مجلس حقوق الانسان خطوة إلى الأمام/ خطوة إلى الوراء
هيفاء زنكنة
September 22, 2014
عقد مجلس حقوق الإنسان في الامم المتحدة، في 2 أيلول/ سبتمبر، دورة «استثنائية» بشأن الانتهاكات التي يرتكبها في
العراق تنظيم الدولة الإسلامية في
العراق والشام – داعش». في نهاية الدورة، تم اصدار قرار، اعتُمد دون تصويت، بالطلب من مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أن توفد بعثة تقصي حقائق إلى
العراق للتحقيق في الانتهاكات التي يرتكبها تنظيم داعش والجماعات المرتبطة به. وهذه خطوة جيدة وضرورية لتوضيح حقيقة الانتهاكات المرتكبة بالعراق، لكنها مع الأسف، ليست كافية اذا ما كان المتوخى من القرار هو تحقيق العدالة للجميع ومعاقبة المسؤولين. اذ اقتصر القرار على المطالبة بالتحقيق في الجرائم والانتهاكات المرتكبة ضد المواطنين من قبل تنظيم داعش فقط وضمن فترة زمنية محددة تبدأ في 10 حزيران/ يونيو، اي يوم سقوط مدينة الموصل، في شمال
العراق، بعد ان خلع 30 ألف جندي ملابسهم العسكرية ولاذوا بالهرب.
ان حصر التحقيقات بالفترة التالية ليوم 10 حزيران يعني انتقائية التحقيق مما يثير، مجموعة من التساؤلات، لعل اكثرها الحاحا هو: ماذا عن الجرائم التي ارتكبتها قوات الاحتلال وحكومات الاحتلال المتعاقبة منذ الغزو في 2003 والتي راح ضحيتها مئات الآلاف من المواطنين؟ ماذا عن ضحايا التفجيرات والمفخخات والتعذيب والاعدامات بالجملة؟ ماذا عن المعتقلين بلا سبب غير التمييز الطائفي والانتقام بلا حدود؟ ماذا عن ملايين النازحين قسرا والمهجرين بحثا عن ملاذ آمن من جميع ابناء الشعب، في حقبة ماقبل ظهور داعش، ومن بينهم المسيحيون الذين كان عددهم مليونا ونصف قبل 2003 وأصبح حوالي النصف مليون في حزيران 2014؟ ماذا عن الصابئة الذين بات عددهم بحدود عشرة آلاف في حزيران، بعد ان كان 60 ألف مواطن قبل الغزو؟ لماذا لم يتم التحقيق في أي من هذه الجرائم سابقا؟ ماذا عن مسؤولية الحكومة العراقية؟ أليس من واجب الحكومات حماية حقوق مواطنيها أيا كانوا؟
ان قرار مجلس حقوق الانسان، على أهميته من ناحية ادانة جرائم تنظيم داعش، قرار ناقص خاصة وانه يتجاهل تماما الدعوة الى التحقيق في ممارسات النظام الارهابية، من بينها قصف المدن واستخدام البراميل المتفجرة. واذا ما قبلنا، افتراضا، عجز المجلس عن التحقيق في كل الجرائم المرتكبة، من قبل كل الجهات المسؤولة منذ عام 2003، بسبب قلة موارد المجلس المادية والبشرية، بعيدا عن انعدام النية السياسية، وان التحقيق منذ العاشر من حزيران نعمة، فماذا عن الانتهاكات المرتكبة من قبل كل الاطراف منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم؟ ومادامت اللجنة ستحقق في مأساة المهجرين من مدينة الموصل وضواحيها وجريمة قاعدة سبايكر الجوية، الا يتوجب على ذات اللجنة التحقيق في انتهاكات حقوق الانسان التي ذكرتها نائبة المفوض السامي لحقوق الإنسان، فلافيا بانسيري، في الكلمة التي ألقتها أمام الدورة الاستثنائية وبعد ان لخصت جرائم داعش الارهابية، بانها تلقت: « في الأشهر القليلة الماضية، تقارير عن انتهاكات لحقوق الإنسان وللقانون الإنساني ارتكبتها قوات الأمن العراقية بما في ذلك حالات إعدام تعسفي لأشخاص محتجزين؛ وقتل مدنيين بقصف مدفعي وغارات جوية شنتها قوات الأمن العراقية في مدينة تل كيف وبتنايا وتل سكوف وكركوك والفلوجة؛ وقتل مصلين سنيين متجمعين في مسجد في قرية بني ويس في منطقة خانقين». اليست هذه انتهاكات لحقوق الانسان يتوجب التحقيق فيها اذا ما اردنا تطبيق القوانين، على الاقل الانسانية، بشكل يوحي بالامل؟ اليس العدل هو الشرط الأول والأخير للسلم الأهلي، في العراق وغيره من الدول، وانتفاء العدالة دوامة متصاعدة تبدأ من الظلم وإهدار الكرامة الإنسانية؟ ولا يرتجى واقعيا أن تنتهي الا بإنهاء الظلم والحفاظ على كرامة الإنسان فرداً وجماعة؟ كيف يمكن معالجة اية ظاهرة ان لم تعالج جذورها؟
