إيران: المسيحية بين أبناء رجال الدين
خيبة أمل من نظام يتترس خلف شعارات إسلامية أدى إلى لجوء الكثيرين إلى إظهار التحول من الإسلام كأسلوب للرد على إخفاقات النظام.
خلاصة من بحث علي الزين 'الإرساليات التبشيرية في إيران والموقف منها'، ضمن الكتاب 95 (يناير 2014) التبشير في المشرق وأفريقيا' الصادر عن مركز المسبار للدراسات والبحوث- دبي.
ميدل ايست أونلاين
الحكم الديني يغذي الصدود عن الإسلام
على الرغم من تجاهل الإعلام الرسمي الإيراني تحول أبناء رجال الدين إلى المسيحية، إلا أن هناك مواقع تابعة للمسؤولين الكبار اعترفت بالموضوع وعالجته من منظور تشخيصي عندما ألقت باللائمة على مؤسسات ثقافية ودينية انشغلت بالسياسية طمعا بالوصول إلى المناصب، بدل الانشغال بوظائفها الأساسية.
يقول موقع خبر أونلاين المقرب من رئيس البرلمان علي لاريجاني في تقرير عن توسع التبشير وامتداده بين أبناء رجال الدين: لم يعد اليوم أن يكون لمعارضة النظام أبعاد سياسية بحتة والقضايا الفكرية وتوسع الشبهات وتجذر التيارات المنحرفة أضرت بالأسس الدينية والفكرية للمجتمع وأحدثت فراغا دينيا، وبتعبير آخر مهدت للانفلات من الدين بين صفوف الشباب. ويشير التقرير إلى تحول أبناء رجال الدين إلى المسيحية ويقول: في تلك الظروف، ينبغي أن لا نتفاجأ عند ما نسمع بأن نجل رجل الدين الفلان يبدو أنه تحول الى المسيحية أو أن الشاب الفلاني الذي سافر إلى الغرب من أجل الدراسة، تحول إلى البهائية.
ونقل المخرج الإيراني المعارض – من الحركة الخضراء- محمد نوري زاد عن حفيد الإمام الخميني، السيد حسن، قوله، إن نجل أحد مساعدي الشيخ محمد تقي مصباح يزدي الأب الروحي للمحافظين المتشددين تحول الى المسيحية، واحتمل السيد حسن الخميني أن يكون السبب في تحوله أن الابن كان من الحركة الخضراء المعارضة، ووالده عجز عن الإجابة عن أسئلته السياسية، مما دفعه إلى اللجاج بعد عجز والده عن الحجاج.
وأنذر آية الله حسيني بوشهري رئيس الحوزة العلمية وإمام جمعة قم بتوسع الانتماء إلى المسيحية وتزايد عدد الكنائس المنزلية في الكثير من المدن الإيرانية قائلاً: إن الاستكبار العالمي لديه مخطط مدروس في هذا المجال حيث تكوّن انتماء واسع إلى المسيحية في بلادنا. وأضاف حسيني بوشهري: إن النخب الحوزوية مستهدفون من قبل الأجهزة المخابراتية الغربية التي وضعت أفخاخا لهم.
وأفاد موقع "محبت نيوز" باعتناق عدد من الدبلوماسيين الإيرانيين المبتعثين إلى الخارج مع أسرهم أو أحد أعضاء الأسرة، رغم الرقابة الشديدة التي يعيشون تحت ظلالها واكتفى الموقع بهذه الإشارة السريعة بدوافع أمنية وحفاظا على سلامتهم.
وادعى الموقع نفسه أن هناك متحولين إلى المسيحية من بين الأجهزة العسكرية كالجيش والحرس الثوري وأبناء المسؤولين الكبار وكثير منهم في طور البحث والدراسة والتعرف على المسيحية.
ملاحظات أساسية أولاً: إن هناك إعادة نظر في موضوع حكم المرتد، من قبل فقهاء عصريين في إيران، جعلت التحول الديني أمراً يتصل بالقناعات الذاتية التي يجب أن تتم عبر البحث والدراسة. أما حكم الإعدام الذي يوجد في الفقه التقليدي فتم تبريره بأنه يتوجه إلى المرتد الذي يربك أمن المجتمع. أما من يتحول من الإسلام إلى دين آخر ولا يثير الفتنة ولا يربك المجتمع فليس عليه شيء.
ثانياً: لا يمكن تجاهل تلك الحقيقة التي تستند إلى مفردات كثيرة، وهي أن دافع اللجوء إلى البلدان الغربية سبب في إظهار الكثير من اللاجئين، التحول إلى المسيحية، بغية الحصول على اللجوء تحت عنوان المتعرضين للاضطهاد الديني.
ثالثاً: لا يمكن تجاهل أن التحول إلى المسيحية تزايد بعد الاحتجاجات التي شهدتها إيران بعد الانتخابات الرئاسية عام 2009 التي قمعها النظام ومن جملة تداعيات هذا القمع، كان تشكيك الكثيرين من الشباب في صدق التعاليم الدينية التي يدعي النظام بالتعويل عليها والترويج لها، وكما سبق في هذه الدراسة من تصريحات المسؤوليين الحكوميين، يمكن القول إن هناك دوافع سياسية للتحول الديني بين الشباب الإيرانيين.
اضطهاد المتحولين يقر قانون العقوبات الإسلامية بعقوبة الإعدام لمن ارتد عن الإسلام ارتداداً فطرياً وهو من يكون أحد أبويه مسلماً أو كلاهما مسلمين عند ولادته وبعد البلوغ أظهر إسلامه، ثم غير دينه.
وقبل عقدين من الزمن تم تطبيق حكم الإعدام على حسين سودمند الذي تحول إلى المسيحية وأصبح قساً في كنيسة مشهد، إضافة إلى اغتيالات طالت العديد من المتحولين إلى المسيحية، بيد مجهولين.
