عجــرفــة إيــــرانشبكة ذي قـارد. هشام رزوق توالت في الأيام الأخيرة التصريحات الإيرانية التي تتفاخر بها بقوتها وقوة تأثيرها على مجريات الأحداث في مختلف الأقطار العربية وتمكنها من السيطرة على أربع عواصم تمثل العمق العربي الأكثر دلالة تاريخيا وثقافيا وحضاريا ونقصد بغداد ودمشق وصنعاء وبيروت.
العواصم العربية الأربع هي فعلا محتلة من قبل إيران، ليس فقط بالمعنى السياسي، بل عمليا أيضا حيث تتواجد قوات إيرانية وميليشيات صفوية مقاتلة مسلحة ومدربة وممولة من قبل إيران في سورية والعراق ولبنان واليمن، ويتصرف قاسمي سليماني قائد الحرس الثوري الإيراني كقائد للجيوش ووزير للدفاع في كل من العراق وسورية، ويتباهى المسؤولون الإيرانيون بأنهم منعوا سقوط بغداد ودمشق وإربيل بيد "الارهاب" ومنعوا سقوط بشار الأسد ووصلوا إلى شواطئ المتوسط وباب المندب وأخيرا وليس آخرا يأتي تصريح مستشار الرئيس الإيراني القائل بأن إيران امبراطورية كبرى عاصمتها بغداد.
الإيرانيون لا يقيمون وزنا لأية اعتبارات دبلوماسية أو حساسيات سياسية قد تنجم عن هذه التصريحات الفجة أو السلوك العدواني على أراض عربية، والسبب في ذلك نابع برأيي من احتقارهم واستصغارهم للعرب جميعا وتأكدهم من أن العرب في أضعف حالاتهم وأنهم عاجزون عن القيام بأي رد فعل تجاههم، وهذا للأسف صحيح نسبيا، على الأقل في الوقت الحالي.
حين انهارالسد المنيع الذي كان يمثله القائد صدام حسين ونظامه الوطني على أيدي القوات الأمريكية الغازية وحلف الثلاثين دولة التي شاركتها حربها ضد العراق وبمساعدة قوات عربية وانطلاقا من أرض عربية وبتشريع من "الجامعة العربية"، وجدت إيران فرصتها الذهبية، ليس فقط لتستعيد أنفاسها، بل لتبدأ هجوما مضادا وبنفس طويل لاستعادة قوتها واستئناف برنامجها القاضي بتمددها غربا والهيمنة على منطقة الشرق الأوسط. تحالفت مع أمريكا من خلال الخدمات والمصالح المتبادلة، لعبت بالورقة الطائفية، أشعلت حربا أهلية مستفيدة من انهيار الدولة ومؤسساتها ومن حل الجيش العراقي والأجهزة الأمنية، تلك الخطوات اللئيمة التي قام بها بريمر مساهما بذلك بتسهيل المهمة أمام إيران.
لكن إيران تعلمت درسا مهما أيضا وهو أن تبني قوتها الذاتية اقتصاديا وعسكريا، وألا تثق بأحد غير قوتها، ففي الوقت الذي انصرفت به أغلب الدول العربية والخليجية منها بشكل خاص على بناء الأبراج وشراء النوادي الرياضية والفنادق الفخمة في عواصم العالم واتكأت على الحائط الأمريكي الذي اعتقدت أنه سيحميها إلى الأبد، كانت إيران تبني برنامجا نوويا وصناعات عسكرية وتدعم أحزابا وأشخاصا في كل العواصم العربية، بنت خلايا نائمة لها في كل مكان، بنت تحالفات استراتيجية مع روسيا والصين وبعض دول العالم الثالث.
لا يكفي أن نسب ونشتم، لا يكفي أن نندب حظنا، لا يكفي أن نقول بأن إيران متآمرة على العرب السنة، لا يكفي أن نلعن أمريكا التي تخلت عن عرب الخليج وفاوضت إيران على برنامجها النووي وعلى مجمل مشاكل الشرق الأوسط ، يجب أن نعترف بأننا لم نفعل شيئا لحماية أمننا العربي القومي، ولم نفكر يوما بأن علاقات الدول تحكمها المصالح وليس هناك أصدقاء دائمون، وأن صديق اليوم قد يكون عدو الغد، وأن من لا يبني لنفسه أرضية صلبة يقف عليها فسيغرق في بحر من الرمال وأن من لا يعتمد على شعبه ويمنحه الكرامة والأمن والعمل والمشاركة السياسية فليس له مستقبل بين القوى العالمية ولا يحترمه أحد.
في كل الأحوال فإني أعتقد أن القادة الإيرانيين العسكريين منهم أو السياسيين يرتكبون خطأ كبيرا حين يصابون بغرور القوة ويستفزون مشاعر المواطن العربي في كل مكان بتصريحاتهم العنصرية والطائفية. إنهم ينسون أن عراق صدام حسين قد هزمهم شرهزيمة، وأن ثوار سوريا والعراق يكبدونهم خسائر جسيمة في الأرواح والمعدات والأموال وبشكل يومي، ولن تهدأ لهم الأمور مهما حاولوا.
أعتقد بأن جنون العظمة الإيراني سيوقعهم في ورطة كبيرة حين ينهض المناضلون العرب الغيارى في العراق وسورية واليمن ولبنان والخليج والأحواز ليستدركوا وضعهم وضعفهم ويستفيقوا من غفلتهم ويوقفوا هذا الغرور وهذا الجنوح الفارسي نحو العدوان واحتلال الأقطار العربية الواحد بعد الآخر، فزمن الاستعمار قد ولى إلى غير رجعة، مهما كان الوضع العربي المتهافت يزين للآخرين العدوان عليهم تحت أية ذريعة أو مبرر.