[color:c0be=لايوجد]افتتاحية طليعة لبنان الواحد لشهر أيار ٢٠١٥ الدور العربي في العراق الضرورات والمقدمات شبكة ذي قـار منذ أكثر من أربعة عقود، والعراق محور مركزي لأحداث دارت فيه ومعه.
هذه الأحداث تفاعلت في أربعة دوائر، الداخلي منها و العربي، كما الإقليمي والدولي. في الدائرة الداخلية برزت اتجاهات سياسية، ناصبت التجربة في التحول البنيوي خصومة واضحة، وفي الدائرة العربية، لم ترتح بعض مواقع النظام الرسمي للمسار العام الذي سلكته ثورة البعث، وفي الدائرة الإقليمية كان التربص الإيراني في جهوزية دائمة للانقضاض على الداخل الوطني العراقي وعبره إلى الداخل القومي العربي.
أما الدائرة الدولية التي توجهها بوصلة التحالف الصهيو-استعماري، فأبقت العراق تحت مرأى مجهرها، تراقب الصغيرة والكبيرة فيه وخاصة ولوجه ميدان العلم والتكنولوجيا.
هذه الدوائر الأربع تبلورت فيها عدائية وخصومة سياسية للعراق، افترقت في أوقات، وتلاقت في أوقات أخرى، وبلغت أعلى مراحل ائتلافها في الحلف المتعدد الأطراف الذي قادته أميركا في العدوان الأول، وما أعقبه من حصار شامل وانتهاء بالغزو الذي أوقع العراق تحت الاحتلال.
هذا الحلف الرباعي على اختلاف فعالية وقوة أطرافه، كان لكل واحد منها وظيفة منذ بدأت رحلة التحضير للعدوان .فقوى الداخل وفرت التغطية الداخلية، وقوى النظام الرسمي العربي وفرت التغطية الرسمية العربية، وقوى الإقليم وفرت معطيات المناخ الإقليمي للعبور الدولي، والقوى الدولية أسلست الأمر لأميركا باعتبارها تشغل الموقع المقرر في حلف الغرب السياسي ذي الطبيعية الاستعمارية.
لقد استطاع الحلف الذي قادته أميركا أن يحقق هدفه المركزي بإسقاط الموقع الوطني العراقي، نظاماً سياسياً ومكوناً وطنياً، ومعه بات العراق تحت وطأة انكشاف وطني، تولت الإدارة الأميركية بما هي سلطة احتلال ضبط الإيقاع السياسي بما يخدم الهدف الاستراتيجي للعدوان، والرامي أساساً إلى إزالة أهم عائق جيوسياسي أمام إعادة تركيب النظام الإقليمي وفق مقتضيات مصالح القوى الاستعمارية وكل المتربصين بالأمن القومي العربي.
ومن خلال مقاربة أدوار القوى المؤتلفة سواء من موقع الملتحق أو الشريك أو المقرر يتبين أن الجميع كانوا شركاء في ارتكاب الأثم الإجرامي بحق العراق وشعبه. وإذا كانت نسب المسؤولية تختلف باختلاف قوة الأطراف ومصالحها، إلا أنه لا يمكن إعفاء أحد من مسؤولية ما وصلت إليه أوضاع العراق، والذي يتعرض جسده اليوم للنهش من القوى الدولية والإقليمية والداخلية التي جاءت محمولة على رافعات العدوان الأميركي والإيراني، وتلك التي أفرزتها سياقات الأحداث وتمارس إرهاباً موصوفاً يحاكي إرهاب القوى التي تغذيها وتحميها مشاريع التدخل الدولي والإقليمي برأس حربتيها الأميركية والإيرانية.
بعد 24 سنة على العدوان الأول ونصف ذلك على الثاني، أين العراق اليوم والوضع السياسي والعسكري أصبح خارج حدود السيطرة والاحتواء؟
من خلال قراءة ما جرى وما يجري، يبدو أن الخلطة الوطنية العراقية، هي خلطة مركبة وسر نكهتها الخاصة، لا يدرك كنهها من دخل العراق على متن آلة الحرب، ولا من حاول التسلل تحت مظلة القاذفات الأميركية، ولا من حاول الدخول إلى التاريخ العربي والإسلامي عبر بوابات الجغرافيا العراقية، ولا من قدم التسهيلات ظناً أن حماية البعيد أضمن من سند الشقيق.
