أين ومتى ضرب حزب الله الامريكيين؟
اسماعيل القاسمي الحسني
طالعت باهتمام شديد، التقرير الذي قدمه مساعد وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الأدنى جيفري فيلتمان والسفير رايان كروكر، في جلسة استماع بشأن حزب الله، أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي، عقدت في 08/06 من هذا العام، والذي تولت صحيفة 'السفير اللبنانية' نشر ترجمته الى العربية، على ثلاث حلقات بدءا من 22 من ذات الشهر، وبعد مراجعتي له بما يستحق من العناية والأهمية، على قدر الطاقة المتواضعة، سعيا مني لسبر غوره، واستخلاص زبدته بعد خضه، لم أنته إلا لنتيجة واحدة، وهي: آن للفلاح العربي حقا أن يمد رجله، لما فيه من تناطح أفكار، ومغالطات وتناقض فاحش حول المعلومات، فضلا عن المعطيات.
ولعل البعض يعتب علي اعتماد نص نشرته صحيفة في تقييم مستوى الذكاء لهذا الرجل فيلتمان، وهو من يتبوأ منصبا سياسيا رفيعا، لدى دولة تكاد تسيطر بقوتها على العالم أجمع، والرد بكل بساطة لأنه هو بعينه اعتمد في عرضه أمام الكونغرس على تقارير صحافية، ثم إني أميز جيدا بين الطبقة الحاكمة والطبقة المنتجة، صحيح أن القوى العظمى في العالم تتمتع بعقول بالغة الذكاء تتصدر المجتمع البشري باختراعاتها الصناعية والتكنولوجية، مع الملاحظة أن من بينها عربية الأصل والمنشأ، لكن ليست هذه العقول من تقود السياسة أو حتى توجهها، إنما هم رجال كما نحن تماما متوسطي الذكاء، فرئيس الولايات المتحدة الحالي ليس أكثر من رجل قانون عادي، وممن سبقه من لم يكن أكثر من ممثل في هوليوود، والأمر ينسحب على كل قادة الدول، لا أحد منهم وضع مخطط صواريخ متطورة، أو أبدع قمرا اصطناعيا، أو أثبت أنه فلتة أنتجت 'آي ماك'. لذلك لا أسحب ذكاء النخب المنتجة بالضرورة على قادة دولهم.
وعلى سبيل المثال لا الحصر يتهم حزب الله بأنه الميلشيا الوحيدة التي لم تلق سلاحها بعد أن استجاب الكل لاتفاق الطائف، علما أن حزب الله كقوى مهيكلة بالشكل المعروف الآن لم تولد إلا بعده، ثم يقول:.. . إن حزب الله هو المسؤول عن بعض من الهجمات الإرهابية الأكثر دموية ضد الأمريكيين في التاريخ، ولقد صنفته الولايات المتحدة على انه منظمة إرهابية أجنبية منذ عام 1997. ما نسي فيلتمان ذكره أين ومتى ضرب حزب الله الأمريكيين ؟ أما أين فقطعا ليس في الولايات المتحدة أو غيرها من أرض الله، بل في عاصمة لبنان بيروت، وأما متى فكان ذلك عام 83، والسؤال: لماذا تأخرت الولايات المتحدة إلى عام 97 لتعتبر حزب الله منظمة إرهابية ؟ لعل من بين أهم الأسباب في تصوري، عند مراجعة التاريخ الموثق لعمليات المقاومة، نقف على تصاعد غاية في الخطورة والأهمية، فعام 96 لم يتجاوز عدد العمليات 400، لكن عام 97 قفز إلى الضعف وتحديدا 815، لكن اللافت فيها، العمليات النوعية خصوصا، والتي طالت عملاء العدو، وأقحمت بقوة أمن القرى الفلسطينية المحتلة، بالإضافة لإسقاط مروحيتين، أنكر العدو أنها من عمل حزب الله. هذا التطور العددي والنوعي أوقف الولايات المتحدة على حقيقة يقينية مفادها ضرورة لجم هذا الحزب، قبل أن يتمكن من دحر العدو، فيحسب له ذلك انتصارا ويزداد قوة ومنعة وثقة بالذات، وقد يكون مثلا للآخر، أي المقاومة الفلسطينية، وكل ذلك لا يصب في مصلحة العدو الإسرائيلي؛ وأثبتت الأيام صحة هذا التخوف من جهة، وفشل الولايات المتحدة في وقف انتصار الحزب وتعاظم قواته وامتداد شعبيته. ما يدعو للسخرية في عرض هذا الرجل، أنه أخذ على حزب الله عدم امتثاله لقرارات الأمم المتحدة، ولا أدري أي سلوك أخطر، حزب لا يستجيب لقرارات تلكم الهيئة، أم دولة - باعترافهم - يسمونها إسرائيل تضرب بجميع قرارات ذات الهيئة عرض الحائط، بما فيها قرار نشأتها المشروط ؟ أقول بكل صراحة: لعل أهم شهادة تزامنت مع عرض جيفري فلتمان، تلكم التي وردت في تصريحات الجنرال المقال على إثرها، ستانلي ماكريستال قائد قوات الاحتلال في أفغانستان، ومن بينها وصف الإستراتيجية التي يروج لها نائب الرئيس جو بايدن بقصر النظر، كما وصف أحد مساعدي الجنرال جيم جونز مستشار الأمن القومي لباراك اوباما بأنه 'مهرج'، وآخر نعت المبعوث الأمريكي ريتشارد هولبروك بالحيوان الجريح؛ يبدو أن هذه التوصيفات لرموز الإدارة الأمريكية، هي الأقرب للواقعية شهد بها أهلها. كثيرة هي النقاط التي تعبر عن تخبط الرجل ومغالطاته التي بلغت حد الدجل، في تقريره الذي تجاوز العشر صفحات، لكن المفاجأة التي قلبت مشهد عرض فيلتمان أمام الكونغرس، من السخرية إلى العبثية، ودفعتها بقوة إلى أبعد حدود المهزلة السريالية، هي الشهادة التي تلته في ذات الجلسة، لرايان كروكر الذي شغل سفيرا في لبنان وسورية، من أهم النقاط التي أشار اليها تأكيده كشاهد عيان بأن نشأة حزب الله جاءت اثر الغزو الإسرائيلي للبنان (غزو بتغطية وتزكية أمريكية)، أنه ليس صوابا النظر لحزب الله كدمية تتلاعب بها طهران ودمشق إنما هو حزب متجذر بقوة في تاريخ العرب الشيعة اللبنانيين، يعتمد في شرعيته على مواضيع عميقة الجذور في الإسلام. هذه القناعة التي شهد بها كروكر تنسف جملة واحدة تقرير فيلتمان، دون الدخول في التفاصيل. لكن أخطر وأهم ما ورد على لسان كروكر في ختام كلمته، أنقله نصا عن صحيفة السفير، لافتا عناية القارئ لواجب التمعن في مفرداته:'علينا التحدث مع حزب الله. لقد تعلمت شيئاً واحداً في العراق وهو أن المشاركة يمكن أن تكون قيّمة للغاية في إنهاء التمرد. يمكن للإقناع والتفاوض في بعض الأحيان أن يغيّر العقول. ولكن في أي حال علينا أن نعرف المزيد والمزيد عن الحزب مما نعرفه الآن، مثل الشخصيات، والخلافات، ونقاط الضعف. لا يمكننا العبث بعقل خصمنا إذا لم نتحدث معه. هذا لا يحتاج إلى أن يكون هناك تغيير جذري في السياسة؛ ببساطة علينا أن نتحدث مع أولئك الذين يشغلون مناصب رسمية وأعضاء في البرلمان أو مجلس الوزراء. حزب الله هو جزء من المشهد السياسي اللبناني، وينبغي علينا التعامل معه مباشرة.
للأسباب نفسها، ينبغي لنا تكثيف مشاركتنا مع سورية. وإرسال سفير إلى هناك لا يُعتبر تنازلاً، بل سيحسن قدرتنا على الوصول، ويوسع فهمنا، ويتيح لنا التعرف على نقاط الضعف المحتملة والخلافات، بما في ذلك بين دمشق وطهران، وباختصار سيكون لصالحنا، وليس لهم. أنا أعرف روبرت فورد جيداً، وهو الشخص المثالي للقيام بعمل أنا قمت به سابقاً، وهو يجيد اللغة العربية'.
لا يحتاج المرء لدرجة عالية من الذكاء، ليرى بأم عينه، ويقرأ استراتيجية هؤلاء التي يصرحون بها علنا، وخلاصتها واجب التحدث إلى الخصم أو العدو( في هذه الحال حزب الله- سورية-ايران)، ليس لوجود نقاط مشتركة ولا للاتفاق على حلول عادلة، لا شيء من هذا، بل لمعرفة الخلافات داخل جسم الخصم ونقاط ضعفه، طبعا لاستثمارها لمصلحة أمريكا، والإقناع والتفاوض لتغيير العقول فلا يمكن العبث بها ما لم نتفاوض؛ هذا هو الهدف من المفاوضات العبثية وتغيير العقول لا غير هذا أبدا، وهو ما نرى بعضه على جانب السلطة الفلسطينية في رام الله، وقبله لدى بعض الأنظمة الرسمية العربية ومرتزقة كتابها، وأكد مرة أخرى كروكر حرصه على ترسيم الاتصالات بسورية ومن ورائها إيران باعتماد السفير روبرت فورد، ليقوم بذات الدور الذي قام به هو، والذي لا يتجاوز البحث عن نقاط الضعف في كلتا الدولتين والخلافات التي يمكن الاستفادة منها، هذا همهم وهذا هدفهم، وهذه كلماتهم وشهادتهم على ألسنتهم؛ هل يحتاج المرء بعد ما قرأتم التعليق؟
' فلاح جزائري
ismailelkacimi@gmail.com