الأمريكية الفلسطينية نتالي حنظل : اثنا عشر عصفورا… ثماني قصائد عن غزة
ترجمة: ميلاد فايزة
September 15, 2014
نتالي حنظل (1969) شاعرة وكاتبة مسرحيّة أمريكيّة من أصل فلسطيني. وُلِدت في بيت لحم ونشأت متنقلة بين أوروبا والأمريكيّتيْن والعالم العربي فَتشبَّعت نصوصُها بلغاتٍ مُختلفة أثّرت في نسيجِ نصِّها الشعريِّ ممّا جعل الشاعر الأمريكيّ الكبير يوسف كومنياكا يقول عنها: «ينتمي هذا الصوت العالميّ إلى عائلة الإنسانيّة ويستلذُ بعبور الحُدود الضروريّة… إنها واحدة من أفضل الأصواتِ في جيلها».
نشرت نتالي حنظل الكثير من الكتب التي لاقت اِستحسان النقاد ونالت على بعضها جوائز مرموقة. بالإضافة إلى الكتابة الإبداعية والترجمة تعمل نتالي حنظل أستاذة في جامعات أوروبا وأمريكا حيث تدرّس مواضيع تتعلّق بالكتابة الإبداعيّة والهويّة والذاكرة…
(1) عالم مُتخيّل
باثنيْ عشرَ عصفوراً
هناك ضَوْءُ قمر
فِي صُنْدوقِي
هَلْ تستطيعُ أنْ تُعْطِيَهُ لي؟!
هُناكَ ساعات
فِي صُندوقِي
هل تَسْتَطيعُ أنْ تُعْطِيَها لي
هُناكَ عالمٌ في صُنْدوقِي
هُناكَ اثْنا عَشَرَ عُصْفوراً
في صُندوقي
هلْ أستطيعُ أنْ أطيرَ معها يا أُمّي
هُناكَ صُورةٌ
لِوَلَدِي
في صُندوقِهِ
هَلْ أستطيعُ رُؤْيتَها
قبْلَ أنْ يَصِلَ الرِّجالُ
قبْل أنْ تَرْتَجَّ الأَرْضِيّةُ
قَبْلَ أنْ يَأخذوا قَلبي
قُلْ لهُمْ
سَتتركُ أرْواحُنا أجسادَنا المُمزّقةَ
لكنّنا لنْ نغادِرَ أبَداً
سَنَتَكاثَرُ في أَرْواحِهم
(2) غزة
ذاتَ مَرّةٍ في شريط صغير
اِبتلعتِ الحفرُ السوْداءُ قلوباً
وقال طفلٌ لِطِفلٍ آخَر:
اِسحبْ أنفاسَك
كُلَّما لَمْ تَعُدْ ريحُ اللّيْل
أرْضاً للأحْلام
(3) الغزيون
مِتُّ قبلَ أنْ أعيشَ
عِشْتُ مَرَّةً في قبْر
قيلَ لي الآنَ إنَّهُ ليْسَ كبيراً بِما يَكْفي
لِيتَّسِعَ لكلِّ ميتاتي
(4) أقدام صغيرة
تنظرُ أمٌّ إلى أُخْرى..
بَحْرٌ من الأجْسادِ الصَغيرة
المَحْروقة أو المقطوعة الرُؤوسِ
حَوْلَهُما..
وَتَسْألُ،
كيْفَ نُقِيمُ الحِدادَ على كُلِّ هذا؟!
