الاتفاق النووي صفعة أمريكا للعرب… وتدمير العراق هدية العرب لأمريكا
د. مثنى عبدالله
July 20, 2015
وأخيرا حصل الاتفاق حول الملف النووي الإيراني، بعد رحلة مفاوضات دامت أكثر من عقد من الزمان، وبان الخاسرون والرابحون وكذلك المهمشون.
ليس من دواعي العجب أو المفاجأة أن يتم ذلك بين الشيطان والشرير، فهذه مصطلحات كاذبة تستخدم في عالم السياسة كطُعم يلقى إلى الآخرين لاغراض الابتزاز والاستنزاف واللعب بالعقول، خاصة اذا كانوا مثل ولاة أمورنا يبيضون ذهبا للولايات المتحدة، ويعانون من أمية الوعي السياسي، إلى الحد الذي لا يعرفون العدو من الصديق.
نقول لم تكن مفاجأة لأن المرشد أعلن عن الليونة البطولية، والغزل الذي بدأه روحاني بالاعلان عن الاستعداد لتوقيع اتفاق، وتقديم التهاني للاسرائيليين بعيد رأس السنة، والطلب من الحرس الثوري البقاء خارج السياسة، والاستعداد لابداء المساعدة في العراق وسوريا وأفغانستان، كلها إشارات مُكلفة طرحها الإيرانيون على طاولة المفاوضات مبكرا، فتلقفها الامريكان وكان لابد من الرد عليهم بأحسن منها، لان الاشارات المُكلفة في السياسة هي التي تحدد صدقية الطرف الاخر، ومدى استعداده للتوصل إلى اتفاق. كما أنه ليس جهلا من الإيرانيين أن يقدموا ما قدموا من إشارات مُكلفة، لانهم وصلوا إلى الذروة في تحقيق أهدافهم السياسية والعسكرية في المنطقة، وجاءت مرحلة قطف الثمار التي لا يمكن لأي ذكي أن يدعها تذهب مع الريح، فقدموا تنازلات تحت ضغط الحصار أوصلتهم إلى هذا الاتفاق. أما استعداد الجانب الأمريكي للتوصل إلى اتفاق فكانت دوافعه متعددة، أولها، استراتيجية أمريكا بالتحوّل إلى المثلث غير العربي في المنطقة، وهي إيران وإسرائيل وتركيا، وصنع اصطفافات جديدة. ثانيا ، يعتقد الامريكان بأن إيران دينامية جديدة في المنطقة، وهي قادرة على خلق وضع يُحرّك ويُخلخل المحيط الاقليمي. ثالثا، لا يريد الامريكان أن يضعوا كل جهدهم وإمكانياتهم السياسية والعسكرية في منطقة الشرق الاوسط، على حساب المناطق الأخرى في العالم. رابعا، يعتقد الامريكان أن مصالحهم مع إيران أكبر من مصالحهــــم مع الآخـــرين في المنطقة، وليست لديهم مشكلة في إيران نووية، بل المشكلة كما يقول كبير الباحثين في مركز ستراتفور جورج فريدمان «مشكلة امريكا مع إيران ليست البرنامج النووي، بل أن طهران اثبتت أنها تستطيع التفوق في المنطقة، من دون التحالف مع أمريكا وبوسعها الاشتباك معها»، وهذه هي في الحقيقة المُعضلة نفسها التي واجهت أمريكا مع الصين في سبعينيات القرن الماضي، ففضّل الرئيس نيكسون زيارة الصين بدل القيام بعمل عسكري، كما أراد البنتاغون.
الأهم من ذلك كله هو أن الولايات المتحدة تعلم جيدا أن كل حروب إيران كانت في الاراضي العربية، ولم تسقط قطرة دم من إيراني على أرض فلسطين، وبالتالي ليس هنالك خلاف جوهري معها في الموضوع الاسرائيلي، وهذه نقطة بالغة الحساسية بالنسبة للسياسة الامريكية، لذلك رغم المراوغة الواسعة في المفاوضات، وإخفاء الكثير من المعلومات والمواقع السرية التي تم اكتشافها لاحقا، لم تنهمر الصواريخ الامريكية والبريطانية على طهران ومدنها الاخرى، كما كان يحصل مع العراق، الذي بلغ بهم الامر أن يقصفوا بغداد بمئات الصواريخ، لمجرد أن خبيرا تأخرت موافقة دخوله موقعا عسكريا ما.
السؤال المهم الان هو، هل من المعقول أن تقاوم إيران لمدة ثلاثة عقود، ويعاني شعبها من الجوع بسبب الحصار الاقتصادي والعقوبات الدولية، وتحدث اضطرابات داخلية تهدد النظام السياسي، ويتحطم اقتصادها ويتأخر، كل هذا في سبيل مشروع نووي سلمي قادرة على شرائه من حليفتيها روسيا أو الصين، بتكلفة مالية أقل؟ لا نعتقد أن هذا قرار سياسي منطقي إطلاقا، بل أن كل تلك المؤشرات تدل دلالة واضحة على عكس ذلك، خاصة في ظل التعتيم الذي يغلف المشروع. فمن ذا الذي يستطيع القول بأن عدد اجهزة الطرد المركزي التي أعلن عنها هو العدد الفعلي الموجود لدى طهران؟ ومن الذي يستطيع أن يؤكد أن المواقع النووية التي تم الكشف عنها لا يوجد غيرها؟ إننا هنا لا نُعيب على إيران امتلاكها لبرنامج نووي عسكري أو سلمي، خاصة أن إسرائيل كيان نووي قائم في المنطقة نفسها، لكن الذي نقوله هو أن البعد الاستراتيجي للملف النووي الإيراني كان دافعَه نزاع إيراني خليجي أولا، ثم لموازنة باكستان النووية السنية بإيران النووية الشيعية، ثم الرغبة في الظهور كقوة أقليمية مسيطرة وشريك ندي للغرب. إذن نحن أمام مرحلة جديدة ستلي الاتفاق يطرح فيها سؤال جوهري، هو ماذا أعد العرب من مستلزمات سياسية وعسكرية لمواجهة هذه المرحلة؟
يقينا أننا أمام استحقاقات جديدة تتطلب إعادة تموضع وخطاب يختلف عما سبقه، وإذا بقي حلفاء أمريكا العرب لا يستطيعون تغيير وجهتهم السياسية إلا شطرها، فإن أثمان استمرار الاصطفاف خلفها ستكون أبهظ من كل ما دفعوه سابقا.
الكثير من الدول، ومنها أمريكا، قادرة على التعايش مع إيران النووية، لكن العرب غير قادرين على ذلك، لاسباب تخص السلوك السياسي الإيراني أولا، وطموحاتها التي لا تخجل من الاعلان عنها، والتي تمس سيادة وأمن الدول العربية، وليس اكتشافا مهما القول بأن غالبية الدول العربية، خاصة الخليجية منها، باتت اليوم في موقف الدفاع، الذي لا يستطيع معاكسة الخطوة الامريكية التي أعطت إيران الريادة في المنطقة، وليس لهم الا الموافقة على إعطاء أمريكا والغرب المزيد من القواعد والتسهيلات، والرضوخ إلى عروض السلاح، ومنها شراء المفاعلات النووية، وهذه كلها حلول ترقيعية لا ترتقي بنا إلى إعادة التوازن مع إيران، التي كان العراق يحمل وزرها. لقد حطمت الانانية المتأصلة في نفوس الزعامات العربية هذا البلد، وأعطته هدية كبرى إلى أعدائه واعداء الامة العربية. كانوا ينظرون إلى الانجازات العلمية العربية في العراق على انها ليست إنجازات عربية، بل إنجازات النظام السياسي الذي كانوا يعادونه، إلى الحد الذي تطوّع البعض منهم إلى أن يصبح مصدر معلومات رخيصا لدى أجهزة المخابرات الغربية، للاعلان عن أن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل، وهذا الذي رأيناه من حسني مبارك علنا، فجمعوا عليه في عام 1991 ثلاثا وثلاثين دولة كي يحطموه، بسبب مشكلة عربية كان من الممكن حلها سلميا داخل البيت العربي، وها هم اليوم يدفعون مئات المليارات كي يحصلوا على سلاح يعيد التوازن، ويدفعوا مثلها كي يؤهلوا مصر كي تصبح قادرة على إعادة التوازن، في وقت كان فيه العراق بلدا مؤهلا ماديا وبشريا وعسكريا لتحقيق ذلك، وها هو العراق اليوم ضدهم وليس لهم، وساحة تطبخ فيها إيران شعبه وجغرافيته كي يصبح لولبا في عجلة المصالح الإيرانية، وأكاديمية طائفية تتخرج فيها الميليشيات على ايدي قاسم سليماني.
إن البرنامج النووي الإيراني هو جزء أساس ومهم من الفكرة القومية الإيرانية، وقد تمكنوا من الحفاظ عليه، والمرحلة المقبلة هي زيادة الابتزاز الإيراني العسكري وإنتاج المزيد من الميليشيات، والهدف هو إثارة الخوف في المنطقة بهدف إفراغ الخزائن العربية من الاموال، مصدر القوة الوحيد لدى بعض العرب.
٭ باحث سياسي عراقي
د. مثنى عبدالله