نسوق هذا الكلام لأن كل من إئتلف لضرب العراق وقع في الحسابات الخاطئة، لكن بعض من هؤلاء اعترف بخطأه والبعض الآخر ما يزال يكابر ولا يعترف. ومن مفارقات الأمور، أن الطرف الأقوى لا بل الطرف القائد للائتلاف اعترف بالخطأ، وهذا الاعتراف لم يصدر عن مسؤول أمني، أو مستشار رئاسي، بل صدر عن الرئيس الأميركي بوش وفقاً لما نشرته مجلة "هميجتون بوست".
وإذا كان الرد على الاحتلال الأميركي جاء سريعاً من العراق عبر مقاومته، فإن الرد على التبجج الإيراني جاء أسرع وهو اليوم يُردف برد من مواقع أخرى في سوريا والبحرين وبشكل خاص في اليمن.
وانطلاقاً من اليمن الذي جاء الرد فيه عبر استحضار دور عربي في وجه التمدد الفارسي، يكثر الحديث عن استحضار دور عربي في العراق ولإدراك ولو متأخر من قبل كثيرين بأن العراق لم يكن مستهدفاً لذاته وإنما من خلاله الأمن القومي العربي وبشكل خاص أمن الخليج العربي وهنا مربط الفرس.
إن الدور العربي مطلوب في التصدي لمعالجة الأزمات الوطنية العربية للحؤول دون تدويلها أو أقلمتها، لكن هذا الدور يجب أن يكون واضحاً في بواعثه واستهدافاته وآلياته. وهذا يتطلب بداية توفر شرعية داخلية تكون قادرة على استقبال أي معطى إيجابي من الخارج، وتكون قادرة على توفير الأرضية السياسية الداخلية لإطلاق عملية سياسية تضع البلاد على سكة الخلاص الوطني.
إذاً، قبل دعوة العرب للتدخل، يجب توفير الأرضية السياسية الداخلية. وأن القوة التي تستطيع توفير هذه الأرضية هي القوة المؤمنة فعلاً بوحدة التراب الوطني العراقي وبوحدة شعبه بكل مكوناته المجتمعية، وبهويته القومية التي بها يعرف وإليها ينتمي. والقوى التي تؤمن بذلك متعددة، بعضها متجذر في وطنيته ووضع الدفاع عنها على مستوى الوجود كما هي حال القوى التي انخرطت في الفعل المقاوم للاحتلال والحزب في طليعتها، وتلك التي تقاوم الاحتلال الإيراني الذي خرج من باطنه إلى ظاهره.
كما أن بعضاً من قوى أخرى تبدي حرصاً على وحدة العراق وأن من مواقع مختلفة عن القوى الوطنية وأن شابت مواقفها التباسات.
هذه القوى التي وضعت نفسها في حالة خصومة سياسية ارتقت إلى العدائية في كثير من الأوقات والحالات ضد السلطة الوطنية، وضد المقاومة بطيفها الواسع بالإمكان شدها إلى مركز الجاذبية الوطنية تحت عناوين المسألة الوطنية. وأن البرنامج السياسي بنقاطه الست الذي طرحته قوى المشروع الوطني يعطي مكاناً للجميع لكن شرط أن تغادر موقع الالتحاق طوعاً أو المفروض عليها من قبل الذين لا يريدون للعراق أن يستعيد وحدته ويعود التواصل والتفاعل بين مكوناته.
وكما كان للحزب الجرأة لنقد مواقف وممارسات في مرحلة إمساكه بالسلطة، فعلى هذه القوى أن تعترف بخطأ ما اقترفته يوم ارتضت أن تلتحق بالمشروع الأميركي ومن بعده بالمشروع الإيراني.
وإذا كان مهندس العدوان على العراق قد اعترف بخطأ ه ووصفه ذلك بالجريمة، فليس يضير أن يعترف من التحق بهذا المشروع بخطأه وهذا يمنحه مشروعية الكلام عند التكلم عن وحدة العراق.
إن هذا يشكل بداية فعلية لإطلاق حراك سياسي في الداخل العراقي انطلاقاً من معطى المشروع الوطني وانضمام قوى عراقية أخرى إليه ليؤسس على ذلك تشكيل شرعية سياسية وشعبية تكون بديلاً لإفرازات الاحتلال والتي أثبتت تطورات الأحداث أنها لا تملك الحد الأدنى من المشروعية السياسية والوطنية.
