جائزة نوبل للسلام لملالا يوسف وكايلاش ساتيارثي الفتاة الباكستانية ملالا يوسف تتحدى رصاص طالبان وتتوج رمزا للسلام بعد أن أصبحت صوت الملايين من الأطفال والمراهقين المحرومين من التعليم في العالم. العرب
[نُشر في 11/10/2014، العدد: 9704، ص(7)]
ملالا يوسف: ارتعبت وكل ما أعرفه هو أن الله باركني بحياة جديدة
أوسلو- أعلنت الأكاديمية النرويجية عن فوز الناشطة الحقوقية الباكستانية الشابة ملالا يوسف زاي والناشط في مجال حقوق الطفل الهندي كايلاش ساتيارثي بجائزة نوبل للسلام للعام 2014، وذلك عن “كفاحهما ضد قمع الأطفال والشبان ومن أجل حقوق جميع الأطفال في التعليم”.
حازت الناشطة الحقوقية الباكستانية، ملالا يوسف زاي، على نصيب الأسد من اهتمام وسائل الإعلام بفوزها بجائزة نوبل للسلام مقارنة بشريكها في جائزة هذا العام الهندي كايلاش ساتيارثي.
واهتمام العالم بفوز الشابة الباكستانية مردّه لا فقط لأن ملالا، البالغة من العمر 17 عاما، تعتبر أصغر الفائزين بالجائزة منذ انطلاقها قبل 114 عاما، بل أيضا بسبب قصة ملالا التي أصبحت مثالا للنجاح والتحدي.
وإثر إعلان أسماء الفائزين استحضر المتابعون ما قاله الناطق الرسمي بإسم حركة طالبان باكستان شهيدالله شهيد حين أعرب العام الماضي عن سعادة حركته بعدم فوز ملالا بالجائزة، وقال حينها: “سعداء لأن ملالا لم تفز بجائزة نوبل للسلام، قلنا من قبل إنها لا تستحقها، لم تحقق أي إنجاز مهم”.
من هي ملالا يوسف زاي؟ بدأت ملالا التي تغطي شعرها الأسود بمنديل تقليدي طويل وبخديها المستديرين وبشرتها السمراء ونظرتها الصريحة وبريق عينيها، نضالها في 2007 عندما أحكم مقاتلو طالبان قبضتهم على وادي سوات الذي كان منطقة سياحية هادئة يطلق عليها اسم “سويسرا باكستان”.
كانت ابنة مدير مدرسة وأم أمية، في الحادية عشرة من عمرها عندما بدأت تكتب في مدونة على موقع بي بي سي بلغة الأوردو الوطنية في باكستان، وتروي باسم مستعار هو غول مكاي، أجواء الرعب السائدة في ذلك الوادي.
وبدأ اسم تلك الفتاة التي تتحلى ببرودة دم كبيرة وتعشق الكتب والعلوم، يسري في وادي سوات ثم في مختلف أنحاء البلاد عندما فازت بجائزة باكستانية من أجل السلام. وقرر مقاتلو طالبان الذين دحرهم الجيش من الوادي في 2009، حينها تصفية تلك التي اتهموها بترويج “دعاية غربية” لكن الهجوم على التلميذة كان له أثر معاكس، إذ أثار صدمة في باكستان واستنكارا في الخارج لا سيما في الغرب حيث أصبحت الفتاة نجمة.
- اقتباس :
- فوز ملالا بنوبل للسلام يعتبر ردّا حاسما على حركة طالبان والموالين لفكرها الظلامي
أسطورة ملالا العالمية بدأت في التاسع من أكتوبر 2012، حين اقتحم رجال من حركة طالبان باكستان حافلة مدرسية لدى خروج التلاميذ من مدرسة مينغورا في وادي سوات (شمال غرب باكستان) وسأل أحدهم “من هي ملالا؟” ثم أطلق عليها رصاصة في الرأس.
