بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
متغيرات منظورة وراء الانقلاب التركي
شبكة البصرة
صلاح المختار
اشرنا مرارا منذ وصل خميني للحكم خصوصا في السنوات الاثنا عشر الماضية الى ان الخطة الصهيوامريكية تقوم على اشعال فتن طائفية عرقية داخل الاقطار العربية ثم تشمل العالم الاسلامي وتتصاعد لتصل الصراعات الى مرحلة خطيرة ببروز استقطاب طائفي اقليمي يتشكل من مركزين المركز الاول تقوده اسرائيل الشرقية ويدعي تمثيل الشيعة والمركز الثاني تقوده تركيا ويدعي تمثيل السنة، فيتوج الاستقطاب الطائفي الاقليمي الاستقطابات الطائفية القطرية ويعززها وينقلها الى مرحلة اكثر خطورة وهي صراعات اقليمية منضبطة هدفها التدمير المنظم لاركان الدولة والمجتمع وهذه خطة قديمة تجدد اصطناعيا لاغراض نفسية الصراع بين فارس الصفوية وتركيا العثمانية.
وفي اطار هذه الخطة راهن الغرب على نتائج الصراع العثماني الفارسي المنتظر في اكمال تمزيق الامة العربية وانهاء القومية العربية كما خطط اصلا، ثم الانتقال لحروب بين دول اسلامية لا تبقي ولا تذر وتحقق احد اهم الاهداف الصهيوغربية وهو بلورة صورة بشعة مطلوبة للاسلام وهي اثبات انه (دين حروب ونزعات عدوان لا تقتصر على غير المسلمين بل تشمل المسلمين لهذا فان من واجبات العالم تدمير كل المسلمين بكافة الطرق بما في ذلك الحروب البايولوجية والنووية)، وتأكيدا لتطبيق هذا المخطط لاحظنا في السنوات السابقة لعام 2012 دعم الغرب للدور التركي في حملات النيتو خصوصا في ليبيا وسوريا وغيرهما، ولكن هذا المخطط شهد تغييرا خطيرا في عام 2012 عندما انقلبت امريكا على موقفها الاصلي هو اسقاط نظام بشار وتبنت خطة حل سليمي للازمة السورية!!! واقترن ذلك بمواقف امريكية معادية لتركيا تمهد لتقسيمها وليس لحماية الاتاتوركية كما قيل وهذا يشبه عملية اسقاط النظام الوطني في العراق الذي لم يكن سوى تمهيد لتقسيمه وليس من اجل الديمقراطية.
ما الذي جعل امريكا تتبني خطة تقسيم تركيا؟
1- اول ما يجب تذكره حتما هو ان الهزيمة الامريكية في قهر المقاومة العراقية واجبارها على الانسحاب في عام 2011 رغم ان بوش وغيره اعلن ان امريكا ستبقى في العراق نصف قرن على الاقل نتيجة وصول امريكا الى مرحلة استنزاف مادي خطير لم تعد تتحمله خسرت بسببه ثلاثة تريليون دولار وهو رقم لم تخسر مثله في كل حروبها، اضافة لتكلفة بشرية هائلة حيث قتل اكثر من 75 الف امريكي وليس اربعة الاف كما تدعي وعوّق اكثر من مليون امريكي وهو ما ادى لتعزز وحدة العراق الوطنية وتغيير امريكا خطتها الاقليمية والانتقال الى الحل المخابراتي بدل الحل العسكري وطبعا الحل المخابراتي يقوم على تفتيت الخصوم لتسهيل الوصول للاهداف الاصلية وهذا يتضمن العودة للعبة الانقلابات العسكرية في حالات معينة.
2- لا تركيا ولا اسرائيل الشرقية دعمتا خطة الاستقطاب الطائفي الاقليمي هذا، فتركيا بقيت تحافظ على علاقاتها الاقتصادية وغيرها مع اسرائيل الشرقية، واسرائيل الشرقية ورغم وجود مصلحة ستراتيجية لها بازالة العقبة التركية من امام توسعها الاقليمي فان ما تحكم بها هو ادراك الملالي بان تقسيم تركيا سوف ينتقل فورا الى اسرائيل الشرقية لانها اكثر استعدادا للتقسيم من تركيا بحكم كون القومية الفارسية لاتشكل اكثر من 35% من مجموع سكانها بينما تركيا يشكل الاتراك حوالي 80% من سكانها.
من هنا فان تنفيذ خطة الاستقطاب الاقليمي الطائفي ليكون المطحنة التي تقسم الدول الاسلامية وتجعل العلاقات بين المسلمين علاقات عداء مستحكم اصبح غير ممكن عمليا، كما ان التوسع الاقليمي الايراني في العراق وسوريا واليمن ولبنان وبقية الاقطار العربية والعالم الاسلامي واستنزاف الموارد الايرانية والقوة البشرية ادى الى تراجع قدرات طهران على مواصلة الحروب في ساحات متعددة في وقت واحد واوصلها الى حافة الانهيار الداخلي، لهذا انتبهت امريكا الى تزايد احتمالات انهيار اسرائيل الشرقية، فقررت الصهيونية الامريكية تغيير الخطة المرحلية لاجل ابقاء اسرائيل الشرقية قادرة على التخريب الطائفي واكمال اهدافه البعيدة وهي تقسيم الاقطار العربية وتدمير الرابطة الوطنية واجتثاث الهوية القومية العربية، وهو الناتج الاهم من وجهة نظر صهيوغربية.