أما بالنسبة للدور العربي وهو وأن كان مطلوباً بإلحاح إلا أن باعثه الأساسي، يجب أن يكون منطلقاً من إدراك عميق لحجم الخطر المترتب على نفاذ المشروع المعادي بقفازاته الأميركية أو الإيرانية.
وهذا الدور يجب أن يحاكي أولاً القوى التي هي فعلاً ممثلة شرعية لشعب العراق وعبر توفير وسائل الدعم والإسناد والقاعدة الخلفية لحراكها وتحركها.ولكن وقبل ذلك، على قوى هذا الدور وخاصة المحورية فيه أن تعترف بخطأ ما اقترفته بحق العراق، وما هو مطلوب منها ليس إلا تصحيحاً للخطأ والتراجع عنه وبعدما ثبت أنها موضوعة على لائحة انتظار التهام الوحش النهم.
ان الدور العربي في العراق، هو حاجة وطنية عراقية، كما هو ضرورة عربية، لكن مصداقية هذا الدور هي بابتعاده عن ظرفية التكتيكات السياسية والدخول في صلب المشروع الاستراتيجي، الذي لا يرى أمناً وطنياً بمعزل عن الأمن القومي العربي.
وكما كانت لقيادة العراق الوطنية وتلك التي تقود المقاومة الجرأة والشجاعة لنقد مواقف سابقة ولدت تداعيات سلبية وهي اليوم بدعوتها لدور عربي تتعالى عن جراح لمصلحة الأهداف الوطنية والقومية العليا، فعلى قوى النظام العربي الرسمي أن تقارب موضوع أزمة العراق انطلاقاً من نقد مواقفها في إطار الائتلاف السابق الذي أدى إلى الاحتلال وهذا ليس عيباً ولهم في جورج بوش وقبله بلير عبرة.
لقد قدم الدور العربي نفسه في اليمن داعماً للشرعية التي أنتجها مؤتمر الحوار الوطني، وفي العراق يجب أن يكون متجهاً نحو استيلاد شرعية وطنية يكون لها الدور الأبرز في بلورة ركائز المشروع السياسي الذي يعيد للعراق وحدته وحريته واستقلاله، ويمكنه من مواجهة قوى التخريب السياسي والتكفير الديني التي تعبث بأمن العراق الوطني وأمن أبنائه، وهذه القوى لا تقتصر على فئة دون أخرى بل تشمل كل الذين ينفذون أجندات خارجية سواء قدمت نفسها تحت مسميات الارهاب وأخواته أو مسميات الميليشيات التي تديرها وتمولها الأجهزة الإيرانية،من العصائب الى الفيالق والى كل أشكال التحشدات الطائفية.
إنها دعوة لمصالحة وطنية شاملة في الداخل العراقي على قاعدة الوحدة والعروبة والديموقراطية والتعددية السياسية ،ودعوة إلى استحضار دور عربي على قاعدة التصدي للخطر الإيراني ومشاريع قوى التحالف الصهيو-استعماري .
ان قوى المشروع الوطني في العراق جاهزة، وما على القوى الأخرى إلا الجهوزية والانطلاق إلى نقطة وسط تحت عناوين المسألة الوطنية.
إنها دعوة لمن ارتكب خطأ وجريمة بحق العراق أن يبادر فوراً للاعتراف بخطأه والوقت يسابقه، لأن ما اعترف به بوش ولو متأخراً سيعترف به أخرون وخاصة الذي اعتبر نفسه وريثاً لأميركا، والذي ما أن أعلن أن بغداد ستعود عاصمة لإمبراطورتيه، حتى عاد ينضوي تحت سقف القرار الدولي 2216 الخاص باليمن، بالعاً لسانه وواضعاً جانباً تهديداته العنترية. هذا النظام له القدرة على التخريب لكن ليس له القدرة ولا مصلحة له بالبناء وعليه فإن المراهنة على الالتحاق به هو انزلاق نحو الهاوية وعلى كل من ينفذ أجندته أن يتعظ وأن يأتي المرء متأخراً إلى الرحاب الوطنية أفضل من أن لا يأتي أبداً لأنه بذلك يحفظ لنفسه موقعاً على طاولة التسوية الوطنية.