[size=36]محمود مغربى: أمارس دورى الثقافى على المقهى وفى الشوارع / كتب/ فارس خضر[/size]
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
هذا شاعر حتى لو لم يكتب بيتا شعريا واحدا، محمود مغربى قصيدة تمشى على قدمين، لا تنتظر شيئا من أحد، فقط يغنى أغنيته للناس والشوارع والطيور، ويتركها عالقة فوق الرؤوس، كرُقية الأم لطفلها المعلول، كوردة طائرة تصر أن تترك عطرها فوق جثة الحياة الدامية.. للشاعر الجنوبى محمود مغربى دواوين: «أغنية الولد الفوضوى» و«العتمة تنسحب رويداً» و"تأملات طائر»، و"ناصية الأنثى» و"صدفة بغمازتين».. ومعه كان هذا الحوار
• هناك دور ثقافى فاعل يكاد يتوازى مع حضورك الشعرى، فهل ترى ضرورة أن يكون الشاعر مثقفا عضويا يمارس دورا تنويريا فى محيطه على الأقل، أم كما يرى البعض أن يعكف على تجربته ويقاتل القبح بقصيدته فحسب؟
- لدى إيمان راسخ بأن الشعر والإبداع والفنون فى جوهرها عطاء إنسانى، إذن كيف لى وأنا القارئ والمعايش لكثير من هذه التفاصيل أن أعيش بروح البخل فى محيطى، إذن لابد من التعاون والمشاركة فى الدور الثقافى الذى أرى أننى أقوم به بشكل غير تقليدى منذ سنوات بعيدة، إذ أدعو دائما للمعرفة والجمال والفنون، ولا تندهش إن قلت لك إننى أفعل ذلك حتى فى أثناء جلوسى فى المقهى وفى سيارة الأجرة وفى القطار وفى عملى بهيئة الطرق والكبارى بقنا ولقاءاتى فى مراكز الشباب والرياضة المختلفة والجامعات والمعاهد، وأحيانا فى المدارس الابتدائية، وفى الحقول عندما كنت أحرث الأرض وأعتلى النخيل، وبسبب ذلك صار لى خلال العقود الماضية مئات الأصدقاء والصديقات من أصحاب الأقلام المبدعة والفنانين التشكيليين، وكذلك من عشاق القراءة؛ كل هؤلاء كانت بداياتهم برفقتى، وكانت المحبة هى الجوهر والعنوان لأن بـ (الحب قصيرة هى مسافات السفر)، وأيضا بـ (الإخلاص.. حتما تصل إلى ما تريد، وأضع تحت كلمة (إخلاص) نخلة من نخيل الصعيد.. باختصار (أنا محب لكل شىء حولى، حتى للجماد، للطبيعة، لكل مفردات الله سبحانه وتعالى هنا وهناك)، لذا أرى فى كل ما أقدمه (المحبة فى جوهرها).
وإن كان يرى البعض أن يعكف على تجربته ويقاتل القبح بقصيدته فحسب، كما تقول، أقول لهؤلاء لكم هذا ولى (مساحات المحبة فى برارى الله وقلوب الناس الناس)..
• تحتل المرأة /الوطن حيزا هو الأعظم فى تجربتك، كيف تتنوع قصائدك وهى تكابد تجارب العشق بدرجاته دون أن تسقط فى فخ التكرار أو الاجترار؟
- المرأة محور مهم ليس فى حياة الشاعر وحسب بل فى كل حياتنا، هى ضرورية للكون، فكما أقول (الحياة بلا امرأة صحراء)، أنا أحد الذين خبروا الصحراء وعاش فيها مفردا لشهور كثيرة، وعشت مع مفردات عظيمة خلقها المولى سبحانه وتعالى مثل البحر والجبال والرمال، والصحراء كنز حقيقى للتأمل ولفضاءات أخرى عديدة، كل هذا أعطى للمرأة بعدا آخر مهما للحياة، لذا أرى المرأة المفردة الكبرى فى قاموس الحياة، بدونها يختل توازن الطبيعة. المرأة ببساطة هى حديقة الحياة بحلوها ومرها، فكيف لا نحتفى بها بشكل حقيقى وندرك قيمتها؟!
