(مسيحيو العراق في الصحافة العربية) يرصد اهتمام الإعلام العربي بمعاناتهم
جورجينا بهنام
قد يكون مناسبا في هذه الأيام التي تمر خلالها الذكرى الثانية لاحتلال داعش الهمجي للموصل وقراها وتهجيره المسيحيين عن أرض آبائهم وأجدادهم التي استوطنوها وعمروها وشيدوا حضارتها منذ آلاف السنين، أن نعيد قراءة هذا الكتيب الذي يتناول إهتمامات الإعلام العراقي والعربي إزاء إحدى الجرائم المقترفة، وهي كثيرة، بحق أبناء العراق ومواطنيه الاصلاء، المسيحيين، ألا وهي مجزرة كاتدرائية سيدة النجاة ببغداد، التي راح ضحيتها قرابة ستين شخصا فضلا عن الجرحى، الذين قضوا ساعات في جحيم المهاجمين المسلحين قبل أن تتوصل القوات المحررة إلى الصيغة المثلى لتحريرهم بأقل الخسائر الممكنة! على أمل التحرير والعودة وانتهاء معاناة الشعب العراقي بأكمله الذي قدم وما يزال تضحيات جسيمة.
يقدم هذا الكتيب تحليلا صحفيا للأخبار والمقالات التي تطرقت فيها الصحافة العربية إلى مسيحيي العراق إنطلاقا من حادثة الاعتداء على كاتدرائية سيدة النجاة إلى ذكراها السنوية، أي مابين عامي 2010 -2011، واهتمامها الذي يعكس أيضا اهتماما بمسيحيي الشرق الأوسط. لان "ما تقوله الصحافة ليس مجرد (كلام جرائد)، كما تقول المقولة الشعبية المعروفة، بل يعكس الرأي العام وطريقة تفكير المواطنين في موضوع ما، مع ذلك، لا يجب أن تكون الصحافة مجرد مرآة تعكس تصورات قرائها بل عليها أن تؤثر فيهم لتصحح ما يحملونه من معتقدات خاطئة تجاه فكرة أو قضية أو مكون ما، وهي تؤثر بقدر ما تكون أمينة وموضوعية في رسالتها، الإنسانية قبل الصحفية، من خلال نقل الوقائع والأحداث بطريقة شفافة لا تولِّد ولا تؤجج أفكارا مسبقة تعطي نظرة سلبية عن الواقع، ولا تبغي الربح والترويج على حساب الحقائق والاشخاص" حسبما يرى الأب ألبير هشام الذي وضع هذا الكتيب ليكون موجزا للبحث الذي نال عنه شهادة الماجستير في الإعلام من جامعة الصليب المقدس بروما/ ايطاليا.
في القسم الأول الذي حمل عنوان (رواية الأحداث التي تخص مسيحيي العراق بين عامي 2010 و2011) يروي الباحث وفق تسلسل زمني، الأحداث التي تطرقت من خلالها الصحافة العربية إلى الحديث عن مسيحيي العراق ابتداءً بحادثة الاعتداء على كاتدرائية سيدة النجاة في 31تشرين الاول 2010 وصولا إلى ذكراها السنوية، لينقل "بموضوعية ما قالته الصحافة خلال تلك السنة دون إضافة آراء شخصية ولا تفسيرات قد تحرف المعنى الذي أرادته الصحافة من رواية هذه الاحداث، (..)، لذلك ليس من واجبنا هنا ان نحكم على مدى مصداقية هذه الأخبار الصحفية بل سنلاحظ فقط من خلالها نوعية الأحداث التي جذبت اهتمام الصحافة في تعاملها مع المكوِّن المسيحي في العراق، وخاصة في ظل الظروف المأساوية التي كانت البلاد تعيشها في تلك الفترة ".
تطرق بعدها الباحث إلى سرد الأحداث إنطلاقا من التغيير الدراماتيكي في 2003 وتدهور الوضع الأمني لاسيما الاعتداءات التي طالت المسيحيين وتفجير الكنائس في بغداد والموصل، الخطف والابتزاز والتهديد، إضطهادات وهجمات باتت تهدد وجودهم في أوطانهم الشرق أوسطية، التي شهدت ميلاد المسيحية، بسبب الهجرة التي تضاعفت خطورتها في السنوات الأخيرة مما يثير مخاوف انقراضهم. وفي السياق ذاته يورد تفاصيل عملية احتجاز الرهائن في كنيسة سيدة النجاة وتاليا عملية تحريرهم واستشهاد 53 شخصا خلال العملية، وما تبعها من شجب وإدانة واستنكار على عدة مستويات، وصولا إلى إعلان الحكومة القبض على منفذي الاعتداء في 27 تشرين الثاني 2010، تلتها فترة من الصمت الإعلامي إزاء الإجراءات القانونية والقضائية للمحاكمات، استمرت حتى إعلان مجلس القضاء الأعلى الحكم بالاعدام على ثلاثة متهمين بالاعتداء على الكاتدرائية والسجن مدى الحياة لرابع، وأعلن المجلس أيضا ان القرار قابل للطعن، وهكذا انتهت قصة الاعتداء على الكاتدرائية، حسب تعبير الباحث.
