وفاة رئيس الوزراء الروسي الأسبق يفغيني بريماكوف
تاريخ النشر:26.06.2015 | 08:42 GMT |
آخر تحديث:26.06.2015 | 14:37 GMT | أخبار روسيا
www.cont.ws يفغيني بريماكوف
انسخ الرابط
توفي يفغيني بريماكوف رئيس الوزراء الروسي الأسبق عن عمر ناهز 86 عاما، بعد معاناة طويلة مع المرض.
محطات مصورة من حياة الراحل يفغيني بريماكوف
وأعرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن تعازيه العميقة لذوي بريماكوف.
وقال دميتري بيسكوف، الناطق الصحفي باسم الكرملين إن: "(بريماكوف) كان من رجال المسؤولية، كما كان باحثا وسياسيا ترك إرثا كبيرا".
وكان يفغيني بريماكوف من أهم المستشرقين الروس، وقد أجاد اللغة العربية بطلاقة.
بريماكوف.. شخصية فذة متعددة الجوانب وخبير كبير في شؤون الشرق الأوسط
لم يكن بريماكوف أحد الساسة المخضرمين الكبار في روسيا فحسب، بل كان باحثا بارزا في مجال الاقتصاد وعلم الاجتماع والسياسة العالمية ، وخبيرا معروفا في شؤون الشرق الأوسط .
ولد يفغيني بريماكوف في 29 أكتوبر/تشرين الأول عام 1929 في مدينة كييف. ومن ثم انتقلت عائلته إلى جمهورية جورجيا السوفيتية آنذاك، حيث عاش يفغيني مع والدته في مدينة تبليسي.
وبعد أن تخرج من المدرسة الإعدادية التحق بريماكوف بالكلية البحرية في مدينة باكو الأذربيجانية التي أمضى فيها سنتين. ثم تم إبعاده عن الدراسة في الكلية لأسباب صحية، إذ أن الأطباء اكتشفوا لديه مرض الدرن الرئوي في مرحلته البدائية. وعاد بريماكوف إلى تبليسي حيث تعافى من المرض بفضل رعاية أمه. تخرج من المدرسة الثانوية حيث كان يفضل دراسة الرياضيات والتاريخ والأدب. وفي عام 1948 التحق بالقسم العربي لمعهد الاستشراق في موسكو، وتخرج منه في عام 1953، ليلتحق بعد ذلك بالدراسات العليا في جامعة موسكو الحكومية حيث درس بقسم الاقتصاد خلال 3 سنوات. وأتاحت الدراسات العليا له فرصا كثيرة، وبالدرجة الأولى لاكتساب الكفاءة النظرية الممتازة والمقدرة على التحليل والمعالجة والتعامل مع المراجع. واختار يفغيني بريماكوف موضوعا للدراسات ودافع عن الأطروحة العلمية في موضوع يخص نشاط الشركات الأجنبية في الجزيرة العربية.
في عام 1956 اقترح سيرغي كافيرين رئيس هيئة التحرير للقسم العربي في إدارة البث الإذاعي الخارجي على يفغيني بريماكوف العمل في قسمه. وتعاون بريماكوف خلال بضع سنوات مع إدارة البث الإذاعي الخارجي حيث ترقى من مراسل إلى محرر ثم المحرر المسؤول ونائب رئيس هيئة التحرير. وشغل بعد وفاة سيرغي كافيرين منصب رئيس هيئة التحرير للقسم العربي في البث الخارجي. وكتب بريماكوف فيما بعد قائلا: "بالنسبة لي كان العمل في الإذاعة الخارجية مدرسة للإدارة . وترأست في سن 26 سنة فريقا متكونا من 70 موظفا. وكنت الأصغر سنا بينهم".
ثم انتقل بريماموف إلى معهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية حيث شغل منصب كبير الباحثين. ومنذ عام 1962 بدأ بريماكوف يعمل في صحيفة "برافدا" السوفيتية مراقبا سياسيا في قسم آسيا وإفريقيا. وابتداء من عام 1965 أصبح مندوبا خاصا للصحيفة في منطقة الشرق الأوسط . وكانت القاهرة مقرا لإقامته الدائمة. وقد زار بريماكوف في هذه الفترة شمال العراق أكثر من مرة.
بريماكوف في كردستان العراق
وكلفته اللجنة المركزية والمكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفيتي بتنفيذ مهام خاصة فيما يتعلق بإقامة علاقات مع قائد الثوار الأكراد آنذاك مصطفى البارزاني وحمله على التقارب مع بغداد.