3- التغيير الذي ظهر تمثل في تبني خطة زيادة دعم الغرب والصهيونية لاسرائيل الشرقية لتصبح الحادلة القادرة على تدمير كل العقبات من طريق اعادة ترتيب وانشاء ما يسمى ب(الشرق الاوسط) وان يشمل ازالة العقبة التركية والتي شكلت عاملا اساسيا في اعاقة التوسع الاستعماري الايراني، وهو يضاعف قدرة طهران على تحمل اكلاف حروب الهيمنة المتزايدة بانشاء دويلات على اسس عرقية وطائفية على انقاض تركيا فيقدم بعضها دعما ماديا وبشريا للفرس، كما حصل في العراق عندما سخر المالكي موارده لخدمة التوسع الفارسي. وتقسيم تركيا يسهل غزو بقية الاقطار العربية.وهكذا تملك اسرائيل الشرقية امكانيات اضافية لتقسيم العراق وسوريا واليمن والسعودية واحتلال دول الخليج العربي واحتلال الكعبة والمدينة المنورة واستخدامهما لاجل التوسع اكثر غربا نحو المغرب العربي وشرقا نحو اندونيسيا وماليزيا وهما الخزان الاكبر للعالم الاسلامي فتنزرع فيهما عوامل التشرذم.
4- المعلومات المتواترة من تركيا ومن امريكا والكيان الصهيوني تؤكد بان التخطيط للانقلاب التركي والذي لعبت قاعدة انجرليك دورا اساسيا في التخطيط له وتنفيذه وشهدت اجتماعات مباشرة للاعداد له حضرها ضباط مخابرات من امريكا والموساد والحرس الايراني. فالفرس في هذا الانقلاب لعبوا دورا اساسيا الى جانب امريكا وعرضوا تجنيد اكثر من عشرين الف مقاتل من داعش والحرس الايراني يدخلون تركيا من جنوبها ويتقدمون نحو الشمال لاجل دعم عملية اسقاط النظام التركي الحالي وهذا الدور يذكر بدور طهران في انجاح الغزو الامريكي لافغانستان والعراق.
5- ويجب هنا ان نشير الى احدى الحقائق التي قدم الانقلاب ادلة جديدة عليها وهي ان قادته اغلبهم من يهود الدونمة وهم مسلمون ظاهريا ولكنهم يهود فعليا واستولوا على تركيا منذ سقوط الدولة العثمانية وجعلوا من القوات المسلحة احدى اهم ادواتهم للسيطرة على تركيا، اضافة ليهود الدونمة كانت القيادة العسكرية التركية تتألف من الاقليات خصوصا العلويين وهذه القيادة للجيش كانت متحكمة في الجيش والاقتصاد التركي. وتفسر التركيبة الاقلوية للجيش اسرار دعم المحافطون الجدد في امريكا للانقلاب والاعداد له والاعتماد على فتح الله غولن في تنفيذه لانه ايديولوجيا ينتمي لتيار صوفي منسجم مع الخمينية ومع المسيحية الصهيونية ومتعاون معهما.
6- ما جرى في تركيا يشابه ما جرى في العراق من حيث الاعتماد على الاقليات فمن شكل المعارضة العراقية التي اعتمدت عليها امريكا خليط متنافر من الاقليات العرقية والتنظيمات الطائفية وكلها معادية للهوية العربية للعراق، كما ان النظام السوري نظام طائفي وفاسد، والان اضيفت له من قبل امريكا تنظيمات كردية انفصالية الامر الذي جعل سوريا التي تتشكل من اكثر من 95% من العرب والمسلمين من طائفة واحدة عرضة لتغييرات سكانية مثلما حصل في العراق لانهاء الاكثرية الساحقة العربية فيهما.
7- التغييرات النوعية في توازنات القوى داخل الجيش والقوى الامنية التي قام بها اردوجان مضافا اليها الشعبية القوية له شخصيا كقائد يملك كاريزما واضحة افتقرت اليها تركيا منذ كمال اتاتورك اقلقت امريكا خصوصا عندما اثبت اردوجان في مواجهته الشجاعة مع الرئيس الاسرائيلي في قمة دافوس بانه قائد مستقل ووطني، وكانت تلك هي المحركات المنظورة للتغيير الامريكي وضرب تركيا خصوصا بعد ان قرر اردوجان حسم موضوع قبول او عدم قبول تركيا في الاتحاد الاوربي بوسائل الضغط المباشر والفعال وهو موقف قدر مسبقا انه سوف يؤدي الى تغييرات نوعية في صلات تركيا بالغرب عموما.
دور اردوجان الخادم لوحدة تركيا الاقليمية تحرري وتقدمي مادام يؤدي الى اجهاض المخططات الامبريالية الغربية والصهيونية ويحجم التوسع الامبريالي الفارسي، موفرا مزيدا من القوة لمقاومة عمليات تقسيم الاقطار العربية وفاتحا المزيد من ابواب الامل في اعادة بناء القوى المناهضة للتقسيم والصهينة والتفريس. ما يجب ان لا يغيب عن البال ابدا هو ان العدو الرئيس والاخطر الان هو اسرائيل الشرقية التي يدعمها الغرب والصهيونية رسميا وبكافة الطرق الامر الذي يجعل جهدنا الرئيس وجهادنا الاعظم منصبا على ايصال اسرائيل الشرقية الى منطقة قتل يجب ان لا تخرج منها سالمة مهما كان الدعم الصهيوغربي لها قويا ومفتوحا. واول خطوات اعداد منطقة القتل لاسرائيل الشرقية هي تحالف حركة التحرر الوطني العربية بقيادة المقاومة العراقية مع التحالف العربي ضد التفريس ومع تركيا. فليس هناك منطقة قتل للامبريالية الفارسية اشد قوة وفعالية وحسما من العراق، انه ارض كلمة السر الوحيدة التي تفتح ابواب الفرج العربي والاسلامي.
almukhtar44@gmail.com
23-7-2016
شبكة البصرة
السبت 18 شوال 1437 / 23 تموز 2016
يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس