الهبوط الحاد بأسعار النفط العالمية يهدد الاستقرار السياسي في عدة دول
محطة لاستخراج النفط اقتباس :
يهدد انخفاض أسعار النفط الاستقرار السياسي في عدة بلدان كروسيا والعراق وفنزويلا، حيث إن اقتصاد هذه الدول يعتمد بشكل كبير على عائدات الإنتاج.لاقتصادات العديد من البلدان التي تنتجه وتبيعه اخذ يتحول بسرعة الى لعنة على تلك البلدان التي تقاعست عن تنويع اقتصاداتها واستثمار عائدات النفط في مجالات تدر عليها دخلا ثابتاً كما فعلت دول الخليج بصناديقها السيادية.
وكان سعر برميل النفط في الأسواق العالمية قبل عام نحو 103 دولارات وبلغ يوم الاثنين، زهاء 42 دولارا وهو سعر يقل 6 في المئة عن سعره يوم الجمعة.
في العراق النفطي حيث يشكل تنظيم داعش والقوى الطائفية المهيمنة على العملية السياسية اخطارا متعاظمة، نشأ مصدر جديد لقلق الحكام هو الاحتجاجات الواسعة التي عمت محافظات عديدة على فشل الحكومة في توفير خدمات أساسية مثل الكهرباء وسرقة المال العام، وتبديد مئات المليارات التي دخلت خزينة الدولة قبل هبوط أسعار النفط، دون أن يلمس المواطن العراقي تحسناً في ظروف معيشته.
في روسيا، وهي من أكبر البلدان المنتجة للنفط، يتحمل المستهلكون اعباء كبيرة نتيجة ارتفاع اسعار البضائع المستوردة لأسباب في مقدمتها هبوط قيمة الروبل الروسي.
في نيجيريا وفنزويلا اللتين تعتمدان اعتماداً يكاد أن يكون تاماً على صادرات النفط، يقض الخوف من اندلاع احتجاجات شعبية وتردي الوضع الاقتصادي مضاجع الحكام. وفي الإكوادور حيث انخفضت عائدات النفط بمقدار النصف تقريباً منذ العام الماضي ينزل الى الشوارع عشرات الألوف كل اسبوع للتعبير عن سخطهم على سياسات الحكومة الاقتصادية.
ورغم هبوط اسعار النفط المستمر منذ اشهر فان التوقعات كانت دائماً تقترن بالافتراض القائل ان استقرار الاسعار سيتحقق في النهاية أو أن الأسعار على الأقل لن تبقى منخفضة فترة طويلة. ولكن تباطؤ النمو الاقتصادي في الصين، أكبر دول العالم استهلاكا للنفط، أثار مخاوف من أن تبقى الأسعار منخفضة فترة اطول حتى من أشد التوقعات تشاؤماً وبذلك الحاق مزيد من الضرر بالاقتصادات النفطية الهشة.
وقال السكرتير العام السابق لمنظمة اوبك ووزير الطاقة الايكوادوري السابق رينيه اورتيز "إن الألم شديد على هذه البلدان التي كانت تحلم بأن تكون اسعار النفط المنخفضة مؤقتة جدا". ويقدر اورتيز أن خسائر البلدان المصدرة للنفط عموماً بلغت ترليون دولار بسبب هبوط الأسعار على امتداد العام الماضي.
وقال نائب رئيس شركة آي اتش أس للأبحاث دانيل يرغن "إن تداعيات الضعف الذي يعتري الاقتصاد الصيني تمتد إلى العالم" لافتا إلى أن العديد من البلدان النفطية اكتشفت انها أكثر اعتمادا على نمو الاقتصاد الصيني مما كانت تظن.
كما أصبح هبوط اسعار النفط عنصرا غير مباشر في نزاعات اقليمية مثل الحرب في سوريا. وقال محللون سياسيون إن دولا مثل روسيا وإيران كانت تستخدم ثروتها النفطية أداة سياسية قد لا تعود قادرة على ممارسة تأثير كبير في الأحداث.
في هذه الأثناء تواصل العربية السعودية انتاج كميات قياسية من النفط وتزيد عدد الآبار التي تحفرها لرفع الإنتاج. وتحذو حذوها الامارات العربية والكويت. وفي العراق ازداد إنتاج النفط بنسبة 20 في المئة تقريباً منذ بداية العام رغم الحرب مع داعش والاضطرابات التي يشهدها البلد.
ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن سداد الحسيني نائب رئيس ارامكو السعودية السابق انه لو خفضت دول الخليج انتاجها النفطي اواخر العام الماضي "لاستمر فيض الامدادات النفطية الجديدة من الولايات المتحدة وكندا والمناطق البحرية العميقة وغيرها من الأحواض الأخرى في إضعاف اسواق النفط ولانهارت الأسعار الى حيث هي الآن في كل الأحوال".
ومن المرجح ان يزداد الفائض في سوق النفط إذ نُفذ الاتفاق النووي مع ايران حيث اعلن وزير النفط بيجان نمدار زنكنة ان طهران عازمة على زيادة انتاج النفط "بأي ثمن"، كما نقلت عنه وسائل اعلام رسمية ايرانية يوم الأحد الماضي.
وكانت الولايات المتحدة من أكبر المساهمين في اغراق السوق النفطية حيث اضافت أكثر من اربعة ملايين برميل يومياً الى الامدادات العالمية خلال الفترة الماضية دافعة دول اوبك الى زيادة انتاجها للحفاظ على حصتها من السوق.
واعلن المبعوث الخاص السابق لوزارة الخارجية الاميركية ومنسق شؤون الطاقة الدولية في ادارة اوباما الأولى ديفيد غولدوين أن بقاء سعر نفط القياس برنت أقل من 45 دولارا للبرميل سيكون "ناقوس انذار بشأن قضايا الاستقرار في عموم القطاع النفطي العالمي".
وأضاف "أن نزيف ميزانيات الحكومات التي تعتمد على النفط سيفرض اجراء تخفيضات حادة في الانفاق أو زيادات خطيرة في الاقتراض أو الاثنين".
وحذر من "أن الخطر يهدد بصفة خاصة البلدان التي لا تملك احتياطات نقدية كبيرة مثل نيجيريا وانغولا والجزائر وفنزويلا والعراق وهناك سبب لقلق البلدان التي تحتاج الى إدامة الاستثمار للحفاظ على الشرعية السياسية وهي البرازيل وروسيا وإيران"، بحسب غولديون.
ولاحظت ميغان اوسليفان مديرة برنامج "جيوسياسة الطاقة" في كلية كندي للادارة الحكومية بجامعة هارفرد ان العراق هو الأشد تأثرا بتداعيات هبوط اسعار النفط. وقالت اوسليفان لصحيفة نيويورك تايمز "ان الحرب ضد داعش ليست باهظة الكلفة فحسب، بل ان العديد من الصفقات السياسية التي يتعين ابرامها لاستمرار الأطراف المختلفة في دعم الحكومة تحتاج الى المال لاستدامتها".
واشارت اوسليفان الى ان العقد الاجتماعي بين حكومات دول نفطية أخرى في المنطقة ومواطنيها سيكون أصعب إذا لم تنتعش اسعار النفط لتغطية نفقات توفير العمل والتعليم والخدمات الصحية في هذه البلدان.