" في تحليل صحفي للأحداث، أظهرت نتائج البحث ضعفا في الصحافة العربية بصورة عامة: أولا، تأخرها في الجانب المهني الصحفي، مقارنة بالصحافة العلمية التي وصلت فيه إلى مرحلة متقدمة، على سبيل المثال: ضعف استخدامها لمصادر في أخبارها واتكالها المفرط على وكالات الأخبار العالمية في الخارج في نقل أخبار
العراقيين المسيحيين في الداخل! فالصحافة العربية عموما لا تتطرق إلى مسيحيي العراق إلا عندما يتعرضون إلى هجمات دموية وأعمال قتل وخطف ويهجرون من بيوتهم، فقط. وإن تطرقت إلى موضوع يخصهم تنشغل أكثر بموقف الحكومات وتضامنها معهم دون أن تعطي صوتا للمسيحيين أنفسهم ليعبروا عن موقفهم ومعاناتهم (...) بالأرقام فإن 41% من اخبار الصحف العربية عن مسيحيي العراق لتلك السنة (البالغ عددها 469) منقول عن وكالات أخبار عالمية، (أكثر من نصفها غير مشخصة)، 37% تحمل توقيعا واضحا بينما 22% منها لا تحمل أي توقيع. أما وكالات الأخبار العالمية المعتمد عليها من قبل الصحافة العربية فهي وكالة الأخبار الفرنسية، رويترز البريطانية، وكالة د.ب.ا الألمانية ووكالة يو ب ياي الأمريكية. ماذا تعني هذه المعطيات بالنسبة الينا؟إنها تشير، من جهة، إلى نقص في التزام الصحافة العربية في ذكر مصادرها بصورة صريحة وواضحة، ومن جهة اخرى، اتكالها المبالغ به على وكالات الأخبار العالمية، مما يطرح سؤالا: لو لم تكن تلك الوكالات، هل كانت الصحافة العربية ستكتب عن مسيحيي العراق وعن معاناتهم المستمرة؟ ألا يجب أن تولي الصحافة العربية اهتماما أكبر بالمسيحيين وقضاياهم الساخنة؟"
وعن علاقتهم مع إخوتهم المسلمين يقول الباحث: " في الأخبار التي تتناول وضع (الأقلية) المسيحية في العراق-كما جاءت تسميتها غالبا في الصحف العربية- لابد أن تأخذ العلاقات مع المسلمين حيزا بحكم علاقة التعايش التي جمعتهم لقرون طويلة (...) غذ تناولت الصحافة العربية مواقف تضامن من جانب المسلمين مع إخوتهم المسيحيين، بالإضافة إلى مواقف الاستنكار باسم الإسلام ضد الهجمات الإرهابية التي تتعرض لها كنائس وبيوت المسيحيين في بغداد وغيرها من المدن العراقية". إذ يقول الباحث إن الهجمات التي يتعرض لها المسيحيون ليست على الإطلاق بسبب علاقات سيئة بين المسلمين والمسيحيين، بل بسبب عناصر دخيلة، حيث دأب العديد من المراجع الدينية على التعبير عن تضامنها وقربها من المسيحيين في الفترات العصيبة التي يمرون بها.
وفي أحد العناوين البارزة يتساءل الباحث هل ما حدث في سيدة النجاة حجز رهائن أم مجزرة؟ فالاختلاف في المصطلحات المستخدمة ليس اختلافا في التعبير وحسب، بل هو مؤشر على كيفية تعامل الصحافة مع الحدث، وعلى اي جانب من الحدث تركز انتباهها، ففي اليوم التالي للاعتداء وفي الأيام التي تلته تناولت الصحف عملية تحرير الرهائن، لكن الأخبار انقسمت إلى قسمين: "تلك التي تتكلم عن منفذي الهجوم الذين احتجزوا رهائن في الكنيسة، وتلك التي تشير إلى قوات الأمن العراقية التي حررت الرهائن من داخل الكنيسة (...) السؤال الذي علينا طرحه؟ هل هذا النجاح أهم من سقوط عشرات القتلى والجرحى من العراقيين داخل الكنيسة؟ الم يكن هؤلاء الضحايا جديرين بان يكونوا هم عنوان الأخبار؟ (...) إنها جوانب من حقيقة واحدة، ولكن على أي منها لابد أن تركز الصحافة؟ سؤال على ضمير الصحافة أن يجيب عنه؟". وفي السياق ذاته يتساءل عن التسمية التي أطلقتها الصحافة العربية على المسيحيين داخل الكنيسة لحظة اقتحام الإهاربيين لها، فبينما قالت بعض الصحف إنهم رهائن تم احتجازهم داخل الكنيسة، قُتِل بعضهم وخرج آخرون أحياء، قالت أخرى إنهم مؤمنون مسيحيون يصلون، ووصفتهم أخرى بالشهداء كما جاء في عنوان صحيفة الزمان (دموع البغداديين تودع شهداء سيدة النجاة)، فيما وصفتهم الصحف العربية بـالـ(ضحايا) وبقيت هذه التسمية ترافقهم كلما عادوا إلى واجهة الأحداث.
ويقدم الباحث أيضا معلومات مستقاة من الصحف العربية وأخبارها في تلك السنة تشير إحصائياتها الى تناقص ملحوظ في اعدادهم ابتداءً من 2003، وتكرر ذكر تلك الإحصائيات الى درجة أنها ربطت الحديث عن المسيحيين مع قلة عددهم في البلاد مما يزيد من سلبية الصورة التي رسمتها الصحافة عن مسيحيي العراق. ويرى الباحث أخيرا: أن كل ذلك يدفعنا الى التفكير في مدى تأثير الصحافة في الرأي العام ومدى تأثرها به أيضا.