السينـاريـو الامــريكــي الجــديــد فــي العــراق : صلاح المختار

Share on facebookShare on twitter

شبكة ذي قـار صلاح المختار مرة اخرى نعود الى الاصل : ما الذي تنفذه امريكا في العراق الان بعد تصاعد الثورة العراقية المسلحة ؟ باختصار ارجو تذكر التالي :
1 – المخطط القديم المستمر منذ سبعينيات القرن الماضي هو تقسيم الاقطار العربية الى دويلات قزمة قائمة على اسس العرق والدين والطائفة والقبيلة والمصلحة المناطقية والايديولوجية ...الخ ، بدأ تنفيذه في النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي بالخطوات المترابطة عضويا التالية : في مصر قام السادات بزيارة القدس ، في افغانستان اعد ودعم من اطلق عليهم اسم ( المجاهدون الافغان ) ، في ايران دعم خميني وايصاله للحكم فيها ، قيام خميني بفرض الحرب على العراق وما واكبها من احياء لفتن طائفية كانت نائمة وضعيفة ، العدوان الثلاثيني على العراق في عام 1991 ، الحصار الطويل وما واكبه من تحطيم منظم لمنظومة القيم الاجتماعية وهو الهدف الكبير وقتها ، غزو العراق في عام 2003 ومواجهة امريكا ما لم تكن تتوقعه : المقاومة العراقية الباسلة التي هزمت الامكانية العسكرية التقليدية لامريكا واستنزفتها ماليا وبشريا .
وجاء التغيير الاخطر في عام 2005 بعد ملحمة الفلوجة البطولية وهو تغيير الستراتيجية الامريكية من التوسع الامبريالي بالقوة العسكرية وبمساعدة المخابرات الى الغزو بالمخابرات وبمساعدة القوة العسكرية ، وتلك هي بداية ما سمي ب ( الربيع العربي ) وهو اكبر كوارث العرب في تاريخهم قديما وحديثا وهو ما نراه ، وبعيدا عن اي لغو فارغ ، في سوريا المدمرة وليبيا التي تحترق واليمن ومصر وتونس والبحرين ولبنان التي تحرق ببطء امام نواظرنا لايصالها الى ما وصلت اليه سوريا وليبيا والعراق ، ووصول النيران الى السعودية ودول الخليج العربي والمغرب العربي .
2 – من الضروري تذكر الاحداث التي عشناها لاهمية ذلك في فهم ما يجري الان : فشل العمل المخابراتي في العراق بعد عام 2005 والذي اعتمد على تحريك عناصره النائمة داخل فصائل مقاومة في العراق وتمزيقها وتحويلها الى صحوات بدعم مباشر من اخطر اعداء المقاومة : البترودولار العربي ( المستخدم من قبل امريكا ) والايراني ، ومحاصرة الفصائل القومية والوطنية والاسلامية التي كانت منيعة بوجه الاختراق المخابراتي ، انشاء جيش تابع للمخابرات الامريكية والحكومة العميلة بلغ عدده مليون انسان قبل انسحاب القوات الامريكية وتسليم العراق الى ايران كي يمارس الابادة البالغة القسوة للعراقيين ويكمل ما لم تنجح امريكا فيه .
تلك خطوات متعاقبة ومترابطة وحاسمة اكدت ما قلناه ، وكررنا قوله منذ عام 1980 وهو ان امريكا تدعم ما سمي ب ( الاصولية الدينية ) الاسلامية والمسيحية واليهودية والهندوسية ليس حبا بتلك الاصوليات بل من اجل تفتيت شعوب العالم خصوصا الشعب العربي على اسس طائفية ودينية وعرقية وغرس بذورة الثأرات الدموية في كل قطر بين ابناء الشعب الواحد ، وصولا لما نحن فيه الان من حروب اهلية احرقت الاخضر واليابس وحققت لاسرائيل ما لم تكن تحلم به دون اطلاق رصاصة واحدة وصرف دولار واحد وتم كل ذلك باذرع ( المجاهدين ) العرب والمسلمين وبالمال العربي وبالاحقاد الفارسية المتجذرة !
