Aramy Siryany
53 mins
الإرهاب هو جزء من أزمة فكرية مرتبطة بعلاقة الإسلام بالحضارات البشرية…
مقال جريء يحدد ماهية الإسلام تاريخياً ومدى قابلية الفكر الإسلامي للتكيف عالمياً
28 مارس,2016
سوف أبدأ هذه المقال بالسؤال التالي: ما مدى الحاجة اليوم لأن يكون هناك إسلام أوربي مختلف عن إسلام الشرق الأوسط، ولماذا فشلت مسارات توطين الإسلام في أوروبا منذ أزل التاريخ الإسلامي..؟، قد يكون هذا السؤال قاسياً بالنظرة التاريخية ولكن الحقائق جميعها تقول إن الإسلام لم يستطع أن يستوطن أوروبا كثقافة مستقلة عن بيئة النشأة العربية، السبب كما يبدو أن الفكر الإسلامي يقوم على أساس أن الإسلام فكرياً يصعب فصله عن بيئته ولذلك يتمحور الفكر الإسلامي حول البيئة الإسلامية العربية التي نشأ فيها.
بمعنى أكثر دقة وعندما نتحدث عن الإسلام كما هو اليوم، فإنما نقصد به إسلاماً ينقل معه كل تفاصيل البيئة الأولى التي عاش فيها المسلمون في صدر الإسلام تحديداً، وذلك عبر التفسيرات الفكرية لمضامين الإسلام الأساسية. اليوم يجب أن نكون أكثر جرأة في تحديد ماهية الإسلام تاريخياً ومدى قابلية الفكر الإسلامي للتكيف عالمياً.
عندما نقل المسملون الأوائل الإسلام إلى أوروبا وبعض بلدان العالم، كان من المهم طرح السؤال التالي: هل كان أوائل المسملين ينقلون ثقافة الإسلام أم بيئته أم كليهما..؟ ليس عندي شك أن كل المحاولات التاريخية التي نقلت الإسلام إلى خارج منطقته – كبيئة – كل هذه المحاولات لم تنحج، ولكن على الجانب الآخر كل المحاولات التي نقلت الإسلام – كثقافة – نجحت في إبقاء صورة الإسلام القيمية والأخلاقية.
عندما يطرح لنا التاريخ أن الإسلام انتقل إلى العالم بطرق عدة فإن انتقاله كان يعرض بعدة وسائل: منها المعارك والحروب التي خاضها المسملون، ومنها طرق شكلت قوة ناعمة من خلال سلوك للتجار المسلمين أو لمحاربين مسلمين عكسوا صوورة حسنة عن الإسلام في موقف معين، ومع ذلك فالجدل في هذه القضية هو في حقيقته نوع من المغامرة المطلوبة في هذا الزمن فثقافة الإسلام عبر تاريخها لم تسمح لنفسها بالمراجعة وإعادة القراءة للخطاب الديني.
المفاجأة أن الفكر الإسلامي عبر التاريخ: كان قادراً على الانقسام والتعدد من خلال الفرق والمذاهب الإسلامية ولكنه في ذات الوقت لم يحدث عبر تاريخ الإسلام أن شهد موجهة إعادة قراءة الخطاب الإسلامي بشكل كامل، وخاصة أن التوسع الذي شهده الإسلام شمل الكثير من دول العالم، فعلى سبيل المثال: هل يوجد إسلام أندلسي له صياغة فكرية مستقلة..؟ نحن لا نعلم كثيراً عن آليات تطبيق الإسلام في الأندلس فما معنى ذلك.؟ في تاريخنا الإسلامي لا يوجد إسلام ببنيته الفكرية والثقافية يمكن أن ينسب إلى الأندلس، بمعنى دقيق لم يسجل لنا الفكر منهجاً خاصاً لإسلام أندلسي أنتج وجهاً جديداً للإسلام وفقاً للبيئة الأوروبية، وهنا لابد من القول إن هذا الغياب للفكر الإسلامي المستقل قد يكون أحد أسباب فقدان الإسلام في الأندلس.
