رشاش فتاوي الجهاد والشهادة يغتال العراق
هيفاء زنكنة
August 25, 2014
تزايدت التفجيرات الإرهابية، باصنافها ، في العديد من المدن العراقية، في الاسبوع الأخير، وكان أبواب الجحيم التي هدد بفتحها رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، إذا ما أجبر على التنازل عن «حقه الدستوري»، قد فتحت حقا، ليحترق البلد ومن فيه. وإذا ما كانت منظمة داعش الإرهابية تتلقى الضربات العسكرية المتتالية عبر الغارات الأمريكية وهجوم البيشمركة وقوات النظام ، نجد ان رئيس منظمة عصائب أهل الحق الإرهابية يحظى بمعاملة مسؤول حكومي رفيع المستوى من قبل ذات الجهات المستنكرة للوجود الداعشي. ازدواجية المعايير هذه سواء كانت محلية أم دولية تهدد بالمزيد من الضحايا الأبرياء والمهجرين مما دفع بعثة الأمم المتحدة في
العراق ( يونامي) إلى إصدار نداء حول ضرورة الإسراع في تقديم المساعدات الانسانية الفورية، وبطرق آمنة، ودون عوائق إلى العوائل النازحة داخليا واللاجئين الحاليين والجدد في البلد بصرف النظر عن الدين أو العرق أو الانتماء. هذه الدعوة ليست الأولى من نوعها إذ لم تكف المنظمات الدولية والإنسانية عن إصدار دعوات تقديم المساعدة للنازحين قسرا والمهجرين، المرة تلو المرة، منذ غزو البلد في عام 2003 وحتى اليوم.
ان أرقام المهجرين كبيرة بكل المقاييس. هناك ما يزيد على المليون ونصف نازح داخل العراق فقط ، أما خارجه فالاحصائيات تشير إلى مليونين موزعين في العديد من البلدان المجاورة والبعيدة. النازحون يعانون من الوضع الإنساني المتردي المتمثل بقلة الخيم، وشحة مياه الشرب وقلة الخدمات الطبية المقدمة. وإذا ما أضفنا إلى ذلك غياب التعليم والعمل وعدم تأمين الطرق لايصال المساعدات لوجدنا اننا إزاء مأساة ستنعكس على جيل المستقبل أضعاف أضعاف حجمها الحالي.
من الذي يتحمل مسؤولية هذا الخراب البشري؟ وهل يحتاج العراق إلى طلب المساعدة والعون من المنظمات الدولية وهو واحد من البلدان الغنية بنفطها وصادراتها وميزانيتها الضخمة التي لم يعرف لها العراق مثيلا في السابق؟ ولم التهجير و»العراق الجديد» يتنعم بالدعم الأمريكي الايراني بالإضافة إلى دخول
روسيا على الخط ؟
من المعروف ان أسباب التهجير في ظل نظام البعث كانت سياسية، غير انها باتت، تحت الاحتلال وحكوماته المتعاقبة، حملة تطهير ديني ومذهبي وعرقي ممنهجة تهدف إلى تفريغ العراق من تنوعه وغناه الديني – المذهبي – العرقي وفرض عراق جديد يتصارع على تفتيته ونهبه ساسة واحزاب وميليشيات مسلحة بأموال النفط من جهة والفتاوي الدينية من جهة أخرى.
هذه التركيبة الكارثية دخلت العراق مع المحتل الذي نثر بذورها الطائفية ليصبح المتعاونون معه السماد الخصب للطائفية والفساد معا. وإذا كانت همجية وجرائم قوات الاحتلال قد فرخت منظمة
القاعدة فان جرائم حكومات الاحتلال وميليشياتها من عصائب أهل الحق وقوات بدر والقوات الخاصة والفرقة القذرة فرخت داعش بامتياز لتستقطب، إلى جانب مجنديها من المتطوعين للجهاد الاستشهادي، من أرجاء العالم العربي الإسلامي، واحتمال الاختراق والتجنيد من قبل المخابرات الأجنبية وارد، عددا من المظلومين اليائسين من وجود ما يوحي بتحقيق العدالة لا من قريب ولابعيد.