3- علينا جميعا الانتباه الى حقيقة نعرفها لكن بعضنا لسبب غريب يتناساها وهي ان القطر الوحيد الذي نجا من التفكيك الطائفية والعنصري كان العراق ، رغم انه دفع ثمنا هو الاكبر بشريا وهو خمسة ملايين عراقي استشهدوا منذ عام 1991 وحتى الان ، بعد 11 سنة على تلك الكارثة فان النسيج الاجتماعي للعراق مازال محصنا ضد التفتيت الطائفي . والدليل الاوضح هو ان العراق مازال بعيدا عن التقسيم بعد 11 عاما من الكوارث البشرية غير المسبوقة منذ الحرب العالمية الثانية ، فلم تطبق الفدرالية ولا نظام الاقاليم رغم كل الجهود المتواصلة وصرف مليارات الدولارات لشراء الضمائر ، ولم يتقاتل السني والشيعي وانما الذي رايناه هو احزاب طائفية تتقاتل من اجل المال والحكم .
الشعب اليوم متوحد حول هدف مشترك وهو اسقاط الحكومة العميلة لدرجة ان العراق يشهد ، بالاضافة الى تعاظم الثورة المسلحة وتفكيك جيش العملاء ، حملات شعبية جريئة جدا وعلنية خصوصا في جنوب العراق ضد المالكي وحكومته تستخدم فيها لاول مرة في تاريخه اوصاف لم تستخدم في السياسة من قبل مثل هتاف ( حيوان نوري المالكي حيوان ) وهتاف ( كواد نوري المالكي كواد - قواد ) وهما وصفان غير مسبوقان اصبحت اوصاف الكذاب والحرامي والعميل مقارنه بهما بسيطة ، الامر الذي يؤكد اولا بان شعب العراق لم يعد يتحمل حكومة العملاء وثانيا انه يعرف ان الفتن الطائفية ليست سوى عمل سياسي معاد لكل العراقيين بكافة مكوناتهم ويضر بهم كلهم وليس بطرف واحد منهم .
4 - والاخطر بالنسبة لتجالف الشر الثلاثي امريكا وايران واسرائيل هو انه بدلا من تقسيم العراق تنطلق انتفاضة سلمية بعد عشر سنوات من القهر المتطرف تشمل كل المحافظات ، ففي الوسط والشمال اتخذت شكل اعتصامات جماهيرية ملايينية ، اما في الجنوب وبسبب وضعيته الخاصة ، كمركز لتجميع اهم قوى ايران المختلفة ، اتخذت اشكال تظاهرات متقطعة تقمع بعنف هدفها رفض الفساد والفقر والتسلط والقتل العشوائي لكنها انتقلت الى مطاليب سياسية ضد الحكومة وايران مباشرة فتكاملت شروط الثورة قطريا .
كيف ترد امريكا وايران لاجهاض الثورة السلمية ؟ استخدم العنف المتطرف في الحويجة فاشتعلت نيران الثورة المسلحة ضد الاستعمارين الايراني والامريكي ، وتحولت الانتفاضة السلمية الى عملية منظمة بدقة لتحرير العراق . وهنا واجهت امريكا اكبر تحد لها ولستراتيجيتها الكونية عامة ، فالعراق بعد عشر سنوات يشهد ثورة شعبية مسلحة تتسع يوميا بينما تتفكك الحكومة واداوتها القمعية الفاشية والاحزاب التابعة للاحتلال ويغيب الامل باعادة توحيدها ، لهذا عادت امريكا لتطبيق سيناريو سوريا في العراق .
5 – ما هو سيناريو سوريا ؟ السيناريو الذي طبق ويطبق في سوريا ترفع فيه مطاليب الشعب الاساسية في الحرية والكرامة والعدالة وازالة الاستبداد ، لكن هذه الشعارات استخدمت وكما اثبتت احداث السنوات الثلاثة الماضية لاشعال حروب اهلية عربية - عربية تحرق كل ما بناه العرب خلال القرن الماضي فلا تحقق الاهداف المشروعة باي شكل بل ترمي الشعب العربي والدول العربية والمجتمع العربي وليس النظم فقط في افران غاز جماعية تبيد الاف الناس كل شهر بلا رحمة وتهجر ملايين الناس بقسوة غير مسبوقة من ديارهم وترميهم للجوع والمرض وكل ما يترتب عليها من بشاعات التدهور الاخلاقي وغيره .
