هل هناك "سايكس - بيكو" جديد بالشرق الأوسط؟
مي خلف - الخليج أونلاين:مع مرور قرن على توقيع اتفاقية سايكس-بيكو، التي تعد من العوامل الأساسية للتحولات التي يمر بها الشرق الأوسط اليوم، يرى باحثون ودبلوماسيون إسرائيليون أن هذه الحروب والصراعات تخلق تحديات أمام النظام السياسي الحالي لدول المنطقة، كما تؤثر في مفهوم سيادة الدولة.
ويرى الباحث في معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي، عودد عيران، أنه من الصعب افتراض أن من الممكن إعادة النظام القديم إلى ما كان عليه في هذه الدول، ففي ظل الواقع العرقي والديني المتغير هناك حاجة لإنشاء نظام متلائم مع هذه التغيرات، من جانب آخر يجب تجنب أي سيناريو ينتج عنه إنشاء دويلات صغيرة ذات قوة اقتصادية وسياسية منخفضة.
وعليه -بحسب الكاتب- تأتي الحاجة للدمج بين إعادة ترسيم الحدود من جديد، وبين إنشاء أنظمة سياسية جديدة لم تعرفها المنطقة حتى اليوم، مثل النظام الفدرالي، والكونفدرالي، على الرغم من ذلك، لم تصل الأقليات ولا الحركات المتنازعة إلى الجهوزية الكافية لدراسة تسويات سياسية دائمة وجديدة، وليسوا مستعدين أيضاً للتفكير بإعادة ترسيم الحدود.
وفي هذا السياق يقول الكاتب إن الوقت ربما ليس مناسباً الآن، وإنه من غير المفضل إجراء نقاشات علنية حول الحدود البديلة، أو حول الأنظمة الجديدة المقترحة بدلاً من الحكومة المركزية.
من ناحية أخرى، من غير المجدي أن تقبل القوات والجماعات المسلحة الفاعلة محلياً في الشرق الأوسط أن تعود للوضع الذي كان قبل الحرب، سواء من ناحية شكل الحدود أو الأنظمة.
وبالإشارة إلى سايكس-بيكو يقول الباحث، إن مشهد اجتماع ممثلين اثنين عن الدول العظمى سراً، وتقسيمهما للمنطقة بين الدول المستعمرة، وتوقيع اتفاقية دولية لتطبيق ذلك، لا يبدو مشهداً منطقياً أن يتكرر اليوم، لكن يمكن التفكير في اتفاقية إطار توضح الأسس الأولية للتغيير البنيوي لأنظمة وشكل دول المنطقة، على أن تدير هذه الاتفاقية قوى خارجية.
وهنا يرى الباحث أن العراق وسوريا يمكن أن تتحول إلى دول كونفدرالية بدون تغيير حدودها الخارجية القائمة، ومع ترسيم حدود داخلية بشكل جديد؛ عن طريق مفاوضات تتفق فيها الأطراف على حدود الفدراليات، وفقاً للنظام السياسي الجديد، كما أن سايكس-بيكو الجديد سيوزع القوة بين الحكومة المركزية والوحدات السياسية (حكومات) التي ستركب الفدراليات.
إلى جانب ذلك سيكون هناك حاجة لمنع اللاعبين الإقليميين من عرقلة أو هدم هذه العملية؛ في إطار سعيهم للحفاظ على وضع الفوضى القائم، وعليه فمن الضروري التوصل إلى فهم واسع واتفاق شامل بين الولايات المتحدة، وروسيا، والاتحاد الأوروبي، والذي سيدفع الاتفاق بينهم إلى انضمام الدول المفتاحية في الشرق الأوسط، أي مصر، والسعودية، والأردن، وإيران، وتركيا، وفي المرحلة الثالثة سيطلب من اللاعبين المحليين الموافقة على مقترح التسوية.
ومن الفروقات الموجودة بين سايكس-بيكو 1916 و2016، هو غياب الدولة العظمى القادرة على فرض الترتيب الجديد، حتى وإن اتفق عليه المجتمع الدولي، ومن هذا المنطلق يذكر أن عدم استعداد اللاعبين الدوليين الأقوياء لنشر قواتهم على الأرض ينتقص جزءاً من قوّتهم.
ويقول الكاتب إنه ربما من المبكر الإعلان عن سايكس-بيكو جديد في المنطقة، إلا أن الوقت مناسب ليناقش المجتمع الدولي، ويتوصل لاتفاق أولي حول طبيعة الشرق الأوسط الجديد، الذي قد يضم مساحات جديدة ليكون ملائماً للتغييرات التي طرأت على المنطقة في القرن الأخير.
وعن تأثير ذلك على الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني يقول الكاتب إن أي مقترح جديد لن يتجاهل القضية الفلسطينية، كما أن الفوضى القائمة، والتغير الحاصل، يفتح المجال أمام حلول جديدة أكثر إبداعاً.
بدوره رأى السفير الإسرائيلي، روبي سيفيل، أن اتفاقية سايكس-بيكو تواجه اليوم مخاطر جدية، وهو ما يتطلب من إسرائيل إعداد مسودات حلول متوقعة للصراع مع الفلسطينيين؛ لاحتمال تطرق الاتفاق الجديد له، معتبراً أن هناك حاجة ملحة ليقدم اللاعبون الإقليميون مقترحات جديدة بديلة عن اتفاقية سايكس-بيكو القديمة، في إطار المحاولات لوقف تدخلات القوى العظمى الخارجية في شؤون المنطقة، وما قد تحدثه من فوضى مستمرة خدمة لمصالحها الاستراتيجية.
وأوضح سيفيل، الذي عمل مستشاراً سياسياً بسفارة بلاده بواشنطن، وكان عضواً بفريق التفاوض الإسرائيلي مع مصر، والأردن، والفلسطينيين، أن الأمر يتطلب تفاهمات واسعة بين الولايات المتحدة، وروسيا، والاتحاد الأوروبي، وفي فترة لاحقة تنضم إليها دول إقليمية فاعلة؛ مثل مصر، والسعودية، والأردن، وإيران، وتركيا، على أن يُطلب من دول المنطقة الرئيسة هذه في نهاية المرحلة الثالثة الموافقة على المقترحات الجديدة.
ومن جانبه قال المستشرق إيتمار رابينوفيتش، الرئيس السابق لجامعة تل أبيب، والسفير الأسبق بواشنطن، إن "الحروب الأهلية" التي تشهدها بعض دول المنطقة، بجانب ظهور عدد من الجماعات الإسلامية، يجعل من الصعوبة بمكان أن تظل اتفاقية سايكس-بيكو بالتأثير ذاته، خاصة مع بروز خلافات إثنية دينية وعرقية، ما يتطلب اتفاقاً جديداً دون الحاجة لإقامة دول فاشلة لا تمتلك الكثير من مقومات البقاء من النواحي الاقتصادية والسياسية.
وأضاف رابينوفيتش أن التطورات الحاصلة في الشرق الأوسط ربما تحتاج لإعادة ترسيم الحدود، مثل إقامة كونفدراليات أو فدراليات، "رغم أن القوى المتقاتلة والأقليات المتخوفة لم تصل بعد إلى مرحلة التهيئة الكاملة لمثل هذه الحلول"، على حد قوله.