غزة بين أحلام شارون و أوهام ليبرمان
دراسة حول خطة الفصل الصهيونية الثانية
اعداد:
عامر سعد
أندلسي_مصر
مقدمة
لا غرو ان خطة الفصل الثانية عن قطاع غزة بقبطانها الجديد وزير الخارجية الصهيونية ليبرمان والتي اعلنت عن تفاصيلها قبل أيام صحيفة يديعوت احرنوت الصهيونية أحدثت حراكا فلسطينيا سياسيا كبيرا خاصة في أوساط حركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة .
وتأتي هذه الدراسة كمحاولة بسيطة لرفد البناءات النظرية لدى حركة حماس بالمعطيات والمعلومات ، والمساهمة الواعية في بلورة بنية فكرية سياسية لدى حركة حماس تتسم بالشمول ويبنى عليها ممارسة سياسية واقعية سليمة وقادرة على التعاطي الناضج مع تداعيات تلك الخطة على كافة الصعد .
من الحلم إلى الرؤية إلى السياسة
مما لاشك فيه أن حضور الايديولوجيا وتبنيها لدى البنى المجتمعية والنظام السياسي يؤدي إلى خلق تصورات ورؤى خاصة في أذهان السياسيين الرسمين والذين يشاركون في سيرورة اتخاذ القرارات في النظام السياسي ، وعليه فإن الايديولوجيا الصهيونية التلمودية الهرتزلية أثبتت انها ذات طابع تجريبي في المعارف السياسية والاجتماعية الصهيونية .
كنتاج طبيعي لم تكن غزة بمنأى عن الايديولوجيا الصهيونية كونها تعتبر جزءا اصيلا من الصراع الصهيوني – الفلسطيني ، بل كانت في بؤرة اهتمامه وعامل حث لتكثيف الرؤى والتصورات وبلورة البناءات النظرية ومن ثم الفكر السياسي الاستراتيجي و الممارسة العملية السياسية حياله ، وفي ضوء ذلك فإن خطة ليبرمان الجديدة للانفصال عن غزة تقع تحت طائلة الايديولوجيا الصهيونية وسيرورتها وفصولها :
1- الاحساس العاطفي " الحلم الرابيني " : يعتبر النص الرابيني المؤسس في الايديولوجيا الصهيوينة حيال غزة والذي مفاده اتمنى ان أصحو فأجد غزة قد ابتلعها البحر التربة التي تكثفت بها التصورات الصهيونية وتبلورت لنظرية ورؤية سياسية رسمية يتضمنها الفكر السياسي الرسمي الصهيوني ، حيث يعتبر ذلك الحلم في المتخيل اللاشعوري التجريدي اقرارا بالخطر الاستراتيجي الداهم في غزة واقرارا بتصاعد الدور الغزي في معادلة الصراع الصهيوني – الفلسطيني وعليه تبلور هذا الحلم التجريدي في محاولة يوتوبية – باعتبارها مقدمة وارهاص لتبلور الرؤى والفكر – لايجاد حل ينهي الدور الغزي والذي تمثل في العمل على فصلها – غزة - كبقعة جغرافية عن المكون الجغرافي - السياسي الفلسطيني .
2- الادراك العقلي " الرؤية السياسية الشارونية " : وكما أسلفنا فقد شكل الحلم الرابيني التربة الخصبة لتصورات وسلوك أي نظام سياسي صهيوني مستقبلي حيال غزة ، حيث أدى الثقل المتنامي للدور الغزي في الانتفاضة الثانية على صعيد مقاومة العدو الصهيوني إلى إدامة ظهور الشمس فوق التربة الرابينية مما أدى إلى نمو تصورات ومن ثم رؤية سياسية صهيونية في عهد حكومة شارون تنطوي على ضرورة الانسحاب من غزة ، هذه الرؤية تكثفت وتبلورت في عام 2004 – بشكل جلي وفاضح – إلى فكر سياسي رسمي سكون له مفاعيل في الواقع المعاش ، ومرتكزات هذا الفكر السياسي المتبلور حيال غزة ثلاثة هي :-
أ) البعد الجيوبولوتيكي " الجغرافيا السياسية " : يتعلق بالموقع الجغرافي وأثره في القرار السياسي
ب) البعد الجيو استراتيجي : تتعلق بالموارد والتي تندر في القطاع حيث تعتبر غزة خارج التخطيط الاستراتيجي الصهيوني .
ت) العقدي : حيث تعتبر غزة خارج الاهتمام الصهيوني التلمودي .
