أفقر زعماء المعمورة يودع عالم السياسة في صمت بيبي موخيكا يقفز بالأوروغواي إلى صدارة الدول الأقل فسادا في أميركا اللاتينية بفضل قوانينه الرائدة وإجرائه إصلاحات اجتماعية هامة في البلاد. العرب
[نُشر في 05/03/2015، العدد: 9847، ص(12)]
لم يشهد العالم بأسره رئيسا متقشفا مثل 'بيبي'
مونتيفيديو - سلم موخيكا، الثائر السابق الذي يتمتع بحضور قوي، الأحد الماضي، مقاليد الحكم في البلاد إلى خلفه الطبيب تاباريه فاسكيز الذي سبق أن ترأس البلاد بين 2005 و2010.وتوجه الرئيس المنتهية ولايته الذي سيعود من الآن فصاعدا إلى عضوية مجلس الشيوخ إلى الجمهور قائلا بتأثر “لن أرحل، بل أصلي، سأرحل عندما ألفظ أنفاسي الأخيرة، فأينما كنت سأكون معكم، شكرا أيها الشعب العزيز”.
وقدم آلاف الأوروغوانيين من كل المدن إلى ساحة الاستقلال قبالة مقر الرئاسة وسط العاصمة مونتيفيديو لتوجيه التحية الأخيرة إلى بيبي موخيكا كرئيس للبلاد أثناء تسليمه وشاح الرئاسة إلى خلفه فاسكيز.
وحضر مراسم تسليم السلطة عدد من رؤساء دول أميركا اللاتينية، بينهم رئيسة البرازيل ديلما روسيف ورئيسة تشيلي ميشيل باشليه ورئيس الإكوادور رافاييل كوريا ورئيس كوبا راؤول كاسترو.
في المقابل، اعتذر عن عدم حضور الحفل الذي كان بسيطا وفق متابعين كل من نائب الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس فنزويلا نيكولاس مادورو لأسباب غير معروفة.
وبذلك الحفل يكون موخيكا، الرئيس الأفقر في العالم كما وصفته أحيانا الصحافة الأجنبية بسبب نمط عيشه المتقشف ونفوره من البروتوكول، قد أخلى كرسي الرئاسة لخلفه في صمت ودون صراع على السلطة كما يحصل في كثير من دول العالم.
واستطاع موخيكا صاحب سيارته “الخنفساء” أن يحول بلده الصغير المطل على المحيط الهادي والذي يضم 3.3 مليون نسمة، إلى دولة شهيرة في العالم أجمع بفضل قوانينه الرائدة. ولم تكن الخمس سنوات الأخيرة من حياة الأوروغواي عادية في ظل فترة حكمه فقد أجرى موخيكا في ولاية رئاسية واحدة إصلاحات اجتماعية هامة في البلاد خلافا لسابقيه الذين تبنوا منهجا اشتراكيا.
فقد أقر في عهده قانونا يبيح الإجهاض وآخر يشرع بيع القنب الهندي بينما اعتمد في سياساته الاقتصادية التي أثارت الكثير من الانتقادات على قطاع الأعمال والاستثمارات الأجنبية.
وفي حوار خاص لإذاعة فرنسا الدولية تحدث موخيكا عن أهم الإنجازات التي تحققت خلال فترته الرئاسية فقال إن”عدد الفقراء والمحتاجين انخفض في البلاد” ولكنه استطرد بالقول “لكن، للأسف لا يزال هناك فقراء ومحتاجون في هذا البلد الغني بالموارد”.ويعد موخيكا أحد فقراء الأوروغواي إذ يصنف بأنه “الأفقر” بين زعماء العالم، لكونه لا يحتفظ سوى بـ10 بالمئة من مرتبه الذي يبلغ شهريا 12 ألفا و500 دولار أميركي ويتبرع بالباقي للجمعيات الخيرية.
- اقتباس :
- سياسيون يؤكدون أن شفافية وبساطة موخيكا المفقودة في بعض الزعماء العرب جعلت منه رئيسا مشهورا
ويعيش موخيكا صاحب عبارة “من يعشق المال لا مكان له في السياسة” منذ توليه الرئاسة في شهر مارس 2010، في بيت ريفي في مزرعته، مفضلا البيت المتواضع عن القصر الرئاسي، كما أنه لا يتمتع بالحراسة المشددة كبقية رؤساء العالم.
و ذكر موقع “ياهو نيوز” أن موخيكا لا يملك حسابات مصرفية ولا ديونا، وكل ما يتمناه عند انقضاء فترة حكمه هو العيش بسلام في مزرعته، برفقة زوجته.
ويشير مؤشر منظمة الشفافية العالمية أن معدل الفساد في الأوروغواي انخفض بشكل كبير خلال ولاية موخيكا، إذ يحتل هذا البلد الواقع في أميركا الجنوبية المرتبة الثانية في قائمة الدول الأقل فسادا في أميركا اللاتينية.
ويقول الرئيس المنتهية ولايته إن “أهم أمر في القيادة المثالية هو أن تبادر بالقيام بالفعل حتى يسهل على الآخرين تطبيقه”، الأمر الذي يراه كثير من السياسيين مفقودا إن لم يكن منعدما في دول الوطن العربي.
ويسكن موخيكا في نفس المنزل ونفس الحي وبنفس الطريقة قبل توليه الرئاسة، لأن أغلبية الشعب التي صوتت له من الفقراء، لذلك يجب عليه كما قال “أن يعيش مثلهم ولا يحق له عيش حياة الترف”. تلك الحياة حرمها على نفسه لكنه سعى جاهدا طيلة فترة رئاسته لتوفيرها لأبناء بلده حيث قال لإذاعة فرنسا الدولية “ليس لدي شك في أنه في السنوات الأخيرة تحسنت القدرة الشرائية للمواطن في الأوروغواي، وهناك المزيد والمزيد من العمل، لكن هذا البلد في وضع أفضل الآن مع أن الناس يأملون دائما في المزيد”.