نريد فلسطينيين كالنعاج
جدعون ليفي
April 27, 2014
لن أنسى أبدا الجدالات العاصفة في ساحة المدرسة. كنت فتى صغيرا أصرخ قائلا ‘كيف مضوا كالغنم الى الذبح’ بصورة قتالية. كنا نخجل منهم، وكنا نخجل لأنهم لم يقاوموا ولم يحاربوا ولم يناضلوا. وكنا نريد قدرا أقل من المحرقة وقدرا أكبر من البطولة في ‘يوم المحرقة والبطولة’.
كانت تلك ايام العار: فقد كنت أشعر بالعار بسبب الاسم غير العبري لوالدي (تيئا وهاينتس)، وبلغتهما الاجنبية (الالمانية)، وباسم بلدة جدي والد أمي (كرليبابا)، وباسم سفينة محاولي الهجرة لأبي (بروسولا)، وبأسماء المعسكرات التي أُبيد فيها بعض أبناء عائلتي. كان كل شيء اجنبيا ومخجلا جدا ولا سيما ‘غنم الذبح’.
كنت فتى وأصبحت شيخا وأصبح كل شيء يبدو مختلفا الآن. والاسماء الاجنبية أصبحت تثير الحنين، ومضت الغنم الى الذبح لانها لم تجد سبيلا اخرى. لكن بقي الاعتقاد من ساحة المدرسة على حاله وهو انه يجب على شعب ما أن يقاوم قوة اجنبية تضطهده. ونقول هنا بصورة قاطعة قبل أن يثور علينا متصفحو الانترنت: لا توجد أية مقارنة بين الابادة والاحتلال. لكن مقاومتهما معا مشروعة وعادلة بنفس القدر.
يجب علينا اليوم عشية يوم المحرقة والبطولة ان نستجمع قوانا النفسية كي نتفهم شعبا يحيا تحت استبداد شعب آخر.
ويفترض كما نُجل قوى مقاومة الشعوب المحتلة في اوروبا أن نتفهم ايضا المقاومة الفلسطينية للاحتلال الاسرائيلي. كان يجب أن يكون ذلك واحدا من دروس المحرقة يخالف تلك التي تغسل بها اسرائيل الاذهان منذ سن صغيرة. إن المقاومة الفلسطينية هي من اضعف المقاومات في التاريخ لأننا اذا استثنينا سنوات الانتفاضة الثانية اللعينة التي سفك الطرفان الدم فيها، فانه مرت سنوات الاحتلال الـ 47 على المحتل بصورة لذيذة. وفي الاسبوع الماضي انتهى فصل بائس آخر من مسيرة السلام الاطول في التاريخ واصبحت آلة الدعاية الاسرائيلية تحاول مرة اخرى ان تعرض المقاومة الفلسطينية المحدودة التي اصبحت غير عنيفة تقريبا الآن على انها غير مشروعة وعلى أنها تتحمل وحدها تبعة الفشل.
ما الذي تقوله اسرائيل بنيامين نتنياهو لفلسطين محمود عباس؟ إجلسوا في هدوء ولا تتجرأوا على المقاومة. إجلسوا في هدوء في مواجهة المستوطنات التي ما زالت تبنى بصورة وحشية في اراضيكم؛ ولا تتجرأوا على تعاطي الارهاب ولا على تعاطي الدبلوماسية التي هي كما تعلمون ‘ارهاب سياسي’، ولا على العصيان المدني ولا على المقاطعة مع المستوطنات. إشتروا فقط المنتوجات الاسرائيلية؛ ولا تتظاهروا ولا تفكروا في احتجاج غير عنيف؛ وتعاونوا مع جيش الاحتلال واجهزته الظلامية.
وكونوا مقاوليهم الامنيين حتى على أبناء شعبكم؛ واستقبلوا بحب اعمال ‘شارة الثمن’؛ واعترفوا باسرائيل دولة يهودية حتى لو لم تكن اسرائيل تعرف معناها، حتى لو لم تكن تعترف بكم ولو لحظة واحدة بأنكم شعب مساو في الحقوق؛ وانسوا حق العودة ولا تذكروه، ودعوا اللاجئين ومصيرهم، وامضوا تاريخكم وتراثكم؛ إن اقصى قدر يمكن ان تحلموا به هو دولة منزوعة السلاح مقسمة، ومصالحة على مصالحة بعد أن تخليتم منذ زمن عن اكثر الارض. وثم اقتراح أخير، الى الآن، وهو لا تتجرأوا على توحيد صفوفكم فاليمين المتطرف والمتدين والقومي جائز في حكومات اسرائيل فقط. أو بعبارة اخرى: ‘انتسبوا الى الليكود’، وساعدوا الجيش الاسرائيلي ولا تشوشوا على ‘الدعاية’ وكل شيء أقل من ذلك يعتبر ظلما منكم.
والحقيقة هي أن عباس قد أوفى بصورة مدهشة جدا بأكثر هذه الشروط لكنه لم يف بها جميعا ولهذا لم تكتف اسرائيل بذلك. وهي في واقع الامر لن تكتفي أبدا فهي تشترط شروطا جديدة في كل مرة يفي بها بالشروط السابقة. سيكتب في التاريخ الفلسطيني أنه متعاون مع الاحتلال مثل د. اسرائيل كاستنر، من غير الابادة ومن غير الانقاذ. وبين آنذاك كغنم الى الذبح ونحن الآن نطلب من الفلسطينيين أن يمضوا كالغنم الى الاحتلال. كان يجب على الاسرائيليين واليهود في هذا اليوم على الاقل أن يتفهموا ذلك.
هآرتس 27/4/2014