إسرائيل في معركة الموصل
د. مثنى عبدالله
Nov 01, 2016
بكل جرأة وبصورة علنية، يظهر مراسلو القناتين الإسرائيليتين الثانية والعاشرة على أرض الموصل العراقية، لتغطية المعارك الدائرة فيها، حيث أجرى طاقم القناتين مقابلات صحافية مع عناصر البيشمركه الكردية المشاركين في القتال، وكانت المايكروفونات التي يحملها المراسلون أثناء المقابلات تحمل شعار القناتين بصورة واضحة جدا.
وعادة ما تتخفى الصحافة الاسرائيلية بأغطية عديدة حينما تغطي أحداث معينة في أراض غير مأمونة بالنسبة لهم، أو حين يكون الناس في تلك المناطق يحملون لهم قدرا كبيرا من الكراهية، ما يشكل تهديدا لأمنهم، لكن يبدو ومن خلال الظهور العلني للقناتين في أرض الموصل، وبين أفراد وعناصر الميليشيات الكردية المسلحة، أن الوضع بالنسبة لهم آمن جدا، وأن الجهات الامنية الاسرائيلية متأكدة تماما من أنهم مرحب فيهم، وأن الحماية الكافية كانت متوفرة لهم بما يتيح لهم العمل بحرية تامة. كل هذا حدا بمراسل القناة العاشرة ليقول بأن الاكراد يحبون إسرائيل.
أهمية الموضوع لا تأتي من حالة العداء القائمة بيننا وبين إسرائيل وحسب، أي أن الموضوع الذي نسلط عليه الضوء ليس رد فعل عاطفي، ونتيجة من نتائج حالة الكراهية التي بيننا وبينهم، بل إن الاهمية القصوى تأتي في الاسئلة المطروحة في هذا المجال وهي، ما أهداف إسرائيل من هذه التغطية الاعلامية العلنية؟ وهل الطاقم الصحافي الاسرائيلي الذي ظهر كان وحيدا؟ أم أن هنالك جهات أمنية ما وراء وراء الكاميرات التلفزيونية؟ وهل التغطية كانت إعلامية وحسب؟ أم أن هنالك مشاركة اسرائيلية عسكرية ومخابراتية في معركة الموصل؟ وهل الحدث يلقي الضوء على طبيعة العلاقات الاسرائيلية الكردية؟
قد يُعلّق البعض على الاسئلة المطروحة بالقول إن أكبر دولة عربية هي مصر وكذلك الاردن، يقيمان علاقات طبيعية مع إسرائيل ويتبادلان السفراء والزيارات معها، والعلم الاسرائيلي يرفرف في عاصمة البلدين العربيين، وإن هنالك دولا عربية اخرى لها علاقات من تحت الطاولة مع إسرائيل، وإن التنسيق الاستخباراتي والتعاون الاقتصادي والدبلوماسي قائم معها، الى الحد الذي باتت المصافحة واللقاء مع المسؤولين الاسرائيليين يجريان في وضح النهار، كما حصل مؤخرا بين مدير مركز أبحاث سعودي وباحثين ومسؤولين إسرائيليين. وإن بعض قادة المعارضة السورية زاروا إسرائيل سرا وعلنا، وإن خطورة حالة بعض الجرحى من المعارضة السورية، استوجبت نقلهم لتلقي العلاج في المستشفيات الاسرائيلية. كل هذه الحقائق والشواهد صحيحة تماما، لكن ليست كل الظواهر يمكن أن تكون دليلا على حقيقة الاشياء، فالسراب يُخيّل للضمآن ماء. فمازال شعبنا العربي عامة، وفي الدول التي تقيم علاقات مع إسرائيل خاصة يرفض التطبيع ويقاومه، على الرغم من أن ذلك يضر بلقمة عيشه ويجعله يعاني من نقص الطاقة والمياه والغاز وغيرها. وهذا الامر تدركه إسرائيل تماما، لذلك هي تحاول استغلال كل حدث في المنطقة العربية وتجعله منصة لتحقيق التطبيع، ومعركة الموصل إحدى هذه المنصات. فالهدف الاسرائيلي من تغطية معركة الموصل نفسي بالدرجة الاولى، أي أنها تريد أن ترفع لافتة كبرى بأنها باتت مقبولة على أرض الواقع، وأن محاولات عزلها لم تعد ذات قيمة، وأن التطبيع بات أمرا طبيعيا يجب الشروع به. فالعراق الذي كان يعد من أبرز الاقطار العربية التي تعادي إسرائيل رسميا وشعبيا، وكان التهديد الاول والابرز على مستقبل وجودها، بات اليوم مسرحا وساحة مفتوحة لنشاطاتها الاعلامية والاقتصادية والامنية والثقافية. فبعض التقارير الصحافية ذكرت أن عدد الشركات الاسرائيلية العاملة في العراق بلغ أكثر من مئتي شركة، وأن إسرائيل قامت بتقديم مساعدات للنازحين من خلال منظمات مجتمع مدني، وأن أول شحنة نفط خام عراقي وصلت إسرائيل في يونيو 2014، وأن التعاون الاستخباراتي كان على أشده بين العراق وإسرائيل من خلال القوات الامريكية المحتلة بين الاعوام 2003 و 2011. كما يجب أن لا ننسى أن أحد النواب العراقيين زار إسرائيل علنا، وعندما جرده البرلمان من العضوية، أعادت المحكمة صفة العضوية له لان منع السفر الى إسرائيل لم يعد محظورا على العراقيين. وأعلن أنه يعرف الكثير من المسؤوليين العراقيين زاروا إسرائيل أيام المعارضة قبل عام 2003 وما بعد ذلك أيضا.