تحت شعار الانتفاضة وتلبية مطالب الجماهير حدثت وتحدث اخطر الجرائم الجماعية ضد الشعب العربي ، فسوريا بعد 6 ستة شهور من انتفاضة شعبية سلمية ناجحة بكل المعايير تحولت الى حرب اهلية حينما ادخل الى سوريا الاف العرب والاجانب باسم الجهاد ضد النظام ، وبالمقابل ادخل الى سوريا حزب الله والاف العراقيين وغير العراقيين من نغول ايرا ن ، وبدات عملية السحق المنظم لشعب سوريا ولدولة سوريا ولنخب سوريا الخبيرة ، وانهار المجتمع مع انهيار الدولة ، وتحولت سوريا من واحة الجمال العربي والنقاوة القومية الى مستنقع لصراع طائفي لا يبقى ولا يذر وتتوقع المصادر الصهيونية بان سوريا لن تقوم لها قائمة ان بقيت موحدة قبل نصف قرن على الاقل وهذا هدف ستراتيجي كبير لاسرائيل .
السيناريو السوري نراه في ليبيا بصورة واضحة جدا ، ونرى مقدماته في مصر رغم اقصاء حكم الاخوان لان ما يجري هو الدفع التدريجي لمصر نحو كارثة التفكك ، فالجيش يفقد هيبته يوميا عن طريق مهاجمته من قبل نفس الوجوه التي دخلت سوريا وخربت انتفاضتها ، ونفس الوجوه التي دخلت ليبيا وحولتها الى كرة نار مشتعلة تحرق الليبيين كلهم ! واذا استمر الحال فسوف لن يكون بمقدور الجيش ولا الشرطة منع الحرب الاهلية ، وهذا ما يحدث في تونس الان وبعد اقصاء حكومة الغنوشي فكل مازرع في تونس ينمو محاصيل عنف منظم ضد الدولة والمجتمع .
ومن يعتقد بان هناك ايجابيات كبيرة في مصر وتونس واهم فايجابية اسقاط حكم الاخوان ليست نهاية المطاف بل هي خطوة باتجاه الطبخ البطئ لمصر وتونس على نار هادئة لتصلا الى ما وصلت اليه سوريا وليبيا ، وكذلك اليمن الذي تبدو المؤامرة الامريكية عليه واضحة بفرض الفدرالية عليه وتقسيمه الى ستة فدراليات مع انه دولة عربية خالصة وليس فيها اقليات قومية . اما البحرين فانها تواجه صراعا عنيفا مصطنعا اشعلته ايران بدفع نغولها هناك من حزب الدعوة ( جمعية الوفاق ) وحلفاءه وتتخذ امريكا موقفا واضحا كل الوضوح في دعمه لايران بصورة كاملة وصريحة فالعنف المنظم يمارس ممن يدعون المطالبة بالاصلاح ضد الحكومة والحكومة ترد وهكذا وصلت البحرين الى منعطف خطير جدا .
6 – الان اكتملت صورة السيناريو الامريكي الايراني في العراق وكالاتي :
أ – تخصيص مبالغ كبيرة لشراء ضمائر بعض الشيوخ وابعادهم عن دعم الانتفاضة المسلحة وزجهم في حرب ضد الانتفاضة في الانبار .
ب – محاولة ابقاء القوى الوطنية المنتفضة في الانبار متفرقة ودون توحيد واشعال الفتن بينها .
ج – زج نفس القوى التي ادخلت الى سوريا وليبيا لتخريب القطر ، فتواجة الثورة العراقية قوة مسلحة بافضل الاسلحة ولديها مال وفير جدا وتتمتع بخبرات قتالية ممتازة حصلت عليها من افغانستان وسوريا واليمن والعراق .
د - ستكون شرارة الفتنة الاكبر هي اعلان احد الاطراف دولته او محاولته فرض مطلب مبايعته زعيما اوحدا للثورة على بقية قوى الثورة ، وبما ان القوى الثورية المتعددة الاتجاهات ترفض الوصاية والتبعية لاي جهة فان رفضها سيكون بداية لاشعال نفس فتن سوريا حاليا وفتن العراق بين 2005 و2006 .
هـ – اعدت فرق خاصة من خارج هذه الاطراف كافة لتقوم بمهاجمة كل الاطراف وقتل وابادة عناصرها في مناطق معينة لاجل اجبار الجميع على دخول حرب طاحنة لا يعرفون من اشعلها فعلا . ان غياب القيادة الموحدة والستراتيجية المشتركة والتعاون الامني المشترك بين الثوار سيكون الثغرة التي تتسلل منها تلك العصابات التي اعدتها امريكا وايران لشق الصفوف واحراق الانبار كلها .
