كذلك فإنّ الطباعة والمطابع بدأت بالإنتشار السريع في أوربا ودول العالم الأخرى مع إختراع الألماني يوحنا غوتنبرغ للطباعة سنة 1436م، لكننا وبسبب الإستعمار العثماني لم نحصل عليها إلا بعد سنة 1869م بزمن الوالي مدحت باشا، أي بفارق زمني لأكثر من (433) سنة في حسابات التطور الصناعي الإنساني!!!!.
ولم تكن أعمال مدحت باشا كلها إصلاحية لوجه الله تعالى وإكراماً للعراقيين، فلا ننسى قيام الإنتفاضة الشعبية بعد وقت قليل من حكم الوالي مدحت باشا ضده إعتراضاً على فرضه لقانون التجنيد الإجباري لتغذية حروب الإمبراطورية لمحاولة بسط نفوذها وتوسعها بجميع الإتجاهات وليكون سكان مستعمراتها وقوداً لتلك الحروب.
كما لا ننسى قيام الوالي مدحت باشا بخطأ كبير حين هدم ما تبقى من سور بغداد لإنشاء متنزه يتم الدخول اليه مقابل مبلغ معين من المال، والذي أُهمل وإختفى بعد فترة قصيرة، حيثُ خسرت بغداد أهم معلم من معالمها العربية والإسلامية.
يقول الدكتور علي الوردي في كتابه الآنف الذكر وفي الجزء الثاني/الطبعة الثانية/ الصفحة (276) ما يلي: "كانت بغداد عند مجيء مدحت باشا اليها محاطة بسور قديم يرجع تاريخه إلى العصر العباسي، فارتأى مدحت باشا أن يهدم هذا السور ويجعل مكانه حدائق ومتنزهات عامة. والظاهر انه لم ينجح في انشاء تلك المنتزهات اذ صار موضع السور مجموعة من الخرائب" ـ ـ إنتهى كلام الدكتور الوردي.
ويكمل د.علي الوردي بقوله من ان الوالي مدحت باشا بنى بطابوق السور عدد من الأبنية وحيثُ جمع الأموال اللازمة لبنائها من تبرعات الأهالي (وكما ذكرنا سابقاً من ان تلك التبرعات كانت في اغلبها قسرية وليس طوعية).
وإني إذ أتسائل مرة أخرى كيف لنا ان نسمي هذا الوالي بالمصلح وقد هدم أهم معلم من معالم بغداد المدوّرة !!، ليبني بطابوقه أبنية أخرى؟!!، الم يكن يستطيع تسخير العمالة التي هدمت السور في تصنيع الطابوق من الطين الذي كان يغطي بغداد جرّاء الفيضانات المستمرة لإستخدامه في بناء تلك الأبنية؟!!، خاصة وإن الأموال المخصصة لهذا الغرض قد تم جمعها من الأهالي!!، واين هي حصة العراق المدفوعة من الضرائب في خزينة الدولة العثمانية؟!!، الم يخصص الوالي جزءاً يسيراً منها لإنفاقه على العراق؟، أم ان الأموال التي كانت تذهب الى الإستانة لا يعود منها حتى "مجيدي" واحد لفائدة دافعي تلك الضرائب !!.
ونفس الشيء حصل لسور الموصل حين أهمله الولاة العثمانيين، وحيثُ لم يبقى منه غير أطلال بسيطة، في حين ان دول العالم أجمع تحاول إستغلال صخرة أثرية لتسويقها سياحياً للإستفادة منها في جلب المردودات المالية وإستقطاب السوّاح !!.
ويبدو من ان الإستعمار العثماني الجديد بدأ يلعب بنفس الأوراق القديمة بإستغلال الدين كوسيلة لعودته، وقد لعب بعواطف بعض الباحثين والمؤرخين ممن نكن لهم التقدير والثقة بكتاباتهم التي إنحرفت عن الحيادية في توثيق الحقائق، فخرج علينا أحدهم تارة للدفاع عن الإستعمار العثماني بنعته له بالخلافة الإسلامية، وتارة اخرى حاول التشكيك بحقيقة الإغتصاب الذي تعرض له ووثقه الجاسوس البريطاني "لورنس" من قبل والي درعا العثماني هاشم محي الدين بك، فكيف لشخص مثل لورنس أن يتهم نفسه هذا الإتهام لغرض بسيط وهو الطعن بسلوكية الوالي العثماني الذي كان أساساً معروفاً بشبقه الجنسي والمصاب بالسيلان، مقارنة بالجرم والتهمة التي إرتضاها على نفسه لورنس؟!!،.
