لماذا لايضحك النازحون
سامر الياس سعيد
لأنهم أودعوا بسماتهم وذكرياتهم هناك
في منازلهم واقفلوا عليها
أرادوا ان يطمئنوا
على تلك الضحكات فأودعوها مكانا أمينا
لم يلتفتوا للحاجيات الاخرى
أرادوا ان تكون الضحكات بمأمن
ان لا يلتفت لها الدخيل وهو يجول في المنزل
ويعبث بالتاريخ
او يعلق عليها سواده الغامض
الغريب
اودعوا ضحكاتهم في احضان التاريخ
والتفتوا لاحضان تضمهم
لكي يسجل لهم التاريخ
محطة قاسية
تركوا ضحكاتهم هناك
في اروقة تكلمت بلغات الماضي
فيما كان الحاضر قاسيا
والمستقبل يتوارى
خلف الجبال
او في اعالي السحاب
بعيدا عن الالتقاط
لم ينسوا الضحك
جموع النازحين
لكنهم لم يجدوا فرصة ليتصافحوا
مع قهقهاتهم وبسماتهم
او يلتقطوها
لايضحكون
فالضحك بعيد بعد الامنيات
التي يتشبثون بها
لتغير واقعهم
او تعيد لهم
ذلك الواقع الذي كان قبل ثلاثة اشهر او ما ينيف
انهم نسوا الضحك
واسقطوه من واقعهم
بقي البكاء كالعزاء
ينثر على الامهم
البلسم
نسوا الضحك
وبقيت الاحزان
تنثر عطرها في اروقة المدارس الخالية
تنفث همومها في البيوت المهجورة
في ساحات الاسواق التي نسيت خطوات اصحابها
بقيت دموع تنتظر اصحابها
عالقة في حقيبة مدرسية
في علبة الوان افتقدت الوانها
في مدرسة ام المعونة(1)
او على منضدة عامل ميكانيك
هناك في وادي عكاب (2)
حيث ينتظر رزق يومه
غاب الضحك
بين ثنايا اشجار الدير(3)
في حي العربي
والعاب الاطفال
لم تعد تهتز بضحكة طفل
كما كانت
بقي ذلك الطفل
يبحث عن حلوى العيد
وهو يركض في ساحة مار افرام الكنيسة(4)
يبحث عن فراشة خضراء
طالما استقرت على وردة
في مدخل الكنيسة
امه تحتضنه
تمضغ ضحكتها لتضعها في فمه الصغير
كما الحلوى
اما في كنيسة البشارة
فهناك في حي الزراعي(5)
كانت الضحكات
تتوارى
فقد غاب اهل الحي
واودعوا ضحكاتهم
في حقائب سفر نحو المجهول
اتساءل ...!
لو كان للضحك مصرف خاص به
فاين يودع النازحون اسهمهم فيه
الم يعودوا بحاجة اليه
ففراق الاحبة
اختفى من بينه الضحك
والوداع لايتصالح مع الضحك
وانتظار المجهول في قاعة كنيسة
أو فناء مدرسة
لايحتاج الى ضحكة
بل الى ذهول
وانصهار في غياهب التاريخ
النازحون لايحتاجون الى ضحك
فرصيدهم نفذ
مثل املهم
بقي يتذبذب
بالعودة الى الديار
واستنشاق رائحة الوطن
واستعادة اسهم الضحك
المصادرة
مثل الوان الحياة المهزومة
ريثما تعود الفراشة من جديد
لتستقر
على وردة البستان
هناك قريبا
من قصر المطران (6)...!!
(1)مدرسة ام المعونة:من المدارس العريقة في مدينة الموصل جاورت كنيسة حملت نفس الاسم في منطقة الدواسة حيث انشأت منتصف الاربعينيات القرن الماضي وعرف عن المدرسة تخريجها لمئات من نخب المجتمع في مدينة الموصل ..
(2)وادي عكاب :اسم لمنطقة صناعية في الجانب الايمن من مدينة الموصل تميزت بالكثير من معامل الخراطة الخاصة بالمسيحيين مع بداية انشاء تلك المنطقة بالاضافة لمهن خاصة بالفنيين من عمال الميكانيك الذين اكتسبوا شهرة ذائعة نظرا لدقة اعمالهم ونزاهتهم في العمل ..
(3)دير مار كوركيس:من الاديرة القديمة في المدينة والذي يحظى بالكثير من الذكريات لدى مسيحيي المدينة فالكثير من الاحتفالات الدينية كانت تقام في كنيسته خصوصا وانه يقع في منطقة حي العربي التي عرفت من المناطق التي شهدت كثافة من مسيحيي الموصل للاستقرار والسكن فيها خصوصا في نهاية سبيعينات القرن المنصرم ومطلع ثمانيناته ..
(4)كاتدرائية مار افرام :من احدث الكنائس التي انشأت في المدينة واضخمها اذ افتتحت في عام 1988 وغالبا ما كانت تشهد احتفالات روحية لمسيحيي المدينة ..
(5)حي الزراعي:وهو من ارقى احياء الموصل نظرا لانه سكن من قبل النخب المثقفة حيث انشيء في السبيعينات وتميز باستقرار الكثير من العوائل المسيحية فيه لذلك فقد تم افتتاح كنيستين فيه احداهما خاصة بطائفة السريان الكاثوليك وحملت اسم كنيسة سيدة البشارة حيث افتتحت عام 1971 الى جانب كنيسة مار بولس الكلدانية ..
(6)قصر المطران:حي من احياء الجانب الايمن من المدينة حمل هذا الاسم لبناء احد المطارنة لقصر فيه واشتهر بمزرعته الخاصة باشجار الفستق وجاورت تلك المنطقة حي الدواسة الشهير ..