هناك، بالاضافة الى حملة الترويع والاعتقالات والقصف التي سببت التهجير الجماعي لحوالي نصف مليون مواطن من محافظة الانبار، غرب العراق، فقط، جرائم الميليشيات الحكومية التي باتت، في الآونة الاخيرة، هي القوة الحقيقية الحاكمة والمتمتعة بحرية القتل بحجة الانتقام من جرائم داعش. يقدم تقرير منظمة هيومان رايتس ووتش (11 تموز/ يوليو)، مثلا، توثيقا عن حملة اعدامات وحرق وتعذيب نفذتها «قوات الأمن العراقية ومليشيات موالية للحكومة اذ اعدمت ما لا يقل عن 255 سجيناً في ست مدن وقرى عراقية دون وجه حق منذ 9 حزيران/يونيو 2014». ويخلص التقرير الى ان: «عمليات القتل الجماعي خارج إجراءات القضاء أدلة على جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية، ويبدو أنها تمت انتقاماً من فظاعات داعش».
وتتواصل حملة الانتقام لتصل الاطفال النازحين. اذ أصدرت هيومان رايتس ووتش تقريرا، في 14 ايلول (أي بعد العاشر من حزيران)، عن غارة جوية استهدفت مدرسة تؤوي نازحين قرب تكريت في 1 ايلول/سبتمبر 2014». أسفر الهجوم عن مقتل 31 مدنياً على الأقل بينهم 24 طفلاً، وجرح 41 آخرين. ولم يكن هناك مقاتلون من جماعة الدولة الإسلامية المسلحة أو أي أهداف عسكرية أخرى في المدرسة أو حولها في ذلك الوقت، وفقاً لثلاثةٍ من الناجين». تذكرنا هذه الجريمة بالغارات الاسرائيلية على اماكن النازحين وقتلهم للاطفال بحجة تواجد مقاتلي حماس. وثّقت هيومن رايتس ووتش في 17تموز/يوليو « ضربة جوية عراقية قتلت 75 مدنياً على الأقل وجرحت مئات آخرين، بينها 6 هجمات بالبراميل المتفجّرة، ووقعت الهجمات في مناطق الفلوجة وبيجي والموصل وتكريت والشرقاط. كشفت الهجمات عن عمليات قصفٍ جوي نمطيّة للمناطق السكنية من قبل القوات الحكومية استخدمت فيها المروحيات والطائرات النفّاثة، والطائرات الأخرى، وضربت الهجمات مناطق حول المساجد والمباني الحكومية والمستشفيات ومحطات الكهرباء والمياه».
واكدت المنظمة في توصياتها على وجوب «ان يقوم حلفاء العراق في مكافحة داعش بممارسة الضغط على بغداد لوقف هذا النوع من العنف. إن داعش وحشيّة بشكل لا يصدّق، ولكن هذا ليس عذراً لما تقوم به الحكومة العراقية».
ان اقتصار التحقيق الدولي في انتهاكات حقوق الانسان على تنظيم داعش لوحده سيؤدي، خلافا لما هو مفترض من خطوة كهذه، الى خلق حالة جديدة من التمييز والتفرقة بين ابناء الشعب الذي يعيش في اجواء لا انسانية من العنف والعنف المضاد، وتعزز الشعور بالاضطهاد والتمايز الديني والعرقي والمذهبي. وهو ليس اضطهادا متخيلا بل حقيقة، موثقة حتى من قبل مجلس حقوق الانسان نفسه، وتستدعي تعيين مقرّر خاص لحالة حقوق الانسان في العراق ليتم التحقيق في اسبابها وجذورها واعلان نتائجها، كخطوة اولى، اذا ما اردنا ان نمنح الناس الاحساس بالامل في تحقيق العدالة وبالتالي السلام للجميع، وليس مثالا آخر على استمرار التمييز والإفلات من العقاب.
٭ كاتبة من العراق
هيفاء زنكنة