وقد حاول المؤرخ التشكيك بتعرّف الوالي على "لورنس" من خلال شهادة إبن الوالي!!.
وللتعقيب على ذلك أتسائل: أيعقل أن يؤيد الإبن شذوذ والده ويؤكد التهمة عليه!!، ثمّ أنّ لورنس وكما هو معروف عنه كان يتخفى دائماً باللباس العربي التقليدي أي الغترة والعقال والصاية أو الزبون، وأن الوالي العثماني عندما أرسل جنوده لإصطياد أحد الضحايا من الشارع للإعتداء عليه كان قصده جلب أي عربي (حسن الأوصاف) ليكون ضحيته!!، فوجد الجنود ضالتهم بلورنس ولسوء حظه لذلك اليوم، خاصة وإن لورنس كان يجيد اللغة العربية المحلية وبطلاقة، لذا أقول للبعض من المؤرخين ممن يكتبون بعاطفتهم وليس بعلمهم وعقلهم "حدّثوا العاقل بما يُعقل" ولا تهينوا قرّائكم بإستغبائهم، فهم من العلم والمعرفة إن لم تكن بأقل منكم بقليل فلربما بمثلكم.
ولأذكّر كل الأقلام التي تحاول الإلتفاف على الحقيقة "لغاية في نفس يعقوب"، فلعل تنفع الذكرى، بأن العثمانيون لم يحتلوا العراق لهدف سامٍ في ارجاع الخلافة الإسلامية، وإنما كان إحتلالاً مع سبق الإصرار والترصد لقيام الخلافة العثمانية، فالفرق واضح بين الخلافة الإسلامية والخلافة العثمانية!!.
وبالعودة إلى كتاب الدكتور علي الوردي "لمحات تاريخية/الجزء الأول/الطبعة الثانية/ الصفحة (14)" فسنجد الحقيقة الساطعة للإحتلال العثماني للعراق، حيثُ يذكر موثقاً: "كانت الدولة العثمانية قد ظهرت في تركيا منذ القرن السابع الهجري، غير أنها اتجهت في توسعها أولاً نحو الغرب باتجاه أوربا، وهي لم تتجه نحو الشرق أي باتجاه العراق وغيره من البلاد العربية إلاّ بعد ظهور الدولة الصفوية في ايران. ومنذ ذلك الحين صار العراق موضع نزاع عنيف بين الدولتين الايرانية والعثمانية واستمر كذلك ما يزيد على الثلاثة قرون، ومن هنا نشأ المثل المشهور في العراق: (بين العجم والروم بلوى ابتلينا)"، ـ ـ إنتهى كلام د. علي الوردي الذي يوضح في حاشية نفس الصفحة ان العرب كانوا يطلقون على الأتراك اسم "الروم" !!.
وهنا يجب التدقيق فيما ذهب اليه الدكتور علي الوردي في طرحه لهذا المثل، ولإعطاء كلّ ذي حقٍ حقه، فلو كان المثل قديماً جداً، فبالتاكيد لم يكن المقصود "بالروم" في المثل الذي أورده على أنهم الأتراك كما ذكر هو، وإنما يُقصد به الروم أنفسهم، حيثُ كانت هنالك حروب كثيرة بين الفرس والروم البزنطينيين، وكان العراق وسوريا، اي عرب المناذرة والغساسنة بين نارين للوقوف مع هذا الطرف أو ذاك، اما اذا اطلق المثل خلال الصراع الصفوي– العثماني، فهذا شأن آخر.
ثمّ يضيف الدكتور الوردي مؤرِخاً في الصفحة التالية ما يلي : "والواقع أن الدولتين العثمانية والايرانية كانتا متماثلتين من حيث بعدهما عمّا كان يدعو اليه أصحاب النبي وأهل بيته معاً، إذ كانت كلتاهما من الدول الاستبدادية القديمة التي لم يكن لها أي شبه كثير أو قليل بالدولة الاسلامية التي شهدناها في عهد النبي وخلفائه الراشدين"، - - إنتهى الإقتباس.
