كوباني والبونمر قرابين مطلوبة
د. مثنى عبدالله
November 10, 2014
من كوباني الى مرابع عشيرة البونمر بات الطريق البالغ طوله 561 كم هو طريق الحرير الجديد في منطقة الشرق الاوسط، لكن التجارة المارة فيه هي دماء ومصالح معا.
كوباني هي مركز ناحية عين العرب في محافظة حلب، الواقعة في اقصى الشمال السوري قرب الحدود التركية، رفعها التاريخ الى مستوى متقدم، فباتت على كل لسان، على الرغم من انها مدينة صغيرة، بينما دُمّرت محافظات كبرى في
سورية، وما اهدر فيها من دماء لا يساوي عشر الدماء التي سالت في غيرها.
حاشى لله ان كنا نستهين بقطرة دم، لكننا نتساءل، لم استفزّت الانسانية في كوباني ولم تتحرك في غيرها؟ أحقا انسانية تلك التي تحركت أم المصالح والسيناريوهات هي التي اجبرت من تحرك، من عرب وكرد وامريكان واتراك واسرائيليين وغربيين؟ هنا سنحاول ان نفهم ما يجري في ضوء قراءتنا للاحداث والموشرات والوقائع.
لقد تقاطعت في هذه المدينة الصغيرة ثلاثة اتجاهات للمصالح، هي المصالح التركية والكردية والدولة الاسلامية، بينما رسمت الولايات المتحدة سيناريو للاستفادة من حجم المتناقضات بين هذه الاطراف في تلك المنطقة. اولا، ان الاتراك يعتقدون ان قتالهم للدولة الاسلامية يقدم خدمة كبرى لعدوهم اللدود النظام السوري، بينما موقفهم لازال قويا في اتجاه اسقاطه، كما ان مساعدتهم للاكراد في الدفاع عن المدينة ومنع سقوطها، يعني انهم يمنحون الانفصاليين الاكراد قوة مادية ومعنوية، خاصة ان من يقاتلون في المدينة هم تنظيمات كردية متفرعة عن حزب العمال الكردستاني الموضوع على لائحة الارهاب في
تركيا. لقد فهمت
تركيا جيدا بان تنظيم الدولة ينفذ بعض المهام المرسومة في الاستراتيجية التركية في اضعاف الاكراد وتنظيف المنطقة الجنوبية منهم، من دون جهد تركي. صحيح ان
تركيا قد تخشى اكرادها في الداخل من هذا الموقف، لكن حسابات الخسارة هنا اقل مما لو سلكت الطريق الاول، الذي حتى منافستها
ايران ستستفيد منه وليس الاكراد والنظام السوري فقط. ثانيا، المصالح الكردية في كوباني مهمة للمشروع المستقبلي الكردي، حيث تتوسط كلا من محافظة الحسكة ومنطقة عفرين في
الغرب، وكلاهما مناطق باغلبية كردية وتشكلان جزءا من خريطة ما يسمى كردستان الكبرى. كما ان القيادات السياسية الكردية في المنطقة عموما دأبت خلال العقدين الاخيرين على استغلال مآسي الاكراد لاغراض سياسية واستثمارها، خصوصا في الساحة الاوروبية لكسب التأييد المادي والمعنوي، وهذا ما كان واضحا جدا في المساعدات العسكرية والاقتصادية الغربية التي انهالت على الاكراد مؤخرا، لذلك هي حريصة على استغلال ما يحدث في كوباني لتقوية حظوظها السياسية. ثالثا، أما العامل الاخر الذي يسعى لتثبيت مصالحه في كوباني فهو تنظيم الدولة الاسلامية، حيث انه يسيطر على رقعة جغرافية تمتد من غرب حلب وشرق الرقة، ويجهد لضم هذه المدينة لجغرافيته، مما يتيح له المناورة والاستفادة المادية والمعنوية. صحيح انه يسيطر على شريط حدودي طويل مع تركيا، لكن كوباني تضيف له معبرا جديدا يمكن من خلاله تهريب نفط الرقة ودير الزور الى تركيا. السيناريو الامريكي قائم على الاستفادة من متناقضات هذه الاطراف وتحقيق مصالحه، من خلال دعم الاكراد، الذين اثبتوا انهم حلفاء نجباء لم يفرطوا يوما بمقتضيات المصلحة الامريكية، وعلى الرغم من تشعب علاقاتهم فانهم ابقوا الحلف مع الامريكان بمستوى قدس الاقداس. واذا كانت الادارة الامريكية قد صرحت بان الاسلحة التي القتها طائراتهم الى المدافعين الاكراد عن كوباني، كانت مرسلة من اكراد