وخلال الأعوام الماضية تحول ملف القس يوسف ندرخانی المبشر للمسيحية الإنجيلية إلى نموذج للاضطهاد الديني في إيران. اعتقل ندر خاني لدى عودته إلى الوطن في العام 2009 وألقي في السجن باتهام الإخلال بأمن المجتمع. حكم القضاء بعقوبة الإعدام عليه، ولكن المحكمة العليا، اشترطت عدم تنفيذ الحكم بتوبته وعودته إلى الإسلام ولكنه رفض وبقي في السجن حتى اشتدت الضغوط الدولية على إيران، ومنها الموقف الرسمي الأمريكي بالإفراج عنه، ووصل الأمر الى أن طالب المرشد الأعلى بإعادة البت في ملفه، ثم أعيد البت في 8 أيلول(سبتمبر) 2012 وحكم القضاء بالإفراج عنه من دون اشتراط التوبة والعودة.
مما يعني أن القضاء الإيراني محير جداً بين الدستور والشريعة والضغوط الدولية، لأن الدستور يمنع القضاء من تفتيش المعتقدات ويعطي الحرية للمعتقد ويبرئ المواطن من الملاحقة بسبب امتلاكه القناعة بأي شيء، أما الفقه الإسلامي فيقر بعقوبة الإعدام للمرتد، بينما الضغوط الدولية لا تسمح بتنفيذ حكم الإعدام في حق المرتدين.
قال كوروش لاهوتي المتحدث باسم كنيسة "إيرانيان" التي يقودها القس ندرخاني، إن الحكم الصادر بحق الأخير يفتقد لأي ذكر للتوبة عن المسيحية كشرط لإطلاق سراحه، فهو الآن يعتبر مواطناً مسيحياً حراً في إيران، مضيفاً أن هناك سجناء آخرين من أمثال القس بهنام إيراني، علي رضا سيديان، وفرشيد فتحي بسبب اعتناقهم المسيحية آملاً أن يكون إطلاق سراح ندرخاني يهيئ الأرضية لإطلاق سراحهم.
وأضاف لاهوتي: سبق وأن اعتقل أشخاص من أمثال مهدي ديباج بهكذا تهم، وبعد الإفراج عنهم تم خطفهم وقتلهم من قبل أشخاص اعتبرتهم السلطات الإيرانية الغيورين على الإسلام.
وأعرب لاهوتي عن أمله بأن لا يتكرر التاريخ، في إِشارة إلى اغتيال ديباج بعد الإفراج عنه، حيث إن المدافعين عن حقوق المتحولين يفضلون بقاءهم في السجن، أحياء على اغتيالهم بعد الإفراج عنهم.
وفي آخر تقرير له، أعرب المقرر الأممي الخاص لحقوق الإنسان في إيران أحمد شهيد، عن قلقه بالنسبة لوضع المسيحيين في إيران، وركّز في تقريره على حديثي العهد من المسيحيين، وليس على ذوي الأصول المسيحية.
وأفاد أحمد شهيد باعتقال 300 مسيحي منذ عام 2010، وقال: إن النظام يضغط على سلطات الكنائس للكشف عن أسماء أعضائها. ورحّب شهيد بإفراج النظام عن القس يوسف ندرخاني بعد أشهر من اعتقاله بتهمة القيام بتأسيس كنيسة سرية في منزل.
ويؤكد أحمد شهيد أن تصرف النظام مع المسيحيين يتعارض مع مواد 13 و14 و26 من الدستور التي تؤكد على حماية حقوق المسيحيين وبقية الأديان.
حركة التبشير في إيران شهدت جزراً ومداً في مختلف العصور، ورغم تضاؤلها بعد دخول الإسلام إلى إيران، عادت في فترة الغزو المغولي مجدداً ثم في العهد الصفوي تطورت وتوسعت خاصة بين المسيحيين الأرمن في إيران لتحويلهم إلى الكاثوليك أو البروتستانت.
وبعد انهيار الدولة الصفوية وبفعل الفوضى السائدة على البلاد، انخفضت حركتها، لتعود مرة أخرى في العهد القاجاري وبفضل الاستقرار النسبي للبلاد.
كانت حركة التبشير في مجملها حركة فاشلة حيث لم تتمكن من تحقيق إنجازات كبيرة لا في تحويل المسيحيين الأرمن إلى الكاثوليك أو البروتستانت، ولا في تحويل المسلمين أو البهائيين.
أما في الفترة الأخيرة فهناك تحول إلى المسيحية بين الشباب وأحياناً بين المنتسبين إلى المؤسسة الدينية الإسلامية الشيعية. ويبدو أن للتحول إلى المسيحية أسباباً سياسية حيث إن النظام الإيراني يعاني من أزمات في مختلف الصعد، وفشله في اجتذاب الشباب تحت رايته وقناعاته، وخيبة أمل الشباب من النظام الذي يتترس خلف شعارات إسلامية أدى إلى أن الكثيرين يلجؤون إلى إظهار التحول من الإسلام إلى المسيحية كأسلوب للرد على إخفاقات النظام.
بينما كانت الوفود التبشيرية في القرون السالفة تشكل تحدياً للمجتمع الإيراني المسلم، وكانت الحكومات تمنع الإرساليات التبشيرية من تعميم عملها على المسلمين، ففي السنوات الأخيرة هناك مسلمون متحولون إلى المسيحية أخذوا على عاتقهم مهمة التبشير وإقامة كنائس منزلية، مما دفع النظام الإيراني الإسلامي إلى اعتقالات في صفوف الآباء المتحولين، الذين يحملون هويات إيرانية.