ولنبقى في هذا المضمار لنبين للقارئ الكريم الحقائق المدعومة بالأمثلة التي لا تقبل الجدل في إدحاض من يقول عن الإحتلال العثماني للعراق على أنه كان خلافة إسلامية!!، ونذكر بعضاً مما أصاب العراقيون من مجاعات وأوبئة فتّاكة (الطاعون، الكوليرا وغيرهما) حصدت مئات الآلاف في أيام وأشهر معدودة دون أن تهتز شعرة من لحى السلاطين والولاة العثمانيين، وعلى مدار جميع فترات ومراحل الحكم العثماني وإلى نهاية عهدهم أبان الحرب العالمية الأولى.
يذكر الدكتور الوردي بصدد الأوبئة في كتابه ذات الأجزاء الستة، وفي جزئه الثاني/ الطبعة الثانية/ الصفحة (156) ما يلي: "لم يكد ينقضي على هذا الوباء الذي ذكرناه (في سنة 1846م) سوى أشهر معدودة حتى ظهرت بوادر وباء جديد من الكوليرا، وكانت بداية ظهوره في البصرة وأخذ يسري نحو الشمال تدريجياً. وحين بلغ الحلّة أخذ يفتك بمعدل يتراوح بين ثمانية وعشرة يومياً. ثمّ وصل إلى بغداد فكان معدل اصاباته اليومية ثلاثين يموت نصفهم تقريباً. وكان للحكومة (يقصد العثمانية) طبيب فرنسي يدعى الدكتور دروز، وقد حذر هذا الطبيب الحكومة من الوباء قبل مجيئه، وطلب مبالغ من المال لاعداد بعض الأدوية اللازمة له، غير أن الحكومة لم تهتم بطلبه ولم تتخذ أي اجراء للوقاية من الوباء"!!، - - إنتهى الإقتباس.
ولا أرغب ككاتب لهذه المقالة في عرض ما جاء في كل هذه المصادر التي أستشهد بها أو غيرها من المصادر عن المجاعات وصورها المقززة وعلى لسان الشهود حينها، والتي أرغمت الناس على أكل جثث الكلاب والحيوانات الأخرى الميتة.
فلو كان الولاة العثمانيين يؤمنون حقاً بأنهم كانوا يحكمون تحت وصاية "الخلافة الإسلامية" لآمنوا بجوهر تلك الخلافة المبني على أساس "التكافل الإجتماعي" و "العدل المجتمعي" بين أبناء جميع الولايات دون تمييز، ولأسعفوا أهل الموصل وبغداد والبصرة وغيرها من الولايات التي كانت تُضرب بين الآونة والأخرى أما بالمجاعات أو الأوبئة، ولأرسلوا اليهم المعونات من الإستانة (إسطنبول) لإنقاذهم، أو على الأقل لرد جزء يسير من الغلال والأموال التي كانوا يحصلون عليها من جبي الضرائب سنوياً ويرسلونها إلى سلاطينهم في الإستانة.
وبدل من ان يحاول الولاة مخاطبة الإستانة لمد يد المساعدة، كانوا يطلقون النار على المتظاهرين الجائعين، وهذا ما ذكره الدكتور علي الوردي في كتابه الآنف الذكر/الصفحة (178) من الجزء الأول عندما حدثت المجاعة سنة 1786م في بغداد.
وللأسف نرى اليوم بعض المؤرخين الذين كنّا نعتقد بحياديتهم في التوثيق ووطنيتهم العراقية يسوّقون نتاجاتهم المنحرفة عن الحقيقة والفاقدة للصلاحية للتهيئة لإستعمارٍ عثماني جديد خاصة في الموصل، والذي نحن في غنى عنه لإرجاعنا الف سنة أخرى إلى الوراء.
فيكفي العراق والبلدان العربية ما هم به من تخلف وتمسك هرطقي بما يعتقدون من أنّ الدين قد أتى به، والدين وتعاليمه منه براء، وحيثُ جاء به المستعمرون العثمانيين للسيطرة على شعوب المنطقة وتخديرها.