يفغيني بريماكوف مع مصطفى البارزاني
لقد أراد الاتحاد السوفيتي إحلال السلام في العراق ، كما انه كان يتعاطف مع كفاح الأكراد. ومن جهة أخرى سعى الاتحاد السوفيتي إلى تعزيز مواقفه في القيادة العراقية الجديدة التي تولت عام 1968 زمام السلطة في البلاد ، حيث كان صدام حسين يضطلع بمسؤولية إجراء المحادثات مع الأكراد من جانب بغداد. فالتقى بريماكوف بصدام عام 1969 ثم تعرف على طارق عزيز الذي تولى حينذاك رئاسة تحرير صحيفة "الثورة" العراقية. وقبل أن يتم توقيع اتفاقية السلام بين بغداد والأكراد في عام 1970 قام يفغيني بريماكوف بجولات كثيرة إلى شمال العراق حيث زار المقر الشتوي للبارزاني في الجبال.
وكان بريماكوف أول صحفي أجنبي التقى بالبعثي اليساري ورئيس الوزراء السوري يوسف زعين الذي صعد إلى السلطة نتيجة انقلاب عسكري في دمشق. كما أنه كان أول من التقى باللواء جعفر النميري الذي ترأس الانقلاب في السودان.
ودافع يفغيني بريماكوف عام 1969 عن أطروحة الدكتوراه في موضوع "تطور مصر الاجتماعي والاقتصادي ". واقترح عليه عام 1970 أن يشغل منصب نائب مدير معهد الاقتصاد الدولي والعلاقات الدولية. وفي الوقت نفسه كان لا يزال ينفذ مهاما خارجية تكلفه بها القيادة السوفيتية. وبين تلك المهام لقاءات سرية عقدت بينه وبين ممثلي القيادة الإسرائيلية ومنهم غولدا مائير وموشي ديان وشمعون بيرس واسحاق رابين ومناحيم بيغن. وكانت تلك اللقاءات تهدف إلى مناقشة إمكانية استئناف العلاقات السوفيتية الإسرائيلية والتسوية في الشرق الأوسط. أما الزعماء الفلسطينيون مثل ياسر عرفات وأبو إياد وأبو مازن وغيرهم فتعرف بريماكوف عليهم في نهاية الستينات ومطلع السبعينات. وأقيمت بينه وبينهم علاقات صداقة متينة، حيث أجرى معهم لقاءات عديدة ونقاشات كثيرة. كما عقدت لقاءات طيبة بينه وبين الملك الأردني الحسين بن طلال.
يفغيني بريماكوف وياسر عرفات
كما أقام بريماكوف علاقات تتصف بالثقة والصراحة مع كل من رئيسي سوريا ومصر حافظ الأسد وحسني مبارك، الأمر الذي ساعده في إصدار كتب ودراسات في موضوع تاريخ الشرق المعاصر ووضعه الاقتصادي والاجتماعي.
يفغيني بريماكوف يلتقي الرئيس السوري حافظ الأسد
وفي عام 1974 تم انتخاب بريماكوف عضوا مراسلا لأكاديمية العلوم في الاتحاد السوفيتي. وفي عام 1977 شغل منصب مدير معهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم السوفيتية. أما في عام 1979 فانتخب بريماكوف عضوا فاعلا في أكاديمية العلوم السوفيتية.
وكان بريماكوف الذي شغل آنذاك أيضا منصب نائب رئيس لجنة السلام السوفيتية يبذل جهودا بهدف توضيح سياسة الاتحاد السوفيتي للعالم وإيجاد أصدقاء خارج البلاد يشاركونه في الآراء، ومن بينهم مثقفون ورجال علم وفنانون. وشارك يفغيني بريماكوف في اجتماعات مغلقة عقدت بين ممثلي معهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية بموسكو والمركز الاستراتيجي للدراسات في مدينة ستانفورد الأمريكية نوقشت خلالها أساليب حساب الميزانيات العسكرية. وأتاح هذا العمل البدء في السير على طريق تقليص الأسلحة.
M. Barashova يفغيني بريماكوف مدير معهد الاستشراق لدى اكاديمية العلوم السوفيتية
وحاز بريماكوف عام 1980 على جائزة الدولة لقاء وضع أساليب جديدة في مجال الربط بين علم السياسة والممارسة. في عام 1985 تم تعيين بريماكوف مديرا لمعهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية. وحضر بريماكوف ضمن مجموعة من الخبراء لقاءات عقدت بين غورباتشوف وريغان في كل من جنيف وريكيافيك وواشنطن وموسكو. وشهد بريماكوف بداية الحوار السوفيتي الأمريكي والمشاكل التي رافقته والتقارب التدريجي بين الجانبين.
