مرحباً بالربيع في ريعانِهْ وبأَنوارِه وطِيبِ زَمانِهْ
رَفَّت الأَرضُ في مواكِب آذا رَ، وشبَّ الزمانُ في مِهْرَجانِه
نزل السهلَ طاحكَ البِشْر يمشي فيه مَشيَ الأمير في بُستانه
عاد حَلْياً بِرَاحَتيْهِ وَوَشْياً طولُ أَنهارِهِ وعَرْضُ جنانه
لف في طيْلَسانِه طُرَرَ الأر ضِ، فطاب الأَديمُ من طيلسانه
ساحرٌ فتنة ُ العيونِ مُبينٌ فضل الماء في الربا بجمانه
عبقريُّ الخيالِ ، زاد على الطيْـ ـف، وأَرْبَى عليه في أَلوانه
في مأتمٍ لم تخلُ فيـ يَهْنِيكَ ما حرَّمتْ حين تنام
تبكي الكريمَ على العشـ
صِبْغَة ُ الله! أَين منها رفَائيـ ـلُ ومنقاشه وسحرُ بنانه
رنم الروضُ جدولاً ونسيماً وتلا طير أكيهِ غصنُ بانه
وشدَت في الرُّبا الرياحينُ هَمساً كتغني الطروبِ في وجدانه
كلُّ رَيْحانة ٍ بلحنٍ كعُرْسٍ أُلِّفَتْ للغناءِ شَتَّى قِيانه
ـمة ِ فالتفَّتا على صَوْلجانه
وعلمتُ أنك من يودُّ ومنْ يفي فقف الغداة َ لو استطعتَ وفاءَ
نَغَمٌ في السماءِ والأَرضِ شتَّى من معاني الربيع أو ألحانه
أين نور الربيع من زهر الشعـ ـر إذا ما استوى على أفنانه؟
سرمد الحسن والبشاشة مهما تلتمسْهُ تجِدْهُ في إبّانه
حَسَنٌ في أَوانِه كلُّ شيءٍ وجمالُ القريض بعد أوانه
ملك ظله على ربوة الخلـ ـدِ، وكُرسيُّه على خُلجانه
أَمَرَ الله بالحقيقة ِ والحكـ
لم تثر أمة ٌ إلى الحقِّ إلا بهُدَى الشعرِ أَو خُطا شَيْطانه
ليس عَزْفُ النحاسِ أَوقَعَ منه في شجاعِ الفؤادِ أَو في جبانه
فقدتك في العمر الطريـ ـرِ، وفي زها الدنيا الكعاب
ورعاني ، رعى الإله له الفارو ق طفلاً ، ويوم مرجو شانه
ملك النيل من مصبيه بالشـ ـطِّ ، إلى منبعيه من سودانه
شيخٌ تمالكَ سنة ُ لم ينفجرْ كالطفل من خوفِ العقابِ بكاءَ
هو في المُلك بَدْرُهُ المُتجَلِّي حُفَّ بالهَالَتَيْنِ من بَرلمانه
زادهُ الله بالنيابة ِ عِزّاً فوقَ عِزِّ الجلالِ من سلطانه
منبرُ الحقِّ في أَمانة ِ سعدٍ وقِوامُ الأُمورِ في ميزانه
لم ير الشرق داعياً مثل سعدٍ رَجَّه من بِطاحه ورِعانه
ذكَّرتْه عقيدة ُ الناسِ فيهِ كيف كان الدخولُ في أديانه
نهضة ٌ من فتى الشيوخش وروحٌ سريا كالشبابِ في عنفوانه
حركا الشرق من سكونٍ إلى القيـ ـدِ، وثارا بهِ على أَرسانه
وإذا النفسُ أنهضتْ من مريض دَرَجَ البُرءُ في قُوَى جُثمانه
يا عكاظاً تألفَ الشرقُ فيه من فِلسطينِه إلى بَغْدانِه
افتقدنا الحجاز فيه ، فلم نعـ
حملت مصر دونه هيكل الدِّ ينِ ، وروحَ البيانِ من فرقانه
وطدت فيكَ من دعائمها الفصْ ـحى ، وشُدَّ البيانُ من أركانه
إنما أنتَ حلبة ٌ لم يسخر مثلُها للكلامِ يومَ رِهانه
تتبارى أَصائلُ الشامِ فيها والمذاكي العتاقُ من لبنانه
قلدتني الملوك من لؤلؤ البحريـ ـنِ آلاءَها ومن مَرْجانه
نخْلة لا تزال في الشرق معنًى من بداواته ومن عُمرانه
حنَّ للشامِ حقبة ً وإليها فاتحُ الغرب من بني مَرْوانه
المرضعاتُ سكبن في وجدانه
وحبتْني بُمْبَايُ فيها يَراعاً أفرغَ الودُّ فيه من عقيانه
ليس تلقى يراعها الهند إلا في ذرا الخلقِ أو وراءَ ضمانه
أَنْتَضِيه انتضاءَ موسى عصاه يفرقُ المستبدُّ من ثعبانه
يَلْتَقِي الوحيَ من عقيدة ِ حُرٍّ كالحواريِّ في مدَى إيمانه
غير باغٍ إذا تطلبَ حقاً أو لئيم اللجاجِ في عدوانه
موكبُ الشعرِ حركَ المتنبي في ثراهُ، وهزَّ من حَسّانه
شرُفَتْ مصرُ بالشموسِ من الشر ق نجوم البيان من أعيانه
قد عرفنا بنجمة ِ كلَّ أفقٍ واستبنا الكتاب من عنوانه
لست أنسى يداً لأخوانِ صدقٍ منحوني جزاءَ ما لمْ أعانه
رُبَّ سامي البيانِ نَبَّهَ شأْني أَنا أَسمو إلى نَباهة شانه
كان بالسبقِ والميادينِ أَوْلَى لو جرى الحظُّ في سَواءِ عنانه
إنما أظهروا يدَ اللهِ عندي وأَذاعوا الجميلَ من إحسانه
ما الرحيق الذي يذوقون من كرْ مِي، وإن عِشْتُ طائفاً بدِنانه
وهبوني الحمامَ لذَّة َ سجعٍ أَينَ فضلُ الحَمَام في تَحنانه؟
وَتَرٌ في اللّهاة ، ما للمغنِّي من يدٍ في صَفائه ولِيانه
رُبَّ جارٍ تَلَّفتتْ مصرُ تُوليـ ـه سؤالَ الكريمِ عن جيرانه
بَعثتْني معزِّياً بمآقي وطني ، أو مهنئاً بلسانه
كان شعري الغناءَ في فرح الشر قِ ، وكان العزاءَ في أحزانه
قد قضى الله أن يؤلِّفنا الجر حُ، وأَن نلتقي على أَشجانه
كلما أَنّ بالعراقِ جريحٌ لمس الشرقُ جنبه في عُمانه
وعلينا كما عليكم حديدٌ تَتنزَّى اللُّيُوثُ في قُضبانه
نحن في الفقه بالديار سَواءٌ كلُّنا مشفِقٌ على أَوطانه
احمد شوقي