الأزمة والخلاص 5 بقلم أحمد بارود
تاريخ النشر : 2010-01-23القراءة : 75
النكبة التي حلت بالشعب الفلسطيني تقدم , اليوم, نموذجا آخر للخلاص تتوزع فيه البطولة على كل الأفراد.. تحت عنوانٍ جديدٍ يختلف عن كل العناوين القديمة, الدينية أو السحرية أو الأخلاقية, التي اكتسبت اولئك الأبطال والمخَلّصون القدماء مشروعية تفردهم وتميزهم.
وهذا العنوان الجديد, العضوي, هو .. الحفاظ على الحياة..
ودائما , عندما يصبح الهم الغالب والمباشر هو الحفاظ على الحياة, تسقط قيم الترفع والتمدن , بكل مضامينها ومعانيها" الحضارية" وتصبح, الحياة العضوية, لا الدينية ولا الاخلاقية, هي , القاعدة التي تحكم علاقات البشر.
يمكن للبعض ان يحتج ويصرخ بأننا نساوي, هنا, ما بين الانسان والحيوان!! وأنا استبق أي احتجاجٍ بالرد التالي.........
ان آدم, عليه السلام, لم يهتم, في الجنة, بالحفاظ على نعمة حياته العضوية منشغلا عنها بحاجته , العقلية, لامتلاك ناصية العلم والمعرفة أو الخلود.. لكنه اضطر , بعد أن اخرج منها, ان يحافظ على تلك الحياة باعتبارها آخر ما بقي له بعد الخروج.. فاقدا بذلك تميزه ومنخرطا, رغما عنه, في تجربة حياة جديدة خالية من العلم والمعرفة ومتصلة بالعذاب والشقاء والكدح تحكمه , فقط, دوافعه العضوية بالدرجة الأولى.
اما الفلسطيني الذي طرد من وطنه فوجد نفسه, فجأة, خارج معادلة وجوده الجغرافي والتاريخي وفاقدا , كآدم, تميزه الحضاري بلا أرض ولا مُلكٍ ولا عملٍ , إلا حياته العضوية,.. حتى انه لم يجد , كما وجد آدم أو الانسان الاول, جغرافيا بريئة من غير حدودٍ سياسية ولا حواجز عسكرية يؤسس له فيها وطنا جديدا!!! هذا هو الفلسطيني البطل في عالمٍ لا يحترم البطولة .
هي رحلة إذن فقدت فيها الحياة الفلسطينية معظم ملامحها المعاصرة ووقفت, عارية, تبحث عن خلاصها تحت الشمس... وهو , اليوم, ليس خلاصا اخرويا بآلياتٍ دينية ولا هو خلاص اقتصادي بآلياتٍ تكنولوجية .. ولا هو خلاص سياسي اجتماعي بآلياتٍ انقلابية او ثورية !! لكنه خلاص عضوي يختصره ويلخصه بوضوحٍ حاجة واحدة وهي .. الحفاظ على الحياة......... لم تعد شعائر الدين ولا خبرات الاقتصاد ولا نظريات وايديولوجيات التغير والثورة .. لم تعد كلها قادرة على ان تحُول دون إعادة الفلسطيني , قهرا, الى البدايات البشرية.
ونحن لسنا , كفلسطينيين, بحاجة لمن يذكّرنا بصوَرٍ ما زالت رطبة وعالقة بالذاكرة لتدفقنا , بالاجساد, دونما أي اعتبار لقيم دينية أو حضارية تدعو للفصل بين الجنسين, أو للانتظام في طوابيرٍ أمام بوابات الغوث.. للحصول ,فقط, على ما يقيتنا ويوفر لحياتنا اسباب بقائها .. العضوي..!.
كما أنا لسنا بحاجة , أيضا, الى من يذكّرنا بالمغامرات التي خاطر اثناءها آباؤنا في مواجهة الموت يستعيدون لانفسهم ولأهليهم بقايا مما تركوا , في قراهم ومخازن الغلال هناك, تحفظ لهم اسباب البقاء .. العضوي..!.
صورٌ كثيرةٌ لأدوار البطولة في ميدان الحفاظ على الجسد توزعَت , طوال عقودٍ, على كل الفلسطينيين.. ولا يمكن لشخصٍ واحدٍ , حتى لو ادّعى النبوة, ان يصادرها لحسابه ويستأثر بها لنفسه يعلن , من ثم, بأنه البطل الذي فعل كل ذلك!! شأن أي زعيمٍ متخلفٍ.. نيابة عن شعبه !!!