3- التنفيذ " الممارسة العملية السياسية عام 2005 " : وفعلا مع تبلور الحلم الرابيني في نهاية المطاف لفكر سياسي رسمي سيكون له مفاعيل في الحيز الواقعي , ومع في ضوء تنامي مقاومة غزة إلى حد لا يطاق صهيونيا جاء القرار الصهيوني ومن ثم الممارسة العملية بالانسحاب الاحادي من قطاع غزة في سبتمر عام 2005 امام انظار العالم أجمع .
انسحاب 2005 مرحلة التأسيس للديغولية الصهيونية
وهي نظرية في الفكر السياسي الاستراتيجي الصهيوني - وعلى صعيد الممارسة كنتاج طبيعي ببديهة الحال - تهدف إلى تحسين الصورة الصهيونية على المسرح الدولي وإحداث اختراقات على صعيد البعد الأخلاقي والإنساني الدوليين ، وتعبئة الدعامات اللوبية الصهيونية القريبة من مراكز صنع القرار العالمية لحشد مزيد من الدعم والتأييد ، وعلى صعيد الصراع الصهيوني – الفلسطيني تهذف النظرية إلى حذف غزة من معادلة الصراع القائمة والتخلص من أعبائه خاصة الشق القانوني .
ففي سبتمبر 2005 أعلن الكيان الصهيوني عن خطة انسحاب من قطاع غزة, ونفذ بالفعل انسحابا أحاديا وبعيدا تماما عن العملية السلمية و نهج التفاوض مع السلطة في حين لاقى ترحيب أوروبي أمريكي مما أكد تجاهل السلطة وشكلية العملية السلمية.
واعتمدت خطة الإنسحاب على الغموض التام فيما يخص الوضع النهائي مع وضوح متطلبات الأمن الصهيوني تماما مثل رفض تحميل طرف ثالث المسؤولية مع السيطرة الكاملة على محيط غزة جويا وبحريا و ممر فلادلفيا مع مصر وهو ما استجابت له القاهرة فورا بارسال قوات امنية على الحدود مع غزة رغم عدم الإتفاق على تعديلات لاتفاقية كامب ديفيد للسلام بين الكيان الصهيوني و مصر وهو ما يشير بوضوح لشراكة مصر الفاعلة مع الكيان.
الدوافع الصهيونية آنذاك :
- محاولة التخلص من عبء أزمة الشرعية الصهيونية عالميا بالحصول على إعتراف دولي بزوال الإحتلال عن غزة .
- إلقاء تبعية المسئولية القانونية عن قطاع غزة كقطاع محتل تحت زعم انه تم استقلاله دون إلتزام بمخاطبة "دولة الفلسطينية".
وهذا ما أكده نص خطة الإنسحاب الصهيونية المقدمة من شارون 2004 في المادة (1-5) على "أن عملية الانسحاب ستساعد على إنكار المزاعم بأن إسرائيل مسؤولة عن الفلسطينيين في قطاع غزة" و المادة (2-3) "كنتيجة لخطة الانسحاب, لن يبقى ثمة أسس للمزاعم المشيرة إلى أن قطاع غزة أرض محتلة " .
ايجابيات وسلبيات
تتبدى السلبيات و الإيجابيات في خطة ليبرمان 2010 في ضوء الفكر السياسي الاستراتيجي الصهيوني وممارسة 2005 في التالي
الايجابيات :
1- الأحادية : حيث أن الخطة كسابقاتها ليست جزءا من عملية سياسية تؤدي إلى إيجاد حلول استراتيجية للصراع الصهيوني – الفلسطيني ، مما يعني التملص من استحقاقت عملية السلام والاذعان لبنودها .
2- شرعنة القوة والحرب : حيث أن خطة الانفصال ستؤدي إلى اعتبار غزة كيانا مستقلا مما يعني أن أي عمل مقاوم سينطلق من غزة مستقبلا سيكتسي طابع الاعتداء من دولة على اخرى ، وهذا سيكفل للكيان حق شن الحرب واستخدام القوة ضد أي اعتداء يطالها من " كيان غزة " ، وسيحظى بقبول دولي ببديهة الحال .
3- انتصار الدبلوماسية الصهيونية وتقويض جدر العداء الدولي المتنامي حيال الكيان : مما لاشك فيه أن خطة الفصل الثانية ستؤدي إلى تقليل حدة التحديات الدبلوماسية التي يجابهها الكيان من خلال التحلل من عبء الصورة الاعلامية السلبية المتكونة بفعل الإرهاب الصهيوني سابقا ، حيث ستمثل خطة الفصل الثانية في حال تطبيقها أعلى مراحل الديغولية الصهيونية ، مما سيؤدي إلى تكرس الصورة الايجابية حيال الكيان في الادراك العالمي.