ويمكننى القول بشكل عام إن قصائدى محاولة مخلصة للبحث والتأمل، ومحاولة مخلصة من أجل الخير والعدل والحق، ومحاولة من أجل أن أعيش فى كنف المعرفة وشقائها المحبب، تجربتى أتركها لغيرى يقيمها، ولكن بصدق أشعر بسعادة غامرة وأنا أجد الحفاوة الحقيقية فى بلدى مصر وخارجها أثناء مشاركتى فى المؤتمرات، وهذا لن أجده سوى فى الكتابة؛ فهى الفعل الخلاق القادر على الدهشة ووضعنا فى مرتبة تستحق الاهتمام والحفاوة.
• أنت مخلص للتجربة التفعيلية، تعلو بغنائية بعض الوقت، وتهمس إلى حد الاقتراب من قصيدة النثر فى أحايين كثيرة، فمتى تعبر هذا الجسر لتكتب قصيدة النثر؟
- فعلا مخلص، ولكن للقصيدة بشكل عام فى تجلياتها ومدارسها، قارىء لكل الشعر هنا وهناك، وفى حالة الكتابة تخرج الكتابة فى أى شكل كان؛ نعم قصيدة التفعيلة فى دواوينى كلها متواجدة وأيضا فى مجموعاتى الأخيرة (العتمة تنسحب رويدا، تأملات طائر، وصدفة بغمازتين) نجد قصيدة النثر وقصيدة التفعيلة فى تجاور وتلاق مع بعضها البعض، وأصدقك القول: أنا لا أركن كثيرا إلى التصنيف، ليخرج النص الشعرى من داخلى بأى صورة كان، المهم عندى ليس الشكل بقدر ما يهمنى أن يلامس القلب والروح والعقل فى تماه حميم، بل لا يكتفى بالملامسة بل الدخول إلى شغاف الروح، ساعتها فعلا أشعر بالفرح، فما أجل أن يطير الشعر منك، من داخلك، إلى فضاءات شتى وقلوب عارفة ومسكونة بالحنين، تظل القصيدة عصية على أن تعطى نفسها كاملة مهما بذلنا من إخلاص وجهد، تظل أنثى تخبئ الكثير من جمالياتها.
• ألا ترى أن التجربة التفعيلية قد استنفدت أغراضها، وصار أغلب من يكتبونها يدورون فى حلقة مفرغة؟
- أترك إجابة هذا السؤال للنقاد فهم أكثر قدرة على الإجابة، لأننى رغم خبرتى أطرد الناقد من داخلى لأننى أعتبره (مخبر سرى) يكبح جماح الفنان أو المبدع، وأرى المبدع هو ذلك الجواد الجامح فى فضاءات الله هنا وهناك يفتش عن نشيد دهشته الخصوصية التى ينثرها فى حقول الفن والإبداع.
• تتعدد أسفارك العربية ومشاركاتك الشعرية بدرجة لا نلمح معها تأثيرا سلبيا لإقامتك فى محافظة قنا بعيدا عن مراكز الضوء القاهرية.. ما رأيك؟
- يظل الصعيد هو عشقى وأنا مفردة من مفرداته؛ نبت فى أرضه السمراء وعشت وأعيش فيها؛ تحديدا (محافظة قنا), وكثيرون يعلمون ما لقنا من خصوصية جغرافية وتاريخية وسكانية عن غيرها فى كل مصر، لذا لم يكن غريبا أن تخرج بيئة الصعيد أعلاما مضيئة فى حياتنا الأدبية والفكرية والثقافية والأسماء عديدة ملء السمع والبصر قديما وحديثا.ورغم كل المغريات هنا وهناك تظل قنا بيتى الأثير، فما أروع أن تتجول فى شوارع تعرفك وتحنو عليك قبل أن تعرفها، فهنا أشتبك فى عناق حميم مع وجوه الناس، خصوصا البسطاء، تتفاعل مع كل شىء حولك, فى المقهى أرصد كل شىء وأتأمل كل شىء حولى.
هنا كل شىء يربت عليّ بمحبة وحنو رغم القسوة التى يعرفها العالم عن الصعيد..نعم هناك مدن تسحرنى ولكن لا مدينة تحتوينى سوى قنا.
كتب/ فارس خضر