و – عندما تشتعل الحرب بين الثوار ستدخل الصحوات وجيش الحكومة العميلة الى الانبار لتمارس ابشع انواع القتل والابادة لاهل الانبار وبلا رحمة وسيكون مصير كافة الفصائل القتل والتنكيل بما في ذلك الصحوات التي ستقتل شر قتلة في نهاية المطاف من قبل ايران والعصابات المجهولة الهوية .
ز – بعد تدمير المقاومة الوقوى الوطنية – لا سامح الله - يصبح اقامة نظام الاقاليم الطائفية نتيجة مضمونة وهي اقاليم صممت لتكون مقدمة وتمهيد للتقسيم الفعلي للعراق .
في ضوء ما تقدم فان الثورة العراقية تقف الان امام منعطف خطير ومعها يواجه العراق كله خصوصا اهل الانبار تهديدا لم يسبق له مثيل بابادات جماعية عشوائية لهم اذا هزمت الثورة لا سامح الله ، ثم تنتقل عمليات الابادات الجماعية الى ديالى ونينوى وصلاح الدين وذي قار وجنوب العراق وبغداد طبعا . انها حرب اخلاء العراق من العرب الاصلاء واسكان الفرس واليهود والاجانب محلهم وتغيير هوية العراق العربية الى الابد . لهذا فان معركة الانبار معركة حياة او موت معركة وجود العراق كله وليس الانبار وحدها . فما العمل ؟
ان الرد الفعال الوحيد القادر على حماية الثورة من الفتن والتفكك والضامن لتحقيق نصر اخذت كل بوادره تظهر وتتوضح ، يكمن في التمسك بهدفين هما : اولا وقبل كل شيء ادراك ان تحرير الانبار وحدها ليس الهدف المطلوب ، لان اقتصار المعركة فيها وحول مطاليبها المحلية فقط سوف يجهض الثورة فيها بتحشيد كافة القوى ضدها وتسخير المال لشراء الضمائر ، ولهذا فالهدف المركزي يجب ان يبقى تحرير كل العراق فتحرير العراق كله هو الضمانة الحاسمة لمنع تدمير الانبار عبر الثورة المتواصلة بلا توقف ، وثانيا لكي تظهر القوة العراقية بكامل طاقاتها الفعلية الماحقة للعدو يجب اعتبار المهمة الاساسية الان هي تحقيق وحدة كافة القوى المشاركة في الثورة وبغض النظر عن انتماءاتها السياسية والايديولوجية ، فمن يريد اقامة دولة اسلامية يبايعها الجميع سيجد نفسه في كفن واحد مع من يقاتل من اجل عراق ديمقراطي ومجتمع مدني ، فلا الدولة الاسلامية ستقوم فعلا وان اعلنت او تكرر اعلانها فسوف تسحق ، ولا العراق الديمقراطي سيقوم لان كافة انصار تلك الاهداف سوف يكونون ممدين في التوابيت ووجوههم بلا ملامح ! ماهو السبب ؟ تشتت القوى رغم انها جبارة .
وحدة كل الثوار الساعين لتحرير العراق من الغزو الايراني مهما اختلفوا هي الرد الناجح والمضمون الذي يوصل الثورة الى هدفها المركزي وهو اسقاط الحكومة التابعة للاحتلال الايراني وانقاذ شعب العراق من اكبر كوارثه قاطبة .
ان نداء التوحد من اجل تحرير العراق يعلو فوق اي اعتبار اخر والشعب العراقي الذي عانى فوق طاقة البشر يتطلع لمن ينقذه باسرع وقت وبأقل الخسائر وبغض النظر عن اسمه وهويته السياسية ، لهذا فان من يريد حقا تحرير العراق وانقاذ شعبه مطالب بوضع العراق فوق كل اعتبار ومصلحة وفكرة وتوحيد الصفوف اليوم قبل الغد والغد قبل بعده ، فالدماء تسيل انهارا واعراض الناس تنتهك جماعيا ومدن كاملة تدمر كما يحصل في الرمادي والفلوجة والكرمة وديالى .
شعبنا سيحاسبنا على التأخر حتى لساعات لانه يعني المزيد من الدماء ، واطفالنا سوف ينظرون الينا باحتقار لاننا لم نقم بما يجب من اجل انقاذ طفولتهم المعذبة ، ونساءنا لم يعدن يتحملن المزيد من الاغتصاب الجماعي من قبل نغول ايران ، لهذا فالضمير والوطن والدين يستصرخ كل عراقي ان يباشر فورا في الضغط لتوحيد صفوف الثوار قبل تنفيذ السيناريو السوري في العراق .
almukhtar44@gmail.com