لطفي الياسيني معلومات إضافية
الأوسمة : المشاركات : 80306 نقاط : 715277 التقييم : 313 العمر : 118 | موضوع: الصحافة الفرنسية و«سيرة محمد الحقيقية» / مالك التريكي السبت 17 يناير 2015 - 3:03 | |
| [rtl]الصحافة الفرنسية و«سيرة محمد الحقيقية»[/rtl] [rtl]مالك التريكي[/rtl] JANUARY 16, 2015
التوفيق في تحسس معنى اللحظة هو من جماليات الصحافة وفضائلها التي تدرك عندما لا تطلب. اجتهاد في العمل يبتغي الإجادة، فإذا به يحققها ويرقى إلى ما يتجاوزها. من ذلك أن موضوع غلاف أول أعداد مجلة «لوبوان»الأسبوعية الفرنسية هذا العام كان عن «حياة محمد الحقيقية». أي أنه قد صدر، دون قصد، في شبه تزأمن مع وقوع الجرائم التي أودت بحياة سبعة عشر شخصا والتي قال أصحابها إنهم لم يرتكبوها إلا «ثأرا للنبي» عليه الصلاة والسلام. أما العنوان الفرعي فكان على هذا الشكل: «الحب، الحرب، النساء: اكتشافات المؤرخين. الأحداث غير المعروفة والأفكار الشائعة حول الرسول». وهذا نوع من الملفات نادرا ما تتطرق إليه المجلات الإخبارية الأنغلوساكسونية التي تركز عادة على المجالات التقليدية: السياسة، والاقتصاد، والتكنولوجيا والتسلية. أما المجلات الإخبارية الفرنسية، التي تتخذ، لأسباب راسخة في عمق الثقافة اللاتينية، منظورا أرحب وأعمق في محاولة رصد العالم المعاصر – ومن ثمة في محاولة فهم الشرط الإنساني – فإنها لا تكاد تخلو كل شهر من تناول ملف جاد في مختلف مجالات المعرفة. ولهذا فقد شملت ملفات الأسابيع الأخيرة، على سبيل المثال، هذه العناوين: «ألغاز الفن الكبرى»، «كيفية تقوية الذكاء»، «هل يمكننا الاستغناء عن الإله؟ أجوبة كبار الفلاسفة»، «كيف ولدت الديانات التوحيدية»، «الدليل إلى الثقافة العامة»، «وصفات السعادة»، «أسرار الخيارات التاريخية الكبرى»، «تحقيق حول الحنين (النوستالجيا) المعاصر»، «التفاؤل»، الخ. وقد كان موضوع غلاف آخر عدد من مجلة «الاكسبرس» لعام 2014 عن «التاريخ العام للشرق الأوسط: من مهد الحضارات إلى أرض النزاعات». يطرح ملف «حياة محمد الحقيقية» أسئلة بالاستناد إلى دراسات جديدة أصبح يقوم بها باحثو التاريخ واللسانيات الغربيون منذ حوالي عقدين بالرجوع إلى النقوش والآثار في جنوب شبه الجزيرة العربية وإلى النصوص الإغريقية والسريانية والعبرية المزأمنة لنزول القرآن الكريم، وذلك في تجاوز مقصود لمصادر السيرة النبوية المعتمدة في الثقافة الإسلامية بسبب من التشكيك الغربي في مصداقيتها. ولهذه الأسئلة (التي لا تطرح في البلاد الإسلامية) ما يسوغها في الحضارة الغربية المعاصرة إذا أخذنا في الاعتبار أنها حضارة لا-إيمانية تعدّ جميع الأديان شكلا من أشكال الإنتاج الثقافي الذي احتاجت له المجتمعات الإنسانية منذ فجر التاريخ لمحاولة فهم ألغاز الوجود والإجابة على أسئلة المصير. ولكن مع التسليم بكل هذا، فإن من المستغرب أن أحد هؤلاء الباحثين – المؤرخ الألماني تيلمان ناغيل الذي نشر قبل عامين سيرة للنبي بعنوان «محمد: قصة عربي، واختراع نبي» – يقول في تبرير إعراض الباحثين الغربيين عن مصادر السيرة المعروفة (ابن إسحاق، وابن هشام، والطبري، الخ) أن «ما ترويه السيرة هو في أغلب الحالات من نوع أسطوري، فهي التي تتحدث مثلا عن عروج محمد إلى السماء، ونحن نعرف منذ القرن التاسع عشر أنها تتنافى بشكل سافر مع القرآن والحديث. هذا فضلا عن أن القرآن والحديث هما مسألة إيمان وعقيدة ليس إلا». أن يعتبر الباحثون الغربيون أن القرآن والحديث ليسا موضوع إثبات أو نفي علمي أمر مفهوم. أما القول بأن قصة الإسراء والمعراج هي من قصص السيرة التي تتعارض مع القرآن والحديث، فهذا ما لا يمكن فهمه! والأغرب أن الملف الطويل والمتنوع يناقض نفسه فيستشهد في موضع آخر بالآية الأولى من سورة الإسراء: «سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا». وهنا يتوقف الاستشهاد، حيث لا ذكر لـ»إنه هو السميع البصير». وهذا أمر متوقع. ومن فصول الملف حوار مع محمد علي أمير معزي، وهو باحث في السوربون سبق له أن نشر نصوصا شيعية مترجمة إلى الفرنسية، يقول فيه إن «الشيعة مقتنعون أنهم هم المستمسكون، دون سواهم، بالدين الحقيقي الذي أتى به محمد، حيث أنهم يعتبرون أن الإسلام السني هو إسلام مضاد، أسس على تحريف للقرآن». قصة حيرة الحضارة الغربية في أمر النبي الكريم قديمة معقدة أصلا، مثلما سبق لعبد الرحمن بدوي أن بين في كتابه «دفاع عن محمد صلى الله عليه وسلم ضد المنتقصين من قدره». وكأن هذا الكم البالغ من التعقيد لا يكفي، فها إن مسألة السنة والشيعة قد دخلت اليوم على الخط لضمان تأبيد حيرة قديمة لا تخلو من فواجع متجددة. ٭ كاتب تونسي مالك التريكي | |
|