اخترقت الرصاصة الجانب الأيسر من دماغها وخرجت من عنقها، ونقلت الفتاة، التي كانت تبلغ 14 عاما في ذلك الوقت، بين الحياة والموت إلى مستشفى برمنغهام في بريطانيا على متن طائرة طبية وفرتها دولة الإمارات العربية المتحدة التي تكفّلت أيضا بعلاجها.
بعد ستة أيام أفاقت ملالا، التي لم تتمكّن من العودة إلى بلادها بعد شفائها فاستقرت في بريطانيا وساهمت في تأسيس صندوق ملالا الذي يقدم العون للجماعات المحلية المنادية بالحق في التعليم خاصة في باكستان ونيجيريا والأردن وسوريا وكينيا. وقد روت الفتاة في سيرتها الذاتية في كتابها “أنا ملالا” الذي لاقى رواجا عالميا بينما ظل مجهولا في بلدها باكستان، وقالت فيه “ارتعبت، وكل ما أعرفه هو أن الله باركني بحياة جديدة”.
كيف أضحت ملالا رمزا للتحدي؟ ساتياثي يخوض معركة صامتة لكن مؤثرة ضد عبودية الأطفال نيودلهي- يخوض الهندي كايلاش ساتيارثي، الذي منح جائزة نوبل للسلام للعام 2014، نضالا مستمرا منذ أكثر من ثلاثين عاما من أجل إخراج عشرات الآلاف من الأطفال من العبودية في الهند، ودون ضجيج.
ويجسد ساتيارثي، البالغ من العمر 60 عاما، جهود مكافحة تشغيل الأطفال المنتشر بشكل واسع في الهند. وقال الرجل، المنحدر من ولاية ماديا براديش، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الهندية، تراست اوف انديا، بعد تبلغه بمنحه نوبل للسلام إنه “يشكر لجنة نوبل لاعترافها بالوضع البائس لملايين الأطفال الذين يعانون”.
وأضاف: “هذا شرف لكل مواطني الهند وسأواصل عملي من أجل خير الأطفال”.
وساتيارثي مهندس كهرباء أسس “حركة إنقاذ الطفولة” في 1980. وهو ناشط متحفظ لا يخرج عن صمته إلا للدفاع عن قضية الأطفال.
وهو يعيش بتواضع ولا يخرج إلى أماكن عامة إلا لخدمة قضيته.
بدأ ساتيارثي نشاطه بتنظيم هجمات على مصانع وورشات بهدف تحرير عائلات بأكملها مجبرة على العمل لتسديد قروض حصلت عليها.
وهذه العائلات التي تستغل ولا تستطيع تسديد دينها، كانت تباع في أغلب الأحيان إلى أرباب عمل آخرين.
ويرأس ساتيارثي حركة “المسيرة الشاملة ضد عمل الأطفال” (غلوبال مارش اغينست تشايلد ليبر) التي تضم حوالي ألفي جمعية وحركة اجتماعية في نحو 140 بلدا.
ومنحت جائزة نوبل للسلام مناصفة بين ساتيارثي والباكستانية ملالا يوسف زاي “لنضالهما ضد قمع الأطفال والمراهقين ومن أجل حق الأطفال في التعليم.“ وقال رئيس لجنة نوبل للسلام ثوربيورن ياجلاند لدى إعلان الجائزة “الأطفال يجب أن يذهبوا إلى المدرسة وألا يتم استغلالهم ماليا”.
وأكد ساتيارثي على الموقع الإلكتروني للمنظمة التي يرأسها أن “تشغيل الأطفال غير مشروع ومناف للأخلاق”. وأضاف “إن لم يكن الآن فمتى؟ إن لم يكن أنتم فمن إذا؟ إذا كنا قادرين على التصدي لهذه المسائل الأساسية، فقد نستطيع إزالة هذه الوصمة التي يشكلها استعباد البشر“.