4- قتل الشرعية الدولية : حيث ستؤدي خطة الفصل الثانية إلى تكرس مقولة " التخلص من عبء أزمة الشرعية الصهيونية عالميا بالحصول على إعتراف دولي بزوال الاحتلال عن غزة ".
5- إلقاء الأحمال وجلاء الاستحقاقات : وهي نقطة تعتبر نتاج طبيعي للنقطة الرابعة ، فلكل احتلال استحقاقت وتداعيات ومسؤوليات كبيرة على الصعيد الانساني والاقتصادي ، وخطة الفصل وما سينتج عنها من اعتراف بانتهاء الاحتلال سيعني انتهاء تلك الاستحقاقات والاحمال .
6- تحسين مستوى الخيارات السياسية الصهيونية : حيث أن التحرر من الاستحقاقات التي يفرضها الوضع الحالي يعني التحرر من بعض القيود على مستوى اتخاذ القرارت السياسية فيما يخص قطاع غزة – بناء على النقاط الخمس السابقة – وأيضا بما يخص الأطراف الأخرى والتفرغ لها في غمرة بحث غزة عن الذات .
7- إعادة انتاج الاحتلال على غزة بلاصق أوروبي : حيث ستبقى اجراءات الرقابة والحصار على قطاع غزة من خلال تفتيش السفن في ميناء ليماسول القبرصي بدلا من أسدود ، وستقوم لجنة رقابية اوروبية بالعمل في معبر رفح ، مما يعني أن التغيرات بما يخص الحصار على غزة ستبقى شكلية دون ان تمس الجوهر .
السلبيات :
1- استحالة التملص بشكل مطلق من الاستحقاقات الجيوبولوتيكية " الجغرافيا السياسية " ، كون الحدود المشتركة للدول لها تداعيات ومفاعيل على النظم السياسية لتلك الدول ببديهة الحال.
2- السيطرة على المحيط – محيط غزة – يعني المسؤولية وهذا يمس جوهر واهداف خطة الفصل الثانية كما أن التخلي عن رقابة المحيط معناه خلق عدو مكافىء في ظل المعادلات الاقليمية ، حيث ان ترك الحبل على غاربه في غزة وعدم وجود نظام رقابي صهيوني خبير كالسابق سيؤدي إلى ادخال واقع عسكري جديد إلى غزة يمس بمعادلات القوة في المنطقة .
3- توفير البيئة لحدوث تحولات دراماتيكية على الصعيد السياسي – خاصة على صعيد الاحلاف والتكتلات - في المنطقة الشرق أوسطية مستقبلا ، حيث أن الانفصال ينطوي على الاستقلالية في العقيدة السياسية للنظام السياسية وبالتالي حرية التوجهات والتطلعات في منطقة من أبرز خصائصها التغيرات الدائمة في موازين القوى .
حماس .. من شارون إلى ليبرمان
"نتساريم كتل أبيب" هكذا كان يصرح شارون و أحد مؤسسي الكيان ما قبل 2005 ليأتي المشروع المقاوم و ينخر في اساسات هذا التابو لينهار واضعا أهم ملامح المشروع الفلسطيني المقاوم و هي هدم القناعات الصهيونية في عالم حقيقي قائم و معاش. و هكذا عبرت حركة حماس عن هذه النقلة التاريخية للصراع في 2005 على لسان أبو زهري المتحدث الرسمي باسم حركة حماس قائلة "هذا الاندحار هو إنجاز للشعب الفلسطيني بكافة قواه، وهي المرة الأولى التي يخرج الاحتلال فيها من الأراضي الفلسطينية، وهي المرة الأولى التي يهدم فيها الاحتلال مغتصباته بيديه، وذلك ناجم عن التضحيات الكبيرة التي قدمها شعبنا الفلسطيني، الذي واجه الاحتلال طوال السنوات الماضية".
2005 .. كسر التابو الصهيوني
لا يخفى على مهتم بالشأن الفلسطيني كم المكاسب التي تحققت في 2005 أهمها:
- على المستوى الإستراتيجي و الرؤى البعيدة ترسخت قدم المشروع المقاوم باعتباره المعبر الوحيد و الحقيقي عن أمال الشعب الفلسطيني كوسيلة فعالة و قادرة على إجبار الصهاينة بالتقهقر أمام مشروع التحرير و التخلي عن ثوابت اساسية في مرتكزاتهم العقائدية فيما يخص الاحتلال وهو ما يثبت قدم الرؤية الإستراتيجية لمشروع التحرير الممرحل كما أنها أدت لإنهيار مجموعة من القناعات الصهيونية الأمنية و السياسية و إعادة الصياغة العقدية من جديد لدى الكيان.