في عام 1987 توفيت زوجته الجورجية لاورا خارادزيه التي تزوج منها وهو طالب في السنة الثالثة بالجامعة. وشكل موت زوجته ضربة قاسية بالنسبة ليفغيني بريماكوف . وتزوج يفغيني بريماكوف بعد سبع سنوات من وفاة زوجته الأولى من إرينا الطبيبة المتخصصة في الأمراض الباطنية.
وانهمك بريماكوف بعد وفاة زوجته الأولى في العمل بمعهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية وفي أكاديمية العلوم السوفيتية حيث شغل منصب الأكاديمي السكرتير بقسم الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية والعضو في رئاسة الأكاديمية. كما تم انتخابه رئيسا للجنة السوفيتية الوطنية الخاصة بالتعاون في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
RIA NOVOSTI Dmitry Donskoy يفغيني بريماكوف وبوريس يلتسين
وفي فبراير/شباط عام 1988 انتخب يفغيني بريماكوف عضوا في رئاسة مجلس السوفيت الأعلى. وكان في عامي 1989 – 1990 يشغل منصب رئيس مجلس الاتحاد في مجلس السوفيت الأعلى . وفي عامي 1990 – 1991 عمل بريماكوف في مجلس الرئاسة وفي مجلس الأمن القومي لروسيا. وفي الفترة ما بين عام 1991 و1996 كان بريماكوف يشغل منصب رئيس هيئة الاستخبارات الخارجية في روسيا الاتحادية. وفي أعوام 1996 – 1998 شغل بريماكوف منصب وزير الخارجية الروسي. أما في 11 سبتمبر/أيلول عام 1998 فتم تعيينه بمنصب رئيس الوزراء في روسيا الاتحادية.
RIA NOVOSTI Sergey Subbotin رئيس الوزراء الروسي يفغيني بريماكوف ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو
في 24 مارس/آذار عام 1999 توجه بريماكوف على رأس وفد حكومي بزيارة رسمية إلى الولايات المتحدة الأمريكية. وحين كانت طائرته تحلق فوق المحيط الأطلسي أبلغه نائب رئيس الولايات المتحدة آنذاك ألبرت غور أن الإدارة الأمريكية اتخذت قرارا بقصف يوغوسلافيا. فقرر بريماكوف تأجيل زيارته للولايات المتحدة، وأمر قبطان الطائرة بالعودة إلى موسكو فورا .
في 19 ديسمبر/ كانون الأول عام 1999 انتخب يفغيني بريماكوف نائبا في مجلس الدوما حيث ترأس الكتلة البرلمانية " الوطن – سائر روسيا". وواصل يفغيني بريماكوف القيام بمهام حكومية وبعثات سياسية هامة خارج روسيا بما في ذلك إلى منطقة الشرق الأوسط حيث كان معروفا جيدا.
يفغيني بريماكوف وصدام حسين
ويعود اليه الفضل الكبير في قضية التسوية الشرق أوسطية . كما بذل جهودا كبيرة من أجل تسوية الوضع حول العراق في بداية التسعينات، وفي الفترة التي سبقت الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003. وابتداء من ديسمبر/كانون الأول عام 2001 شغل يفغيني بريماكوف منصب رئيس غرفة التجارة والصناعة لروسيا الاتحادية.
RIA NOVOSTI Yuri Abramochkin الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس غرفة التجارة والصناعة الروسية يفغيني بريماكوف
منح بريماكوف جوائز حكومية روسية وأجنبية كثيرة. وكان يعد مؤلفا ومشرفا علميا لكثير من الكتب والدراسات، وبينها الدراسة المعنونة "دول الجزيرة العربية والاستعمار" عام 1956 ، وكتاب "مصر: عهد الرئيس جمال عبد الناصر" عام 1972 ، ودراسة " النزاعات الدولية في الستينات والسبعينات" عام 1972 ، وكتاب " الشرق الأوسط خمسة دروب إلى السلام" ، وكتاب " الشرق الأوسط - المعلوم والمخفي" عام 2006 ، والمذكرات " حقول ألغام السياسة" عام 2006 ، وغيرها من الكتب والدراسات والمذكرات.
المصدر: وكالات