أما بالنسبة للطاقم الصحافي الاسرائيلي الذي ظهر أثناء إجراء المقابلات، فلا يمكن الجزم بأنه طاقم مهني يمارس المهنة وحسب. فالحيز الذي تشغله الموساد في الدولة والمجتمع الاسرائيلي واسع ونافذ جدا، ومن غير المعقول أن لا يستغل هذا الجهاز غطاء الاعلام لتنفيذ أهدافه حتى لو كان هؤلاء الصحافيين مهنيين حقا. وعليه يجب النظر الى أبعد مما وراء الكاميرات من جنود مجهولين، يؤمنّون للكادر الصحافي حرية الحركة والتنقل واقتناء الفرص، التي عادة لا تكون متوفرة بسهولة لغيرهم من الصحافيين. كما أن التواجد الصحافي على أرض معركة عسكرية، لابد أن يسبقه تنسيق مع الجهات المخولة في قيادة العمليات. وكل هذه المستلزمات تلقي الضوء على طبيعة العلاقة بين الجهات الاسرائيلية والعراقية. وإذا كان العمل الاعلامي قد ظهر لنا بهذه الصورة الواضحة، فإن المشاركة الاسرائيلية في الجانبين العسكري والاستخباراتي تبقى طي الكتمان حتى حين في معركة الموصل. وهنا يجب علينا أن نركز على أن المؤسسات العراقية الامنية والعسكرية لا يمكن الوثوق بإجراءاتها، وأن وجود المستشارين العسكريين الاجانب على أرض المعركة لا يمكن أن يكون من دون وجود استخباراتي تابع لدولهم. وإذا ما أخذنا بنظر الاعتبار التعاون الاستخباراتي والعسكري القائم بين إسرائيل وأمريكا وفرنسا وبريطانيا وكل الدول الغربية المشاركة في معركة الموصل، أصبح لدينا تصور واضح بأن إسرائيل موجودة بشكل مباشر أو غير مباشر أيضا، سواء اتخذت الاجهزة الامنية العراقية إجراءاتها أو لم تتخذ، فساحة معركة الموصل ذات أهمية استراتيجية كبرى لاسرائيل في الوقت الحاضر، لانها تدرك بأن هذا الحدث سيحدد صورة وشكل ودور النظام الاقليمي بعد تنظيم الدولة، علاقة إيران بالعراق ما بعد التنظيم، وعلاقة روسيا بسوريا ما بعد التنظيم أيضا، وطبيعة محور إيران العراق سوريا، وطبيعة الوجود والدور التركي في شمال العراق وسوريا.
قد يعتقد البعض أن الظهور العلني للصحافة الاسرائيلية مع الميليشيات الكردية المسماة البيشمركه، يلقي الضوء على طبيعة العلاقة بين الاكراد والاسرائيليين، وهو صحيح. فهنالك تاريخ من العلاقات العسكرية التدريبية والتسليحية والتمويلية بين الطرفين، حتى أن بنيامين نتنياهو سبق وأعلن أن إسرائيل تدعم إقامة دولة كردية مستقلة في شمال العراق، ثم تطور الموضوع الى علاقات اقتصادية، خاصة بعد عام 2003، حينما تحول شمال العراق الى دولة مستقلة لا ترتبط بالعراق الا بما يصب بمصلحتها. لكن يقينا أن مراسل القناة العاشرة الاسرائيلية كان مخطئا حينما قال بان الاكراد يحبون اسرائيل. فالاكراد شعب مسلم يعتز بدينه وبأخوته مع العرب، وهو ما دفعه الى العداء مع إسرائيل بسبب علاقة الدين والمصير المشترك مع العرب، لكن القيادات السياسية الكردية هم من يحبون إسرائيل لانها تخدم مشروعهم. أيضا من الاجحاف حصر هذا القول فقط على الاكراد، فقط ارتبط الكثير من زعماء الطبقة السياسية الحاكمة في العراق اليوم، بعلاقات ودية وتمويلية وإعلامية واستخباراتية مع إسرائيل أيضا، عندما كانوا في ما يسمى المعارضة العراقية قبل الغزو والاحتلال، والكثير منهم زار إسرائيل سرا بدعوات رسمية منها، بل أن الكثير منهم يجد أن إسرائيل شقيق عزيز بعد أن تخلوا عن عروبتهم.
باحث سياسي عراقي