اخرى ايضا. وكانت الرغبة في الرد على تأخير الدفعة واحدا منها، ومثله ما نشر في اسرائيل (وهو في نفسه طعام قديم جدا) بشأن مناقصة لبناء 700 وحدة سكنية في الحي المقدسي غيلو، وراء الخط الاخضر. وأضيف الى ذلك كما يبدو ظن الفلسطينيين أن اسرائيل استخرجت من الامريكيين بالصفقة المقترحة أكثر مما أخذوا هم أنفسهم؛ واذا كان نتنياهو مستعدا للافراج عن 400 سجين للحصول على إطالة أمد التفاوض حتى نهاية السنة على الأقل، وعلى بولارد، فانه من الممكن أن تُبتز منه تنازلات أكثر جوهرية، وقد أصبحت ساعة النهاية تتكتك بقوة.
وكانت هناك ايضا مسألة ‘نوع′ المفرج عنهم. فما زال الفلسطينيون يتذكرون لنتنياهو الحيلة قبل 16 سنة، في حكومته الاولى، حينما أفرج، باعتبار ذلك جزءاً من اتفاقات واي، عن مئات لصوص السيارات بدل مخربين سجناء. وفي هذه النقطة أثير من جديد طلب طلبه الفلسطينيون قبل شهرين. لأنه اذا كان سيفرج عن مشاهير هم أبناء ضائعون يعودون الى حضن الشعب المحب، فلماذا يُكتفى ببولارد ولا يُزاد مروان البرغوثي على القائمة ايضا؟ وقد بُحث في الافراج عن البرغوثي في اطار الاتصالات بحماس بشأن صفقة شليط، لكن ذلك أعيق آنذاك بسبب معارضة اسرائيل ولأن حماس والسلطة لم تكونا تريدان ذلك في الحقيقة. لكن الظروف تغيرت الآن، فقد أصبح عباس يشعر بأنه مهدد بازاء نشاط محمد دحلان التآمري في الضفة بدعم مبالغ كبيرة من المال القطري. وقد يكون محتاجا الى البرغوثي ليقف معه ليعادل زيادة قوة دحلان، برغم تحفظه من الشخص نفسه ومن مجرد فكرة عرض وريث محتمل. لكن يبدو أن احتمالات أن يقبل نتنياهو هذا الطلب ضعيفة جدا.
وفي خلفية كل ذلك توجد مسألة أشد مبدئية ايضا. ففي التسوية السابقة التي بدأت المحادثات بمبادرة كيري في تموز الاخير تم قبول صيغة حثت اسرائيل عليها وهي الافراج عن سجناء عوض الاستمرار على البناء. ويظن عباس أنه أعطى الكثير جدا في الجولة السابقة وحصل على القليل جدا. توجد في الحقيقة أهمية رمزية للافراج عن السجناء، لكن الموافقة الصامتة على البناء من وجهة نظر فلسطينية ولا سيما في المستوطنات خارج الكتل الاستيطانية، تعني استسلاما للجهد الاسرائيلي لاقرار حقائق اخرى على الارض تحبط كل احتمال انسحاب في المستقبل من أكثر أجزاء الضفة.
ما هي احتمالات أن تتم الصفقة الآن مع كل ذلك بعد أن بدا في الايام الاخيرة أن عجلة التفاوض تنتقض أجزاءً وتنتثر في كل اتجاه؟ بل ظهر فجأة في شأن بولارد الذي كان يبدو شبه منقضٍ بعد رفض متشدد دام ثلاثة عقود، بسبب رغبة الادارة الامريكية اليائسة في اظهار نتائج، ظهرت معارضة شديدة من اعضاء في مجلس النواب ومن العاملين في وكالات الاستخبارات.
لا شك في أن الامريكيين يبذلون الآن جهدا لمحاولة حل الاختلافات. ويجب أن نذكر أن أقل الاتفاقات في الـ 25 سنة الاخيرة كانت مصحوبة على نحو عام بازمات حتى اللحظة الاخيرة وبتهديدات متبادلة وبتحذيرات امريكية من ترك الوساطة، وأن الوسيط لا يمكن أن يريد السلام أكثر من الأعداء أنفسهم.
لكن أبو مازن ليس ياسر عرفات، فهو مواطن عجوز في التاسعة والسبعين من عمره لا يؤمن منذ سنين كثيرة بقدرة الارهاب والنضال العنيف على أن يفرضا على اسرائيل استجابة لمطالب الفلسطينيين في الحد الأعلى. وللسلطة الفلسطينية الآن ايضا الكثير جدا مما تخسره اذا فجرت المحادثات مع اسرائيل كليا، فان ذلك قد يعجل انهيارها. فيمكن اذا أن نُقدر في حذر أن محاولات وساطة واشنطن ستستمر في شهر نيسان كله بغية التقريب بين وجهات النظر بين اسرائيل والفلسطينيين. ويبدو أن أكبر خطر الآن ليس في الجبهة الدبلوماسية بل في صعيد آخر على الخصوص وهو صعيد الأحداث على الارض.
ما زالت تتجمع علامات على تصعيد عسكري محتمل منذ اسابيع كثيرة، ببطء. ويعبر عن ذلك ازدياد عدد القتلى الفلسطينيين برصاص الجيش الاسرائيلي في الضفة، وتزايد حوادث رشق الحجارة والزجاجات الحارقة في المناطق، والتوتر المستمر حول جبل الهيكل، وهجمات “شارة الثمن” من اليمين المتطرف على مساجد وممتلكات فلسطينية، وفقدان اجهزة السلطة السيطرة على مخيمات اللاجئين. وليس والسؤال الذي يجب أن يقلق الآن لا الامريكيين فقط بل القيادة الاسرائيلية والقيادة الفلسطينية ايضا هو ما الذي سينطوي عليه هذا التأليف بين ازمة طويلة في التفاوض بينهما والاحتمال المتوتر الذي أخذ ينشأ بالتدريج على الارض.
يديعوت 4/4/2014