العراق وليست منهم، في محاولة لعدم اثارة الحليف التركي، فانها في الحقيقة ايضا تريد تأديب صانع القرار السياسي التركي النزق بعض الشيء من خلال تقوية الاكراد واستخدامهم سكينا في خاصرته، حيث يحاول صنع سياسة خاصة بتركيا خارج السياسة المعتمدة في دول حلف الناتو في قضايا الامن، كما ان سقوط كوباني كان سيصور على انه اول فشل للتحالف الدولي، مما يهدد بانفراط عقده وتبعثره. لكن النقطة الاهم في الموضوع هو ان ادارة اوباما باتت على مشارف توقيع اتفاق شراكة مع
ايران، وكي لا يزعل العرب، وحتى تبين انهم حلفاء تعتمد عليهم ولا يمكن ان تتخلى عنهم، فقد رسمت لهم حلفا جديدا ينتظمون معه ضد الدولة الاسلامية. واذا كانت كوباني اول قربان لتحقيق مصالح سياسية لدول محلية واقليمية ودولية، فان القربان الثاني على مذبح هذه المصالح هم عشيرة البونمر العراقية، التي انتظم رجالها في ميليشيا الصحوات الامريكية، حيث سلحوهم واوكلوا اليهم تطهير بعض مناطق الانبار من «
القاعدة» في الاعوام 2005 – 2006، حتى جاء المالكي فجردهم من اسلحتهم وجعل اعناقهم تحت مقصلة «
القاعدة». ففي الوقت الذي حاصر تنظيم الدولة قراهم في غرب الانبار مؤخرا، وعلت اصواتهم مطالبة بالعون والمدد من الامريكان والحكومة، صم هؤلاء آذانهم عنهم وتركوهم يواجهون مصيرهم على يد التنظيم، لانهم كانوا يريدون لهم ذلك. لذلك قال احد شيوخ البونمر، طالبنا الحكومة والامريكان ان يقدموا لنا المساعدة قبل وقوع عمليات القتل، لكن من دون نتيجة. كانت الحكومة تريد ان يكون مصيرهم حافزا لبقية العشائر للالتفاف حولها والتنازل عن كل الحقوق، لانها كانت تراهم حواضن للدول2222ة الاسلامية. الام2222ريكان كانوا يريدون من خلال الذبح الجماعي اعطاء صورة بانهم هم الملاذ والملجأ كي تحتشد بقية العشائر لمقاتلة التنظيم، حيث صرحوا مسبقا بان من يُنهي ظاهرة الدولة الاسلامية هم السنة وليس غيرهم. لكننا لا نرى ان الامريكان والحكومة سيحققان ما ارادا من مكاسب سياسية بدماء البو نمر، لان المذبحة كشفت ضعف الحكومة وعدم قدرتها على حماية احد وهزيمة جيشها واجهزتها الردعية، كما ان ضربات قوات التحالف لا تحقق اي نتيجة على الارض.
هذه هي الرسائل التي يريد تنظيم الدولة ان يفهمها زعماء العشائر. لقد تصور الامريكان والحكومة ان زعماء العشائر على قلب رجل واحد، وان ما اصاب البونمر قد يحشد قواهم ضد تنظيم الدولة، وهذا غير صحيح لان هنالك خلافات كبرى في الموقف من الحكومة والامريكان وتنظيم الدولة بينهم. واذا كانوا فعلا هم على قلب رجل واحد، كيف سينتظمون مع الحكومة والامريكان بينما يسمعون نداءات الاستغاثة التي اطلقتها عشائر ديالى، التي هي من نسيجهم نفسه، لانقاذهم من بطش الميليشيات التي تنشط هنالك؟ هل هنالك قتل رحيم وقتل رجيم؟
٭ باحث سياسي عراقي
د.
مثنى عبدالله