إن الخطاب الإسلامي التطبيقي ظلً حبيساً للبيئة التي أنتجته، فحتى أولئك العلماء من دول خارج الخارطة العربية والذين أسهموا في الفكر الإسلامي وتاريخه، كان مطلوباً منهم أن يتعملوا ذات اللغة وأن يعيشوا بذات البيئة التي نشأ فيها الإسلام، وهذا من وجهة نظري ساهم في إعادة تشكيل ثقافة هؤلاء العلماء ونقلهم للإسلام إلى بيئات مختلفة ولكن دون تكييف، فالإسلام ظل مذهبياً يعتمد على أربعة مذاهب أساسية كلها نشأت في بلاد العرب ومتوافقة مع البيئة والشخصية العربية، وظل يعتمد على علماء حتى وإن كانوا غير عرب إلا انهم لم يكن يقبل منهم أي محاولات فكرية دون أن يعيشوا في بلاد عربية مسلمة ويندمجوا في البيئة العربية قبل الاندماج في ثقافتها.
ولصورة أوضح فلا بد من سياق مثال تاريخي نعيشه اليوم، ففي أميركا استطاعات الثقافة الأميركية أن تنتج ثقافة خاصة بالأميركان السود بحيث أصبح السود في أميركا قادرين على التعببير عن هويتهم كونهم أميركاناً وأفارقة في ذات الوقت، وحتى الإسلام في أميركا يحاول جاداً أن يمارس ذات الدور الفكري ليخلق ثقافة تختص بالإسلام الأميركي ولكن ذلك لم ينجح، ومن ذهب إلى أميركا يدرك أن كل مركز إسلامي في أميركا له شريان مذهبي مختلف عن الآخرين.
ما خلفه لنا التاريخ في هذه القضية معقد إلى حد كبير، فمثلاً المسلم في أوربا أو أميركا لازال يوجه سؤالاً دينياً إلى مفتٍ يعيش في إحدى الدول العربية ليسأله عن قضية تختص بكيفية تعايش ذلك المسلم مع ثقافة غربية لم يشهدها أو يعرفها من يفتي على الطرف الآخر من العالم، من المؤكد أن الإجابة سيكون فيها نقطة عمياء كتلك التي توجد في ثقافة الطرق والمركبات.
الإصرار على مركزية الفكر الإسلامي (ثقافة وبيئة) كونه نشأ في جزيرة العرب، هذا يجب ألا يخول العلماء والمفكرين المسلمين في العالم أن يعتقدوا أن الفكر الإسلامي الذي نشأ في ثقافة عربية هو ذاته يجب أن يوجد في ثقافة أوروبية، لأن الفكر الإسلامي في بلاد العرب تشبّع بعاداتهم وتقاليدهم حتى أصبح جزء كبير من الفكر الإسلامي يتكون من ثقافة العادات والتقاليد العربية.
الإرهاب في أوروبا أو غيرها من بلدان العالم خطأ تاريخي في الفكر الإسلامي الذي عجز خلال أربعة عشر قرناً من الزمان أن ينشئ فكراً إسلامياً لا يستنبت في أرض وثقافة مختلفة عنه، هذه الفكرة التي أتناولها اليوم لا تحتاج إلى إثبات أيضاً كبير مع هذا السؤال: ماالذي يجعل مسلماً في أوروبا يرتدي ثياباً قصيرة كتلك التي يرتديها مسلم في الجزيرة العربية ويتكلم بذات اللغة وذات الرداء الذي يضعه على رأسه وذات الأحكام المتداولة في بلد مختلف عن أوروبا وثقافتها، هذا التصرف يطرح أزمة الهوية الإسلامية، وهل الإسلام دين أو سياسة..؟ وهل الاعتقاد الديني هوية أم سلوك مفتوح يمكن أن يعيش في بيئات مختلفة.
لقد كشف لنا التاريخ أن ثقافة المسملين في أوروبا تحديداً نشأت كند للثقافة الأوروبية وليس باحثة عن التكيف مع الثقافة الأوروبية، وهذا ما يسهل عملية الصدام بينهما لذلك فالإرهاب هو جزء من أزمة فكرية مرتبطة بعلاقة الإسلام بالحضارات البشرية، ومدى قدرة الفكر الإسلامي لتغيير جلده الفكري مع كل تطور تاريخي أو حضاري يواجهه.
***