وإن كان هنالك القناعة من البعض على عودة الخلافة الإسلامية فيجب ويجب أن تكون عربية وعاصمتها بغداد الرشيد، وأن تكون مناراً للمعرفة والرقي والفكر النيّر، لا أن تكون كهفاً للضلالة والتخلف الفكري، وعلى من يؤمن بالدين وكتابه السماوي عليه أن لا يسوّق لعودة الخلافة الإسلامية الأجنبية، فقد "أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ"، هذا ما قاله الله في كتابه ولم يقل أنزلناه قرآناً عثمانياً أو فارسياً، اليس كذلك ؟!!.
يقول المؤرخ البغدادي الأصيل أمين المميز في الصفحة (39)/الطبعة الأولى لكتابه "بغداد كما عرفتها/شذرات من ذكريات" والحائز (أي المؤلف) على الجائزة الأولى للمجمع العلمي العراقي لعام 1952م مايلي(3): "إن ذكرياتي عن بغداد في تلك الأيام هي ذكريات مرّة، أشد مرارة من الحنظل والعلقم، بعضها باهتة جداً لا أتذكرها بوضوح وبعضها صارخة بقيت آثارها في نفسي حتى اليوم، وبعضها سمعت عنها فانطبعت بذاكرتي. ومن هذه الذكريات كانت الأيام التي تلت المشروطية (اعلان الدستور العثماني سنة 1908 وخلع السلطان عبدالحميد الثاني) عندما وصل من اسطنبول شعار (حريت عدالت مساوات اخوت) فاستبشرت بغداد واستبشر العراقيون خيراً، ولكن بين عشية وضحاها، وبعد تحكم حزب الاتحاد والترقي في رقاب رعايا الامبراطورية العثمانية من كافة القوميات والشعوب، أدرك البغداديون والعراقيون بأنهم لا يملكون حرية ولا عدالة ولا مساواة ولا اخوّة، فأصيبوا بخيبة أمل مريرة"، ثمّ يستأنف المؤلف سرده ذاكراً: "أتذكر بغداد في السنوات التي سبقت الحرب العالمية الأولى يوم كانت في أوج ظلامها الحالك، وأتذكرها جيداً يوم كان كل شيء فيها بدائياً ومتأخراً وسيئاً، وكأنها تعيش في القرون الخوالي". ويسترسل المؤلف ذكرياته المؤلمة في زمن الإحتلال العثماني موثقاً: "أتذكرها (يقصد بغداد) يوم كان فيها جسر واحد فقط من (الدُوَب الخشبية العائمة)، وإذا ما انقطع هذا الجسر وهربت الدُوَبْ الى (گرارة)، أو نزلت (حدّار) الى البصرة، انقطع الاتصال بين صوبي الكرخ والرصافة الى ان تعود (الدُوَبْ) من حيث هربت مصحوبة بالمزيقة" ـ ـ إنتهى الإقتباس.
وقد أكد الدكتور الوردي في كتابه المذكور/الجزء الثالث/الطبعة الثانية/الصفحة (68)، ما ذكره المؤرخ المميز حول الجسر الوحيد في بغداد وإنحداره إلى البصرة أثناء الفيضانات، فيعودوا به بالموسيقى الشعبية مضيفاً من ان نامق باشا قد أوعز لصنع جسر جديد بدلاً عن القديم، وقت تمّ بالفعل بنائه وافتتح في (31) آب من عام 1902م، لكن الأتراك أشعلوا النار بالجسر ليلة إنسحابهم سنة 1917م، وبقيت النار مشتعلة فيه طيلة النهار والليلة التالية.
يا للهول ـ ـ يا للهول ـ ـ ويا للهول، بعد أكثر من أربعمئة سنة من الإحتلال العثماني لا نستفيد من الضرائب بملايين الروبيّات التي سرقوها من العراقيين على مدار الأربعة قرون أو ما يزيد إلا بجسرٍ عائم يطفو نزولاً إلى البصرة (فيُلقى القبض عليه) ليعودوا به إلى بغداد بالمزيقة (الموسيقى الشعبية)!!، ونحن نلعن الإستعمار الإنكليزي و(ننعل سلفا سلفاه) لأنه إحتلّنا لبضع سنوات وبنى لنا جيشه الغازي "جسر مود" الحديدي سنة 1918م، وإنْ بناه لمصلحته الخاصة، لكنه عاد الينا بالنفع، أي بعد أقل من سنة لإحتلاله لبغداد!!، والذي تم تطويره سنة 1941م وسميّ بجسر "فيصل الأول" ثمّ أطلق عليه "جسر الأحرار" الذي لا يزال قائماً لحد الآن !!.
كما وأؤكد مرّة أخرى على لُئم العثمانيون وخبثهم وعدم تحلّيهم وإيمانهم بجوهر الخلافة الإسلامية، إذ أحرقوا ودمروا الشيء اليسير من إصلاحاتهم قبيل إنسحابهم لحرمان (إخوانهم) في الدين العراقيين من الإستفادة منها.
فكل الذي حصل عليه العراق من شفط أمواله على مدار الإحتلال العثماني هو بعض المشافي البائسة (خستة خانة كما كان يسمونها الأتراك) والتي لم تتعدى بأحسن الأحوال عدد أصابع اليد الواحدة، وأعظمها مستشفى "المجيدية" الذي بُني سنة 1895م لخدمة الجيش العثماني وليس للعراقيين، ثمّ طورهُ الإنكليز بعد إحتلالهم لبغداد وبقي تحت إشرافهم حتى سنة 1923م، ثمّ أنيطت إدارته بوزارة الصحة العراقية وأطلق عليه "المستشفى الملكي العراقي"، ثم تغير إسمه إلى "المستشفى الجمهوري".
كذلك كان هنالك مشفى بائس آخر بناه العثمانيون للمدنيين أطلقوا عليه "مستشفى الغرباء العثماني"!!، ولا أعلم لماذا اطلقوا عليه هذا الأسم ؟ هل يعتبرون غير الأتراك غرباء عنهم؟!!، وإذا كان كذلك، فأين هي روح الدولة والخلافة الإسلامية التي كانوا يحكمون بواسطتها الشعوب والبلدان الإسلامية، وبماذا يبرره من يزمّر للإستعمار العثماني على أنه كان خلافة إسلامية، فلو إفترضنا جدلاً إيمان المحتلين العثمانيين بالخلافة الإسلامية التي تساوي بين كل رعايا "الدولة الإسلامية"، لَما أعتبروا المدنيين من أهل البلد العراقيين "غرباء" وأطلقوا على المستشفى أو المشفى أو الخستة خانة بالغرباء، فمن المفروض أن يكون المسلمين إخوة وليس غرباء عن بعضهم حسب مفهوم الخلافة الإسلامية ومثلما كان يتصرف على أساسه "الخلفاء الراشدين" حين عدلوا بين الجميع، اليس كذلك؟؟؟!!.
وللمزيد من المعلومات عن المشافي البائسة والأمراض الفتاكة التي حصدت العراقيين في زمن الإحتلال العثماني يستطيع القارئ الكريم الإطلاع على مقالة الدكتور سعد الفتال في 2015-09-20 المنشورة على موقع جريدة المدى من خلال الرابط أدناه:
http://www.almadasupplements.com/news.php?action=view&id=13788#sthash.QJYOA1Jh.dpbs
وتبيّن المقالة المعنونة "من أوراق الاحتلال البريطاني للعراق سنة 1914" على الرابط أدناه للباحث أحمد ناجي المنشورة على موقع "الحوار المتمدن"- العدد:866 في 16/6/2004م مراحل مهمة من الإستعمارين العثماني والإنكليزي، إعتمد فيها أيضاً على الجزء الرابع من كتاب عالم الإجتماع الدكتور علي الوردي "لمحات إجتماعية من تاريخ العراق الحديث":
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=19441
ولبيان إستمرار الأتراك في إعتداءاتهم على العراق والمسيحيين منهم على وجه الخصوص، أقتطف سطوراً مما ورد في كلمة الترحيب التي القاها متصرف لواء الموصل حينها عبدالعزيز القصاب خلال زيارة الملك فيصل الأول للموصل في 13 كانون الأول 1924م، وكما وردت في مذكراته : "أما ما كان من الاضطرابات الأخيرة التي حدثت في الحدود الشمالية فقد زالت وله الحمد بهمة القوات الوطنية والمساعدة البريطانية، وإن كان قد لحق بسكان القرى في الحدود من جراء ذلك بعض الأضرار من قبل الاتراك، لا سيما المللة النسطورية التي اضطرت إلى الالتجاء الى داخل البلاد" ـ ـ إنتهى الإقتباس.
ويقصد بالمللة "النسطورية" المسيحيين الذين كانت قراهم محاذية للحدود مع تركيا.
الرابط أدناه يبين إضطهاد المكون المسيحي من قبل العثمانيين:
http://www.syriacwritersunion.com/?p=3934
الخلاصة:
لقد عانت البلدان الإسلامية ذات الأكثرية العربية وبجميع مكوناتها من الإستعمار العثماني البغيض.
ولقد دعمتُ مقالتي هذه بالمصادر الموثوقة لخيرة المؤرخين العراقيين المعروفين بنزاهتهم وحياديتهم في نقل المعلومة وتوثيقها، وكنت حريصاً على نقل الحقائق من مصدرها متجرداً من أي إنتماء، عدا إنتمائي الوطني الذي لا أتخلى عنه، والذي دفعني لكتابة هذه المقالة، وقد جهدتُ في تنويع المصادر حتى ممن كانوا يقفون مع العثمانيين في إحتلالهم للعراق، أملنا أن يعي العراقيون بكل أطيافهم ومكوناتهم خطورة الموقف وأن يسقطوا مراهنات وخطط أعداء وحدة العراق، ولنا فيهم أملاً لتحقيق ذلك.
إنتباهة:
(1)- عبدالعزيز القصاب : سياسي عراقي ولد في بغداد سنة 1882م ومن عائلة عراقية عريقة إنحدرت من راوة، تبوء عبدالعزيز القصّاب مراكز إدارية وسياسية مهمة أهمها متصرفاً للواء الموصل سنة 1924م ولمدة سنتين ونصف والتي جرى خلالها الإستفتاء الأممي من قبل عصبة الأمم لتقرير وضع الموصل وعائديتها إلى العراق، كما شغل منصب وزير الداخلية في وزارة السعدون الثانية والثالثة ووزارة توفيق السويدي ووزارة جميل المدفعي الثالثة، كما أسندت اليه وزارة الريّ والزراعة في الوزارة السعدونية الرابعة، ووزارة العدل في وزارة ناجي السويدي، كذلك شغل منصب رئيس التفتيش الإداري خلفاً لـ (كورنواليس)، وقد أنتخب خمس مرّات لعضوية مجلس النوّاب ورئيساً له في أربع دورات نيابية ورئيساً لهيئة الوصايا على العرش عام 1947م، توفي سنة 1965م بعد أن خدم العراق بإخلاص في أهم فترات تكوين الدولة العراقية الحديثة، هذا ما جاء في مذكراته التي أعدها وحققها نجله الدكتور خالد عبدالعزيز القصّاب.
(2)- الدكتور علي الوردي: هو علي حسين محسن عبد الجليل الورد (1913-13تموز 1995م)، وهو عالم اجتماع عراقي، أستاذ ومؤرخ وعرف باعتداله وموضوعيته وهو من رواد العلمانية في العراق. لقب عائلته الوردي نسبة إلى أن جده الأكبر كان يعمل في صناعة تقطير ماء الورد. هذا ماجاء من خلال تعريفه في ويكيبيديا.
(3)- أمين المميز: هو محمد أمين بن عبدالجبار حلمي بك إبراهيم حلمي أفندي المميز بن محمد بك (أخ محمد صالح بك الكبير، وهما ابنا إسماعيل بك الكبير بن الوزير عبدالرحمن باشا والي كركوك)، هذا ما جاء في تعريفه لنسبه، ويقول: "أنا بغدادي أصيل (جرّ كراع ودگك الگاع)، ولدتُ سنة المشروطية (إعلان الدستور العثماني سنة 1908) في محلة كانت تُعرف في غابر الأزمان بالدنگچية، وكانت من كبريات محلات جانب الرصافة، سكنّاها أباً عن جد، وخبنّاها كابراً عن كابر لمئات السنين" ، هذا ما ذكرهُ المؤلف في معرض تعريفه لنفسه في كتابه.
وقد شغل المؤلف عدة وظائف مهمة منها: ملحقاً في المفوضية العراقية في لندن سنة 1936م، وقنصلاً في نيويورك وممثلاً للعراق في هيئة الأمم المتحدة سنة 1949م، ووزيراً مفوضاً في المملكة العربية السعودية سنة 1954م.