أوباما وكاسترو: إقرار تاريخي بفشل سياسة الحصاررأي القدس
December 18, 2014
أثار إعلان استئناف العلاقات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة وكوبا ارتياحا كبيرا حول العالم، فيما أغلقت آخر صفحات الحرب الباردة بإقرار تاريخي من واشنطن بخطأ سياسة الحصار الذي تسبب في معاناة هائلة للشعب الكوبي لأكثر من نصف قرن، دون أن يحقق أي أهداف سياسية.
ومن جهته أشاد الرئيس الكوبي راؤول كاسترو بتبادل تاريخي للسجناء مع الولايات المتحدة، وأثنى على الرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي وجه كلمة للشعب الكوبي قال فيها «إن الدولتين تتشاركان في نفس الإرث»، وإنه بالرغم من الاختلاف في الرأي يتعين عليهما أن يتعلما العيش معا «بطريقة متحضرة».
وأعلن أوباما انه «آن الأوان للتخلص من أغلال الماضي». واختتم بعبارة «نحن جميعا أمريكيون» باللغة الإسبانية.
وفي ظل السيطرة المرتقبة للجمهوريين على مجلس النواب الأمريكي ومجلس الشيوخ في يناير/ كانون الثاني فإن فرصة إلغاء المشرعين لجميع العقوبات المفروضة على كوبا قريبا صفر تقريبا.
لكن أوباما لديه سلطات تنفيذية واسعة للانفتاح أكثر على كوبا بعدما أعلن أنه سيخفف القيود على التجارة والنقل والتعاملات المصرفية.
وبقدر ما يمثل هذا الحدث التاريخي إقرارا بهزيمة مؤجلة لأمريكا المتغطرسة في إحدى المعارك الرئيسية للحرب الباردة، فإنه انتصار شخصي جاء متأخرا، للزعيم الراحل فيدل كاسترو، وانتصار تاريخي للشعب الكوبي، وإعادة اعتبار لقيم الثورة الشعبية من أجل الحرية والعدالة الاجتماعية.
وبالضرورة فإنه انتصار أيضا لكافة الشعوب المقاومة للظلم والحصار والاحتلال والتي ربما لا تنصفها موازين القوى اليوم، إلا أن كوبا ستبقى تذكيرا بأن «دوام الحال من المحال» هو إحدى القواعد الثابتة في علم الصراعات الدولية.
وهكذا فإن الشعب الكوبي ليس وحيدا في فرحه أو احتفاله اليوم، بل أن الشعوب العربية التي طالما وقف معها، في محنها الكثيرة وأفراحها القليلة، يجب أن تكون إلى جانبه اليوم.
وللعرب أن يتذكروا، على سبيل المثال لا الحصر، كيف فتح الثوري النبيل فيدل كاسترو مستشفيات كوبا وجامعاتها أمام آلاف الفلسطينيين، بل ومعسكرات التدريب أمام الفدائيين منهم في ذروة الكفاح المسلح إبان الحرب الباردة.
ويذكر أن العقوبات المفروضة على كوبا أكثر صرامة من تلك المفروضة على خصوم أمريكا الآخرين مثل إيران وروسيا على الرغم من أن أمريكا ترسل الطعام والدواء لكوبا.
وإذا كانت سياسة الحصار قد فشلت رغم قسوتها في كوبا فالمرجح أنها لن تكون أفضل حظا في أماكن أخرى.
لقد تغير الزمن، وأصبحنا نعيش في عالم يختلف عما كان في عصر القطبين إبان الحرب الباردة، إذ يعتمد بعضه على بعض إلى حد معقد، خاصة من الناحية الاقتصادية.
ولا يعني هذا أن سياسة الحصار لا تستطيع إلحاق أضرار كبرى، كما يحصل حاليا في حالتي إيران وروسيا خاصة في ظل تراجع أسعار النفط، لكن لا يمكن اعتبارها وحدها قادرة على إحداث تغيير سياسي.
وبزيارة سريعة إلى التاريخ نجد أن سياسة الحصار كانت محورا أساسيا في الاستراتيجية الأمريكية خلال العقود الماضية، بدءا من كوبا فالعراق فليبيا، وقد انتهت دائما وسط ظروف ملتبسة، بل أنها جاءت بنتيجة عكسية، فلم تتحقق الديمقراطية في أي من تلك البلاد، كما أنها أسهمت في تقوية الأنظمة التي كان من المفترض أن تؤدي إلى سقوطها.
نعم لقد حان الوقت ليجد العالم أساليب أكثر نجاعة وإنسانية، من تجويع الأطفال والأبرياء ومعاقبة المرضى عبر الحصار، لحل خلافاته السياسية.
ولعل مشارفة حصار كوبا على الانتهاء تدفعنا لتذكر الشعب الفلسطيني في
غزة الذي مازال يعاني من حصار اقتصادي خانق، حتى بعد التضحيات العظيمة التي قدمها أثناء العدوان الإسرائيلي الأخير.
لقد جاء انتصار كوبا في توقيت مهم، يحتاج العرب فيه إلى ما يثبتهم، وهم يواجهون شبح فيتو أمريكي وحصارا واحتلالا إسرائيليين، ليؤكد لهم أنه «ما ضاع حق وراءه مقاوم»، ولو بعد حين.
رأي القدس