ان المسؤولية الرئيسية في الجرائم المستهدفة للمواطنين، جميعا بلا استثناء، هي مسؤولية الحكومة. فمما لايقبل الشك ان من أولويات واجبات أي حكومة هي حماية المواطنين وتوفير الأمان والاستقرار وأساسيات ما يحفظ لهم كرامتهم. ومما لايقبل الشك، ايضا، ان هذه المسؤولية لا تقع على عاتق المنظمات الإرهابية كمنظمة داعش أو عصائب أهل الحق، مثلا. فهي، بحكم تركيبتها وايديولوجيتها، أبعد ما تكون عن حماية المواطنين كلهم أو حتى من تدعي تمثيلهم. لذلك يبدو الاكتفاء بصب الاستنكار والإدانة على الجرائم الداعشية، كما يفعل رئيس الوزراء الجديد حيدر العبادي، في ذات الوقت الذي يتعامى فيه عن إرهاب النظام وميليشياته، أو اتخاذ أي إجراء فعلي للتحقيق في صحة الجرائم، على الأقل، استهانة بعقول المواطنين وصب للملح على جروحهم.
اثبت العقد الاخير، في مجال خروقات حقوق الإنسان وأهمها حق الحياة، ان هناك تشابها فاضحا، بين ما ترتكبه المنظمات الإرهابية وإرهاب الدولة، والضحية في كل الأحوال هو المواطن البريء وكان هاتين الجهتين، مع الميليشيات المعروفة، غير كافيتين لتهجير المواطنين وتصفيتهم فضلا عن إهانتهم وتكفيرهم، برزت على السطح، في الآونة الأخيرة، قوى ميليشياوية أخرى، خاصة بعد ان أطلق المرجع الديني علي السيستاني فتواه حول إعلان الجهاد كواجب «كفائي»، بمعنى ان يكفي المتطوعون عن بقية الناس، واعتبار كل من يقتل شهيدا. فتوجه العديد من الشباب أما ابتغاء للشهادة كما يفعل متطوعو داعش، أو للحصول على الراتب والمخصصات في ظروف انعدام أي مجال معاشي آخر. بلا تدريب حقيقي بدأ النظام بارسال الشباب للقتال وعلى الرغم من ان عدد أفراد الجيش الحالي والقوات الأمنية والفرق الخاصة يزيد على المليون. هكذا أصبح متطوعو الحشد الشعبي، كما أطلق عليهم، الضحايا الجدد لحماقة النظام واحتقاره للنفس البشرية.
وإذا كانت حملات الإدانة ضد داعش الإرهابية تركز على قتلها الضحايا بشكل بشع ونشر صورهم على الانترنت، فان قوات النظام «الأخلاقية» ، بأنواعها، لاتجد غضاضة في قتل المواطنين بأساليب همجية ومن ثم نشر صورهم على الانترنت وعبر وسائل الإعلام الحكومية. ومن يزور موقع راديو دجلة الذي يقول مؤسسه أحمد الركابي ان طاقمه قد تم تدريبه ليكون موضوعيا ومحايدا، وانه بدأ المشروع لمساعدة العملية الديمقراطية، لوجده مكتظا بصور «الإرهابيين» المعرضين للتعذيب والجثث المحروقة وقبورهم الجماعية، ونشر بيانات «قوة الاسود العشائرية» التي تفتخر بنشر صور عمليات «الخطف النوعية» ضد «الإرهابيين» وتنشر صورهم بعد الاختطاف والتعذيب ومن ثم القتل.
كما ينشر الموقع «المحايد» أخبار المنظمات التي افرزتها دعوة الجهاد مثل سرايا عاشوراء التابعة للمجلس الاسلامي الأعلى، وفرقة الإمام علي التي «تضم سريتين قتاليتين من فوج الكرار التي أرسلت إلى قاطع بلد ضمن الحشد الشعبي انطلاقاً للقيام بمهمة قتالية». ان حالة التجييش والتلاعب العاطفي بالمشاعر الدينية والمذهبية سلاح قاتل وأول ضحاياه هم أولئك الشباب الذين يتم التضحية بهم في مواقع القتال كشهادة مجانية في اقتتال بين أبناء الشعب نفسه.
ويستدل على مجانية التضحية بحياة الشباب المتطوعين من تصريح الأمين العام للعتبة العلوية بالنجف حين يعترف بان المقاتلين قد ارسلوا للقتال على عجل وان عملية التجهيز والتسليح ستتم فيما بعد. كل هذا يتم بينما يعيش ساسة النظام في حصن المنطقة الخضراء ويتمتعون بحمايات لا مثيل لها وتتمتع عوائلهم بالأمان والاستقرار والتحصيل الدراسي في دول أوروبية. فعن أي جهاد كفائي أو فردوس يتحدثون؟
٭ كاتبة من العراق
هيفاء زنكنة