وفي 2007، نظم هذا الناشط مسيرة لآلاف الكيلومترات ضد الاتجار بالأطفال على طول حدود الهند مع جاراتها الجنوبية. وقال حينذاك إنه “إذا لم نؤثر على الناس العاديين، فسيكون من المستحيل تسوية مشكلة الاتجار بالأطفال التي تعد شكلا من العبودية”.
ويدين ساتيارثي بشدة استعباد الأطفال في العمل.
وقال في مقابلة في 2010 في مركز روبرت كينيدي للعدالة وحقوق الإنسان إن الأطفال “إذا طلبوا رؤية آبائهم يضربون وبعض الأحيان يعلقون من أقدامهم بالشجر أو حتى يحرقون بالسجائر”.
ويقول الناشط الهندي إن وعيه بهذه المشكلة بدأ في سن السادسة عندما رأى صبيا من عمره على درج المدرسة يمسح الأحذية مع والده. وبعدما رأى عدد الأطفال الذين يعملون بدلا من الذهاب إلى المدرسة، لمس ضرورة الالتزام من أجل وقف هذه الآفة. وقال في المقابلة نفسها “أرى في كل ذلك اختبارا. إنه امتحان أخلاقي يجب اجتيازه وهو الوقوف في وجه مثل هذه الآفات الاجتماعية”.
خلال زيارته لها في مستشفى بيرمنغهام، شمال لندن، عندما تعرّضت للإصابة، أعرب الشيخ عبدالله بن زايد، وزير خارجية الإمارات، عن تقديره لشجاعة ملالا يوسف. ووصف الفتاة الباكستانية بأنها إلهام يعزز الالتزام برفض أي أيديولوجيات نابعة من التطرف وعدم قبول الآخر.
وهو الأمر الذي أكّده أمس رئيس لجنة جائزة نوبل، ثوربيورن ياجلاند، حين قال، في كلمته بعد إعلان اختيار الفتاة الباكستانية رمزا للسلام هذا العام، إن ملالا “على الرغم من سنها الصغير، تعتبر مثلا يحتذى به وبرهنت أن الأطفال والشباب أيضا يمكنهم المساهمة في تحسين أوضاعهم الخاصة، وقد “فعلت ذلك ونجحت وسط أخطر الظروف”. وقال ياجلاند إن ساتيارثي، الذي فاز بالجائزة مناصفة مع ملالا، “هو رجل وقف على خط المواجهة ضد عمالة الطفل” حيث قاد مسيرات احتجاجية في الهند مسقط رأسه ومناطق أخرى من العالم.
بدوره أشاد الاتحاد الأوروبي، الفائز بالجائزة لعام 2012، بهذا الاختيار مؤكّدا على تعليق لجنة نوبل حول مدى أهمية أن يخوض هندوسيا هنديا ومسلمة باكستانية كفاحا مشتركا من أجل التعليم وفى مواجهة التطرف، وفوزهما معا بجائزة نوبل للسلام يدعم الحق غير القابل للنقاش في التعليم لكل الأطفال والمساواة في الحقوق للنساء وأهمية الحملة ضد قمعهن.
وقال جوزيف داول رئيس حزب الشعب الأوروبي إن “ملالا تمثل المعركة من أجل تعليم الفتيات في المناطق التي يتم فيها تجاهل احترام المرأة وحقوقها الأساسية”. وأضاف “هي رمز الشجاعة بالنسبة إلى جميع المراهقين الذين يتحلون بالجرأة لمواصلة طموحاتهم ومثل الشمعة التي تضيىء وسط الظلام”.
وأحرزت المراهقة الباكستانية العديد من الجوائز الشرفية اعترافا لها بشجاعتها ودفاعها عن حقوق الفتيات في التعليم في باكستان رغم التضييقات الكبيرة من حركة طالبان المتشددة ومن ثقافة مجتمع منغلق لا يؤمن بقدرات المرأة ولا يريد أن يعطيها الفرصة لإثبات ذلك، حيث تسلمت الشابة الباكستانية ملالا يوسف زاي جائزة سخاروف المرموقة لحقوق الإنسان في البرلمان الأوروبي.
