من هو نصاب القرن الحقيقي؟
علي الكاش
مفكر وكاتب عراقي
قال جلال عامر " كل نصاب يلزمه طماع، وكل دجال يلزمه جاهل، وكل طاغية يلزمه جبان".
القاسم المشترك بين النصب والإحتيال والسرق والنهب والرشوة والسلب والخطف والفدية هو المال، بمعنى الحصول على مال الآخرين بوجه غير شرعي أو قانوني، وهي جميعها جرائم وفق دساتير الدول ويُعاقب عليها. لا يوجد إختلاف بين اللص المحترف والوزير او عضو البرلمان السارق بقدر تعلق الأمر بالسرقة كهدف، في حين الفروق تكمن في أن ضحية اللص عادة قد يكون فردا أو عائلة، في حين ضحية النائب والوزير يكون الشعب كله، سرقة الأول من المال الخاص، والثاني من المال العام، الأول مهنته سارق وهو يمثل نفسه فقط، والثاني وظيفته رسمية وهو يمثل الحكومة أو البرلمان أو على الأقل جمهوره من الناخبين. مع أن المال في كافة الأحوال هو مال ملعون، لا خير يرتجى منه، وسيدفع السارق ثمن سرقته هو، وكل من أكل من مال السحت من أبنائه وأقاربه في الحياة الدنيا والآخرة. إنه نقمة وإنتقام الله تعالى وحوبة الشعوب المغلوبة على أمرها.
الفساد المالي في العراق ليس حالة جديدة فقد طافت جيفته في مستنقع العملية السياسية منذ الغزو الأمريكي الغاشم للعراق حيث سرقت قوات الإحتلال المليارات من الدولارات وهربت الى بلاد العم سام وشاهدنا كيف كانت عناصر المارينز تجلس على الرزم النقدية في البنك المركزي وبقية البنوك ترتسم على شفافهم البغيضة إبتسامة خبيثة وماكرة. وفي الوقت الذي تبخرت فيه أموال العراق ولم يتبقٌ غير القليل. ولكن سرعان ما تغيرت الأحوال عندما أطفأت الكثير من دول العالم ديونها على العراق، وقدمت دول أخرى مساعدات مالية للعراق، وارتفعت أسعار النفظ بشكل مهول، مما أعطى تصورا دوليا وأقليميا ومحليا بأن العراق سيتجاوز الصعوبات المالية، ويخرج بسلام مع عنق الأزمة الإقتصادية، ويستعيد مكانته الدولية السابقة. هكذا كانت النظرة العامة سواء عند رجال الإقتصاد أو السياسة أو عموم العراقيين.
لكن مع هذا كانت قلة من المثقفين تعارض بصمت هذه النظرة التفاؤلية، منطلقة من كون الإستعمار عمره ما حلٌ أزمة الدول التي تخضع لسيطرته سواء الإقتصادية أو الثقافية والإجتماعية والسياسية، بل العكس فهو يجهد نفسه على صنعها أو تعميقها، كما أن الكوادر الإقتصادية العراقية من علماء وإقتصاديين تم إغتيالهم أو إجتثاثهم أو تشريدهم خارج العراق فخليت الساحة منهم. علاوة على أن الشراذم التي جاءت مع بساطيل الإحتلال ليست لها خبرة في الشؤون الإقتصادية وإدارة الدولة، وإن أبرز إقتصادي فيهم (أحمد الجلبي) كان من سراق القرن الماضي، وعرف بقضية مصرف الوركاء الأردني وكان مطلوبا للقضاء قبل موته. مجموعة أوغاد وصفهم الثعالبي" ارى الدهر يرفع كل وغد خسيس. ويخفض كل حر نفيس. فهو كالبحر فيه الجواهر النفيسه. وتطفو فوقه الجيفة الخسيسه. وكالميزان يرفع من الكفة. ما يميل إلى الخفة. ويخفض منها مابقي بالرجحان. ويبعد من النقصان".
كما أن حالة التسول لما يسمى سابقا بالمعارضة العراقية على أبواب المخابرات الأجنبية تعني أن هؤلاء الشحاذين السفلة لا يمكن أن يؤتمن جانبهم مطلقا، فمن باع شرفه ووطنه وقضى عقودا من الزمن متسولا في أوربا وسوريا وإيران لا يمكن أن يقاوم إغراء الملايين إن وجدها أمامه، سيما في بلد متخلف وسائب ومضطرب كالعراق، شعبه يرفع شعار (آتي شعلية) أي لا علاقة ليٌ بما يحدث. الكثير من اقطاب المعارضة وجدوها فرصة لا تعوض للحصول على الثروات سيما ان مناصبهم وقتية، وأن جنسياتهم الأجنبية تحصنهم من ملاحقات القضاء العراق الواهن، مع ان القضاء أصلا عجوز ومشلول غير قادر على الملاحقة. علاوة على أن الزعامات الشيعية التي تسربت للعراق من تحت سروال الولي الفقيه قد وجدت الفرصة مناسبة لردُ الجميل للولي الفقية على إستضافته لهم، وفعلا تم تفكيك المعامل العراقية ومؤسسات التصنيع العسكري والأسلحة والذخيرة العراقية علاوة على بقية ثروات البلد وبدأت قوافل من الشاحنات الكبيرة تتحرك في طريقين، الطريق الأول إلى إيران، والثاني الى كردستان العراق الذي تعودت قيادته على العيش دماء العراقيين العرب. كما قال شاعر: ربّ من ترجو به دفع الأذى ... سوف يأتيك الأذى من قبله.
