تحتفل بيومها العالمي.. مصادر اللغة العربية بين التوثيق والشك وخدمة الوسائل الحديثة لها
– December 19, 2014
قديما كانت المشافهة، هي الوسيلة لنقل المعلومة والخبر، وتطورت الأمور ثم كانت الكتابة، وجاءت من بعدها الوسائل الحديثة مثل التسجيل صوتًا، ثم صوتًا وصورة، ثم نقلًا حيًا على الهواء.
لقد جاء الإسلام في أمة لا تقرأ ولا تعرف الكتابة، فقد كان نادرًا قبل الإسلام أن نجد شخصًا يجيد الكتابة. وبمجيء الإسلام، صار القرآن ينقل شفاهة وأحيانا كتابة. ولأن الله تعهد بحفظ القرآن، فقد حفظه الصحابة في صدورهم وطبقوه. وبعدت المسافة ومات الحفاظ، ودخلت الأمم الأعجمية في الإسلام وتسرب اللحن إليه، ففكر الصحابة في كتابة القرآن وجمعه في مصحف جامع.
تم الجمع على ثلاث مراحل، الأولى بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم حفظا وكتابة، حيث حفظ في الصدور وكتب على السطور وفي قراطيس وألواح من الرقاع والعسب.
الثانية على عهد أبي بكر، وذلك بانتساخه من العسب والرقاع والصدور “صدور الرجال”، وجعله في مصحف واحد.
والثالثة ترتيب السور على عهد عثمان بن عفان وحمل الناس على قراءة واحدة، وكتب منه عدة مصاحف أرسلها إلى الأمصار وأحرق الباقي.
وكان الصحابة أحرص ما يكونون على نقل كل ما يقوله رسول الله من غير القرآن، لأن السنة النبوية شرح عملي لتعاليم الاسلام. ولأهميتها هناك رجال تناولونها بالكتابة والترتيب والنقد والتمحيص بعلم بشري شديد الدقة والمنهجية، ألا وهو علم الجرح والتعديل وعلوم الحديث.
وعلم الجرح والتعديل يتكلم عن أحوال رواة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من حيث اتصافهم بشرائط العدل، وهو علم وضع لتشخيص رواة الحديث ذاتا ووصفا ومدحا وقدحا. وهو يخدم الأحاديث من حيث السند إذا كانت صحيحة أو حسنة أو ضعيفة أو موضوعة.
والجرح، هو رد رواية الراوي لعلة قادحة “فيه أو روايته”، من فسق أو تدليس أو كذب أو شذوذ أو نحوها.
والتعديل، هو وصف الراوي بالعدالة، أي يقتضى قبوله، ووضعوا شروطًا لعلماء الجرح والتعديل، وهناك علم مصطلح الحديث.
وهناك أيضا دور الشعر الجاهلي في حفظ “لغة الضاد”، وهو مصدر أساسي من مصادر اللغة العربية. وقد كان هناك من الرواة أمثال حماد الراوية وخلف الأحمر من واضعي ومنتحلي الشعر الجاهلي، لأنهما كانا على دراية وحفظ بالشعر الجاهلي. وكان هناك فريق آخر متعدل أمين في النقل والرواية فيما يخص الشعر الجاهلي، مثل أبي عمرو بن العلاء، مما جعل بعض المؤرخين يشكك في صحة الشعر الجاهلي، ثم انسحب ذلك على الحديث، ثم تجرأوا على القرآن.
والانتحال هو أن ينسب شاعر أو راوٍ أمرًا مزيفا إلى شاعر آخر قديم ليس له، وقد درس القدماء أمثال محمد بن سلام الجمحي قضية الانتحال في الشعر الجاهلي وذكروا بعضًا من مشاهير الرواة المنتحلين.
وقد اهتم عدد من المستشرقين والباحثين حديثًا بقضية الانتحال والشك في الأدب الجاهلي، ومن أشهر المستشرقين الذين درسوا الانتحال ديفيد مرجليوث البريطاني الذي ألف كتابا صغيرا وصل فيه إلى أن الشعر الجاهلي كله ليس جاهليًا، وإنما ألفه آخرون في العصرين الأموي والعباسي.
وقد فند البعض هذه الادعاءات، ومن أشهر من درس الانتحال في الشعر الجاهلي د.طه حسين في كتابه “الشعر الجاهلي”. وقد كان الشعر الجاهلي يتداول شفاهيا قبل التوسع في استخدام الكتابة والتدوين، مما يعني إمكانية حدوث التحريف عن طريق النسيان أو غيره ما دام التوثيق غير مكتوب في أصله.
وفي العصرين الأموي والعباسي ازدهرت الترجمة من وإلى اللغة العربية، وقدم العلماء المنهج الأرسطي والعلوم الحديثة، وترجم العلماء هذه العلوم إلى العربية، وحدثت نهضة فكرية كبيرة، لكن الترجمة كانت قائمة على الفردية، وكانت تتصف بالمكانة العلمية في النقل، لذا انتفع بالعلوم المترجمة إلى العربية. وصدرت كتب كثيرة بسطت العلوم والمعاجم، بما حفظ اللغة العربية، وظهر علم “الكلام”، وترجمت “الف ليلة وليلة “. وصارت العواصم العربية والإسلامية مراكز إشعاع ومنارات للعلم والدراسة والترجمة، أخذا وردا.
وقد أكدت المذاهب الحديثة ما ذهب إليه المنهج الإسلامي في التقصي والتحقق والتأكد من المعلومة.
ويأتي التساؤل: ماذا فعلت الوسائل الحديثة للمعلومة أو للعلم والخبر في عصرنا الراهن؟ قربت المسافة، وسهلت أدوات النقل، فأنت تستطيع أن تتصل بأي إنسان في الكرة الأرضية صوتًا وصورة، وتستطيع أن تتابع الدرس والحياة في مكان آخر، وهذا يدعو كذلك لسهولة التحقق من المعلومة.
إن ما يعانيه العالم الآن من تصدير شائعات، الغرض منها بث القتنة والتعمية وتحويل فكر الناس وإبعادهم عن فهم ما يحاك لهم، يدعونا إلى اتخاذ المنهج الصحيح في تلقي المعلومة، والتثبت منها، وتداولها، وأخذ الصحيح منها، وعدم نشر المغلوط غير المؤكد، لخدمة العلم والإنسانية.
وإن مقاييس تقدم الأمم هي التزامها بالقيم والمبادئ، فإن الصدق والعدل والنظام والأمانة ومكارم الأخلاق تكون دافعة لتقدم الأمم والرقي بها.
بوابة الاهرام