وقد قال البرلمان الأوروبي إنه فضّل منحها، إحدى أرفع جوائزه، على غيرها من الأسماء المقترحة لأن الشابة الباكستانية ملالا باتت صوت الملايين من الأطفال والمراهقين المحرومين من التعليم. وقال رئيس البرلمان الأوروبي: مارتن شولتز إن “ملالا تذكرنا بأن إعطاء الفرصة للحصول على التعليم والمعرفة هو أفضل استثمار يمكن للمجتمع من خلاله مكافحة التعصب والعزلة والعنف والفقر، وأنه من دون التعليم لا يوجد أمل في مستقبل أفضل ولا تحرر أو حرية فكر.
وأضاف شولتز أن ملالا أظهرت في سن مبكرة الصفات الاستثنائية التي يتميز بها من يحصل على هذه الجائزة من شجاعة والتزام بحرية الفكر، وبدأت منذ الحادية عشرة من عمرها في الكلام عن حقوق الأطفال، وخصوصا الفتيات للذهاب إلى المدرسة وواصلت التعلم بتشجيع من عائلتها على الرغم من تهديدات بالقتل واعتداءات وقعت في بلدها.
وأشار رئيس اللجنة المانحة للجائزة “إلى وجود 168 مليون طفل يعملون في العالم في أيامنا هذه، وفي العام 2000 كان العدد أكبر بنحو 78 مليونا. العالم يقترب من هدف التخلص النهائي من عمالة الأطفال”.
ما مدى أهمية جائزة نوبل 2014؟ وضمت قائمة المرشحين لجائزة نوبل للسلام هذا العام عددا أكبر من الترشيحات عن ذي قبل، حيث بلغ عدد المرشحين رقما قياسيا وهو 278 مرشحا، يتراوح من بابا الفاتيكان فرنسيس الأول إلى المراهقة والناشطة الباكستانية في مجال التعليم ملالا يوسف زاي والموظف السابق لدى وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ومسرب المعلومات إدوارد سنودن.
- اقتباس :
- يكتسب خيار لجنة نوبل للسلام أهمية كبيرة في ظل ما يشهده العالم من عنف يطال الأطفال
ومن بين كل هذه الأسماء يرى مراقبون أن فوز ملالا وساتيارثي، يكتسي رمزيّة خاصة، أوّلا لجمعه الجارتين الخصمين التاريخيتين، الهند وباكستان، تحت جناح أكبر جائزة للسلام في العالم، وثانيا لأن فوز ملالا يوسف زاي بنوبل للسلام يعتبر ردّا حاسما على حركة طالبان والموالين لفكرها الظلامي، وإعلان حرب ضدّ محاولتهم إرهاب “التنويريين” وكل من يرفضهم، ووقفة مطلوبة لوضع حدّ لاستغلالهم غير الإنساني للأطفال والنساء وحرمانهم من أبسط حقوقهم. وبعد سنتين من تعرضها للهجوم أصبحت ملالا مشهورة في العالم أجمع. لكن شهرتها لم ترق للجميع في واديها الممزق بأعمال العنف والنزاع الدامي في أفغانستان المجاورة. ويرى فيها الإسلاميون “عميلة للولايات المتحدة” و”الغرب” صنعت لإفساد الشباب والترويج لثقافة معادية للإسلام. وترد الفتاة التي ظل جزء من فمها مشلولا، على منتقديها بالقول، كما في صيف 2013 في مقر الأمم المتحدة في نيويورك، إن “القلم أقوى من السيف” وإنها لا تكن “الحقد لعناصر طالبان” الذين اعتدوا عليها. وتقول إنها تحلم بيوم تصبح فيه إمرأة سياسية في باكستان، وارتدت عندما ألقت خطابها أمام الأمم المتحدة منديلا كانت تحمله بنازير بوتو المرأة الوحيدة التي تولت منصب رئيسة الوزراء في بلادها والتي اغتيلت في 2007 بعيد عودتها من المنفى.