- على المستوى العقائدي ووعي إدارة الصراع فلسطينيا تكشفت أبعاد الخسارة التي يمنى بها المشروع التفاوضي العبثي حين تجاهلهم الكيان الصهيوني تماما و أصر على أن يتم الإنسحاب احاديا وليس طبقا للمفاوضات و هو ما عرى اصحاب المشروع التفاوضي و مثل إثباتا دامغا على عبثية هذا الخيار و تحقيقا لرؤية الجانب الصهيوني التحقيرية الدائمة لأصحاب هذا المشروع بالنظر إليهم على أنهم مجرد منفذين لاتفاقيات أمنية وليس شريكا حقيقيا في عملية السلام المزمعة
- على المستوى العسكري تم بالفعل تحرير جزئي حقيقي بتفكيك المستوطنات و الاندحار العسكري عن أرض غزة دون التخلي عن سلاح المقاومة وبقائه كما هو و إلقاء مسؤولية نزعه على السلطة الفلسطينية.
- على المستوى السياسي أكسب الانسحاب شعبية جارفة لتيار المقاومة وهو ما سمح لها بتمديد تأثيرها على القضية إلى بعد استراتيجي آخر وهو الجانب السياسي لضمان عدم التفريط بالمنجزات الحقيقية للمشروع المقاوم العسكرية و عدم السماح باجهاضها على يد عملاء الإحتلال وبالفعل قامت حماس بالمشاركة السياسية في الإنتخابات التشريعية لأول مرة في 2006 لتحقق نصرا سياسيا آخر يعتبر من نتائج انسحاب 2005 المباشرة.
- على المستوى الدبلوماسي نجح المشروع المقاوم في اجهاض أهم ما سعى اليه الصهاينة وهو الإعتراف دوليا بانهاء الإحتلال حيث لم يتم الإعتراف الدولي للكيان بذلك كما ان الكيان حتى الآن لم يستطع التهرب من مسؤوليتة القانونية كاحتلال طبقا لإتفاقيات جنيف الدولية وهو ما ادى إلى عجز الكيان الصهيوني في تعزيز شرعيته الدولية.
حماس و خيارات سياسية
بداية يجب ان تعلم حماس أنها في هذا الأمر وحدها وفي كل الأحوال يجب أن توظف الأطراف القريبة و البعيدة و العربية من أجل تفعيل جهد ديبلوماسي مكثف للتأكيد على وحدة اراضي الدولة الفلسطينية طبقا لقرارات الشرعية الدولية , وإلى جانب الجهد الديبلوماسي يتبقى أمام حماس خياران للتعامل مع طرح ليبرمان.
الخيار الاول : قبول جزئي
الموافقة على نقل المسؤولية إلى طرف ثالث و رفض الإعتراف بانتهاء حالة الإحتلال.
ليبرمان يعتمد على تغيير الوجوه عن طريق إدخال طرف ثالث متماهي مع المصالح الصهيونية في مقابل ذلك يمكن لحماس تحييد الطرف الثالث و استبداله بطرف متوافق مع المصلحة الفلسطينية مثل تركيا مع عدم القبول بمبدأ فصل غزة عن فلسطين و لا بنزع الشرعية عن المقاومة الفلسطينية. بمعنى نقل الطرح من الحديث عن الإستقلال إلى فك الحصار مع القبول باشراف دولي على ما يدخل و يخرج من غزة وبقاء الوضع الدولي الشرعي في احتلال الكيان على ما هو عليه.
الخيار الثاني : رفض قاطع
الرفض على طول الخط مع تقديم مسوغات إعلامية
هنا تعتمد المقاومة منهج الصبر و تراهن على الآليات الشعبية في متابعة مسارها من خلال القوافل و الحصار القضائي و أشكال المقاومة المدنية من الخارج أملا في كسر الحصار المفروض تحت هذا الضغط الشعبي. لتفعيل هذا الخيار لابد للحركة من التحرك إعلاميا بشكل موجه للجمهور الغربي تحديدا مع استثمار ما تم انجازه حتى لآن إعلاميا من قوافل الإغاثة لتصوير طرح ليبرمان على أنه تهربا من فك الحصار و ربطه بالنهج الوحشي في محاصرة أهل غزة و هو الذي صار معلوما لدى الرأي العالمي.
* الديغولية : مصطلح نسبة إلى شارل ديغول زعيم فرنسا في منتصف القرن العشرين وهو الذي انسحب من الجزائر وصور انسحابه على انه ذاتي في ضوء المبادىء الثلاثة الخالدة " الحرية والاخاة والمساواة "
رابط الدراسة للتحميل
http://www.palsharing.com/2yenc06yvodo.html