في العهد المالكي الأغبر تسربت المليارات من الدولارات من الخزينة العراقية الى خزينة إيران التي لم تشعر بالحصار الأمريكي والأوربي بسبب مليارات العراق القادمة لها، مع ان الكثير من أبناء الشعب العراقي يقتات على النفايات ويسكنوا المقابر والعشوائيات.
ولا يخفى على لبيب الدور المخزي الذي مارسته مرجعية النجف في دفع الناس لإنتخاب الفاسدين من العملاء مستغلة حالة الجهل والتخلف والتخندق الطائفي، بعد أن افتت بحرمة الزوجة على الزوج الذي لا ينتخب القوائم الشيعية، وأوقف المرجع الشيعي الأعلى الدراسة في الحوزة وأرسل طلابه الى شيوخ العشائر العراقية مبلغا أياهم بضرورة إنتخاب القوائم الشيعية، مع ترويج كذبة إعلامية بأن المرجعية تقف على مسافة واحدة من كل القوائم الإنتخابية! مع قساوة الخطئية الأولى ونتائجها الكارثية على العراق، كررت المرجعية خطيئتها في الدورة النيابية الثانية بحجة الحرص على البيت الشيعي ونصرة المذهب، مع ان أبناء المذهب لم يجنوا شيئا من ثمار البلد. هكذا كان موقف المرجعية تخرق دينها بالمعاصي وترقعه بالاستغفار!
لذا لم يكن مستغربا أبدا ان يتصدر العراق منذ الإحتلال ولحد الآن مرتبة الشرف والإمتياز بالفساد الحكومي بموجب إحصائيات منظمة الشفافية الدولية، علاوة على الفساد العام الذي نخر سقوف الدولة العراقية وستقع على رؤوس العراقيين بعد أن يغادر السياسيون العراق الى الدول التي يحملوا جنسياتها متنعمين بمسروقاتهم، تاركين الشعب مفلسا والبلد خربة. لقد بلغت ميزانيات العراق منذ عام 2003 ولغاية عام 2015 (981) مليار دولار، ولمعرفة الحجم المهول في الوارادات، فقد كانت عام 2003 (14) مليار دولار فقط، ثم وصلت عام 2014 الى (145) مليار دولار أي الفرق (131) مليار دولار! ويكفي ان تقرأ ما قاله محافظ بغداد علي التميمي في 7/1/2015 حول هدر المال العام بأن" هناك (9000) مشروع وهمي في العراق قيمتها 226 ترليون دينار، أي ما يقارب (200) مليار دولار، وأن هذا المبلغ هو الموازنة التشغيلية لأربع سنوات مضت. وأ ن أعلى نسبة انجاز في مشاريع اخرى متلكئة هي 15% وبعضها 10%، وبعضها 4% ومقابل ذلك سرقت على هذه المشاريع هذه الاموال". هذا التصريح لإبن الحكومة والمرجعية الشيعية، وليس من الدواعش والظلاميين والتكفيريين وازلام النظام السابق أو من أصحاب يزيد حسب تعبير نوري المالكي.
لقد تحول العملاء والمتسولين وباعة الكبة والسبح والموبايلات والخضروات في اوربا ودمشق وطهران الى أصحاب مليارات، وليس من الصعب إستنتاج كينونة هذا التحول المثير، كل منهم يمكن أن يؤلف كتابا (كيف تصبح ملياديرا في غضون 4 سنوات). لذا يمكن الجزم بأن حيتان الفساد العالمي يعومون في العراق، أما بقية الفاسدين في دول العالم فهم أسماك منها الكبير ومنها الصغير لكنها لا تقارن بالحيتان الزرقاء.
العراق في المرتبة الأولى عالميا بالفاسدين والنصابيين واللصوص والقتلة والمرتشين والمزورين والطائفيين والجهلة والإرهابيين، ولا نقبل أن تُسرق من العراق هذه المميزات الثابتة التي تميزه عن بقية الدول بما فيها الصومال وجزر القمر وجيبوتي، ولا نقبل أن تُسرق مرتبتنا الدولية المشرفة للحكومة والبرلمان في الفساد، وتُنسب الى غيرنا بلا وجه حق. عليه فإننا ندين ونعترض ونشجب بقوة ما وصفة الإعلام الفرنسي، وإطلاق الحكومة الفرنسية لقب (نصاب القرن) على (ارنو ميرون) الذي تجري محاكمته بتهم تتعلق بالنصب والاحتيال بملايين الدولارات، على أساس انه قدم لرئيس وزراء الكيان الصهيوني نتنياهو مليون يورو لتمويل حملته الانتخابية، في حين ذكر ميرون في افادته التي قدمها للمحكمة اضافة للمصاريف العادية واستضافته نتنياهو وزوجته اكثر من مرة اثناء رحلاتهم الى باريس وقعت شيك لتمويل الحملة الانتخابية لنتنياهو وحسب ما ذكر بلغت قيمته مليون يورو فقط!
مليون يورو للحصول على لقب (نصاب القرن) فما هي إذن الصفة المناسبة التي نطلقها على نوري المالكي وإبنه المليادير حمودي، وعلى علاء الأعرجي وإبراهيم الجعفري وعمار الحكيم وعباس البياتي وأسامة النجيفي وسليم الجبوري وصالح المطلك والأخوة كربولي وبقية الرهط من أصحاب المليارات؟ نترك إختيار اللقب المناسب للقراء الأفاضل!
قال الشاعر: يقولون الزمان به فساد ... وهم فسدوا وما فسد الزمان
علي الكاش