السلطات المغربية أبقت الباب نصف مفتوح فدخلت منه إسرائيل
د. مثنى عبدالله
Nov 15, 2016
حدثان مهمان تزامن حصولهما في المغرب الأسبوع الماضي. الأول انطلاق الدورة الـ22 لقمة الأمم المتحدة لتغيرات المناخ في مراكش، التي شارك فيها العديد من الدول والمنظمات الأممية والإقليمية المهتمة بموضوع التغيرات المناخية.
ويسعى هذا البلد العربي إلى الاستفادة من مجالات الطاقة الخضراء لتعزيز استراتيجيته في هذا المجال، كذلك تحسين صورته عالميا من خلال تنظيم المؤتمر على أراضيه، لكن رفع علم إسرائيل على الأراضي المغربية جنبا إلى جنب أعلام الدول المشاركة، أحدث ضجة داخل أوساط المجتمع المغربي، وموجة من التنديد والاستنكار والاستهجان من قبل كافة الفعاليات السياسية والمجتمعية.
وقد انطلقت تظاهرات حاشدة في العديد من المدن، ونُظمت وقفات تنديد واستنكار واحتجاج أمام مقر البرلمان المغربي في الرباط، شاركت فيها منظمات ونقابات مهنية وأحزاب من مختلف الأيديولوجيات، كما صدر الكثير من البيانات كان السؤال الأهم فيها هو، ما هي أسباب السماح لمجرمي الحرب الاسرائيليين بالدخول إلى المغرب؟ ولماذا تعاملت السلطات المغربية بازدواجية حين منعت ممثلة جبهة البوليساريو من المشاركة في القمة، بينما سمحت للوفد الاسرائيلي بالدخول ورفع علمهم على الاراضي المغربية؟ وعلى الرغم من أن السلطات حاولت تبرير التواجد الاسرائيلي ورفع العلم، بالقول إن المؤتمر تنظمه الامم المتحدة وليس للمغرب سلطان في منع هذا الطرف أو ذاك، لكن هذه التبريرات لم تلق أي مقبولية لدى المحتجين الذين أصروا على مسؤولية الحكومة المغربية فيه، بل إنهم رأوا في ذلك استمرارا لسياسة الحكرة التي يتعرض لها الشعب المغربي، وإمعانا واضحا من قبل السلطات في عدم الاكتراث بمشاعر الشعب، وبمقدساته التي ينتهكها الكيان الصهيوني، وأشقائه الذين يُقتلون بأيدي هذا الكيان على الأرض الفلسطينية.
أما الحدث الآخر الذي هز مشاعر أهلنا في المغرب، فهو زيارة مجموعة من الصحافيين المغاربة الذين يعملون في وسائل إعلامية محلية، إسرائيل، وهي الزيارة المعلنة الاولى على أقل تقدير، على الرغم من عدم وجود علاقات دبلوماسية بين بلدهم وإسرائيل. وقد أعلن الناطق باسم الخارجية الإسرائيلية عن برنامج الزيارة بالقول، هو إطلاع الصحافيين عن كثب على حقيقة الأوضاع في إسرائيل، في محاولة لتغيير الصورة السلبية التي تظهر فيها إسرائيل في المغرب، على حد قوله. كما في برنامج الوفد الصحافي المغربي فرصة لقاء وزراء وأعضاء كنيست، ومسؤولين كبار في المحكمة العليا الإسرائيلية، والاستماع إلى شروحات سياسية وعسكرية من المختصين من الجانب الاسرائيلي. وبغض النظر عما نقلته الصحافة الاسرائيلية من أن إحدى المشاركات في الزيارة، كانت قد صرحت بأن الدولة المغربية لا تعارض زيارة إسرائيل، وهي شخصيا تعيش تحت تأثير الإعلام العربي، وتحت تأثير رجال الدين والدعاية التي تحيط بالقضية الفلسطينية. بمعنى أنها تريد أن تتحرر من هذا التأثير والاستماع إلى الطرف الاسرائيلي. نقول رغم هذا فإن الرد الذي جاء من الاشقاء المغاربة، على اختلاف توجهاتهم السياسية والعرقية وانحداراتهم الطبقية، كان أكبر رد على كل من تسوّل له نفسه لي عنق حقيقة إسرائيل العنصرية الاجرامية، بهدف إقناع شعبنا في المغرب العربي عامة، وفي المغرب خصوصا بقبول الاجندة الإسرائيلية، وغض الطرف عن محاولات التغلغل الصهيوني في بنية المجتمع المغربي، وقبول التطبيع معه. فلقد كان الحراك الشعبي الذي انطلق في كل المدن المغربية ضد هذه الزيارة، دليلا قويا على أصالة هذا الشعب وتمسكه بعروبته وهويته الإسلامية. كانت بيانات الاحزاب والمنظمات النقابية والمهنية مليئة بالاستنكار لهذه الخطوة، ومُلقية بكل أوصاف الخزي والعار على المشاركين في هذه الزيارة.
كما شهد الفضاء التدويني المغربي في مواقع التواصل الاجتماعي تساؤلات عدة، عن جدوى الزيارة في البُعدين الانساني والقومي، فإذا كان هؤلاء الصحافيين قد نزعوا هويتهم القومية وتخلوا عن معاناة أهلهم وأشقائهم الفلسطينيين، فأين هي هويتهم الإنسانية التي تفرض عليهم التضامن الإنساني مع شعب يعاني من القتل والاعتقال والحصار على يد إسرائيل، بل إن البعض ذهب إلى نزع شرف المهنة عنهم على اعتبار أن القلم الصحافي واجبه الأساس إظهار الحقيقة والدفاع عن المضطهدين، وإماطة اللثام عن وجوه القتلة والمجرمين، وليس الانخراط في زيارات هدفها القيام بعمليات غسل أدمغة المغاربة كي يقبلوا بالتطبيع، خاصة أن الخارجية الإسرائيلية أعلنت أن هدف الزيارة هو تغيير الصورة السلبية لاسرائيل وتحسين مكانتها في الاعلام العربي، أي إظهارها بوجه سمح متقدم ومتطور، والمساهمة في وضع مساحيق التجميل على مواسير المدافع وقنابل الفسفور الابيض التي حرقوا بها أطفالنا ونساءنا في فلسطين.
لقد بقي شعبنا في المغرب مُحصّنا من الاختراقات الصهيونية أسوة ببقية أهلنا في كل الاقطار العربية، بغض النظر عن المواقف الرسمية للنظام الرسمي العربي. وقد حاولت إسرائيل مرارا استغلال البعد الجغرافي لهذا البلد وبقية أقطار المغرب العربي عن المشرق العربي، ظنا منها أن جذوة القضية الفلسطينية باردة في هذه الاقطار. كما أنها راهنت على أن فترة الاستعمار القاسي التي مرت على أقطار المغرب العربي أحدثت قبولا للتوجهات الفرنسية بما يخص القضية الفلسطينية. مضافا إلى ذلك المراهنة على الجالية اليهودية المغربية، سواء من هم في الداخل أو في الخارج ممن مازالت لديهم علاقات وصلات اجتماعية في الداخل المغربي، لكنها فشلت فشلا ذريعا في كل هذه المجالات، على الرغم من اهتمام إسرائيل الواسع والمكثف بأفريقيا ومنها أفريقيا العربية. ومع ذلك كله فقد بقيت تُراهن على الخط البياني للقضية الفلسطينية، فكلما وجدت اندفاعة رسمية عربية باتجاهها شجعها ذلك على مد أذرعها في الاوساط المغربية، وقد حدث هذا بعد اتفاقيات مدريد وأوسلو وبعد انكفاء العراق، إضافة إلى استغلال الظروف السياسية والاقتصادية والامنية في المغرب. فالتهديدات للنسيج الاجتماعي المغربي من قبل حملات التشيع الايراني، كان حافزا لاسرائيل كي تُقدّم نفسها مُعينا أمنيا ضد هذا التهديد. كما كان للانفتاح المغربي على أوروبا فرصة لاسرائيل للتواجد معه، فعلى سبيل المثال في عام 2006 اشتركت المغرب مع إسرائيل في دوريات مكافحة الارهاب في البحر المتوسط ضمن فعالية قادها حلف الناتو، وهو تنسيق أمني امتد إلى اليوم لمكافحة ما يسمى التطرف الاسلامي الراديكالي، الذي يُتهم به قطاع واسع من الشباب المغربي.
وعلى الرغم من أن العلاقات منخفضة التمثيل بين المغرب واسرائيل وانقطعت بعد الانتفاضة الفلسطينية، لكن السلطات المغربية أبقت الباب نصف مفتوح فدخلت منه إسرائيل في مجالات السياحة والأمن والزراعة والمياه والطاقة الشمسية وتكنولوجيا المعلومات أيضا. كما أنها تحاول جاهدة مد يد التعاون والمساندة إلى بعض الفعاليات الثقافية والعرقية المغربية، أسوة بعمليات التقرب والمساندة التي مارستها مع الاكراد في المشرق العربي، لكن توجهاتها هذه دائما ما تصطدم بالهوية الوطنية الخالصة والهوية الاسلامية المتميزة، التي يعتز بها أهلنا من بقية الاعراق غير العربية في المغرب.
يقينا أن العلم المغربي المُعفّر بدماء الشهداء في حرب الاستقلال وحرب 1948 في فلسطين، وغيرها من الحراكات الوطنية والقومية، لا يستوي مثلا مع علم هذا الكيان الغاصب المستبد، ولا يُشرّف المغرب أرضا وشعبا أن يرتفع في سمائه أبدا.
باحث سياسي عراقي