(5) اعترافات في منتصف الطريق
في قلْبي مَناظير
في عَيْنيَّ شوارِعُ لامرْئيّة
بُورْتريهي فيه صورةٌ لأُمّةٍ
ذاتِ مئةِ قدمٍ مربّعةٍ منَ الغيوم
لعلَّ الإلهَ بلادٌ
لا تستطيعُ عُيوني أنْ تَراها
(6) نَنْمو في كلِّ مكان هنا
يَسْألونَني مَنْ أكونُ
يَسْألونَنِي مِنْ أين آتي
كيف أفسّرُ
أنا مِن حَيْث وُلِدَ المسيحُ
غَيْرَ أنّي لا أستطيعُ
أنْ أَصِلَ إلى كنيستِهِ
مَنْ أنا إذا لمْ أستطِعْ أنْ أكونَ
في بَساتينِ زَيْتوني
مَنْ أنا
إذا لمْ أستطِعْ أنْ أجدَ مُحَمَّداً
في صَلواتي
ولمْ أستطِعْ أنْ ألمَسَ المَسيحَ
أنا مِن تَكواع
والبحْرِ الميّت
من بيْت لحْم
والقدْس-
دار حنْظل
نَنْمو في كلِّ مَكانٍ هُنا،
دار تالاماس،
أَجْدادي كانوا مُتَرْجِمينَ
لِذا أُتَرْجِمُ هذا لَكُمْ
أنا مَنْ قَدْ كُنْتُ دَائِماً
وَوَرَاءَ صَلَواتي
هُناكَ نَوافِذُ
وَمَدينةٌ
ذاتُ أفْعالٍ لانِهائِيّة
(7) بلاد
لقدْ تَسَمَّرَتْ إبْرةُ الراديو
بيْنَ مَحطتينِ
عِندما قُلْتَ لي
إنكَ قدْ بِعْتَ
الشيْءَ الوَحيدَ
الغاليَ عَلَيْكَ.
إنَنا نَعِيشُ مَعاً مُنذُ سنواتٍ
وَلَيْسَ لديَّ أيُّ فِكْرَةٍ عَمَّا قَدْ بِعْتَ
أوْ ما كانَ يُذاعُ
بِمُوازاةِ السَّماءِ الزَرْقاءِ الطَويلةِ
كلُّ واحِدٍ مِنَّا أَصَرَّ أنَّهُ كانَ لهُ.
(
سماء ليل برتقالية
قَرَأْتُ كتابَكَ عنِ الأَساطيرِ-
وَأنتَ؟!
بَحثْتُ عَنْ وَجْهِكَ في المِرْآة-
وَأنتَ؟!
بَحَثْتُ في الخرائبِ وحتَّى فِي الخرائبِ الأّكبَرِ في قلبِكَ-
وأنْتَ؟!
حَفِظتُ شَكْلَ الدُّخانِ الأسْودِ
والسَّماء البُرتقاليّة في كلِّ جُثَّةٍ صغيرةٍ-
وأنْتَ؟!
بَحثْتُ عمَّا إذا كانتْ الوِحْدةُ هيَ ما يصيرهُ الجسدُ
عندما يكونُ المَوْتُ هو كلُّ ما يَمْلِكُ-
وأنْتَ؟!
هل فَكَّرْتَ في زوْجتِكَ في المَساءِ
الذي قتلتَ فيهِ زَوْجَتي؟!
وَبِشَكْلٍ غَيْرِ مُتوَقَّعٍ،
سَتتراءى لكَ صورةُ ابنكَ
سَتتساءَلُ
لِماذا جِئْتَ على كلِّ حالٍ،
سَتتنَفَّسُ بِشَكلٍ مُخْتلفٍ،
لنْ تَعودَ الكلماتُ قادرةً
عَلى رّسْمِ خَريطةٍ لِجرائِمكَ.
بَحثتُ عن الأضْرارِ في جَسدي-
وأنتَ؟!
عثرتُ على الطريقِ نَحْو المشْهَدِ
في الكتابِ
حَيْث تَمْحُو اسْمي
كُلَّما عاودَ الظهورَ
أَلا تعرفُ
أنَّ حُروفا كَهذهِ تعودُ دائما
إلى شكْلِها الأصْليِّ
فَلْتَنظرْ إلى عيْنيَّ إذنْ
قبْلَ أنْ يَفْنى كِلانا.
٭ شاعر واكاديمي
تونسي يقيم في امريكا
ترجمة: ميلاد فايزة