الجزء الأول من
رواية
عاشق من جنين
تأليف
رأفت حمدونة
سجن نفحه الصحراوى
إهـــــداء
إلى الذين رووا بدمائهم الزكية ثرى هذا الوطن الغالي. .. شهداء وأسرى وجرحى ومقاومة حتى تحرير كل فلسطين ...إلى أهلنا في جنين … إلى أخواتي وإخواني الأبطال خلف القضبان …و إلى والدي ووالدتي الأوفياء ... و زوجتي المخلصة ... و إلى كافة أبناء شعبي الفلسطيني … أقدم هذا العمل المتواضع
كان يوم ميلاده في ظروف صعبة ، كان أبوه مولعاً به وعندما يضيق به الحال يقول له مازحاً
- تذكرني بدخول البريطاني إلى القدس يا خليل 0
كان خليل يتأثر بهذه المقولة ، رغم أنه يدرك أنها ليست من قلب أبيه ، فتربي وهو يكره البريطاني الذي ألصق به هذا التشاؤم ، وحينما أصبح يافعاً قوياً كان يسمع من الناس أن هنالك شيخاً جليلاً أسمه عز الدين القسام يخطب في مسجد الاستقلال على مسافة غير بعيدة من منزله .
تعلق خليل بالشيخ وأحبه ، فداوم على دروس الشيخ بعد صلاة العصر ، في ذاك المسجد الذي كان يعج بالمصلين من حيفا ومناطق مجاورة في جنين .
كان خليل يتربي علي خطب الشيخ المجاهد الذي طالب الناس بالجهاد ورأي فيه فريضة كالصلاة والصوم ، كان على يقين بأنه لا مفر من محاربة البريطانيين وأعوانهم ، فطلب من الناس جهراً شراء السلاح والتدرب عليه .
انبهر خليل حينما رأى الشيخ المجاهد في إحدى الخطب وهو يرفع سلاحه أمام المصلين ويقول :
- من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر فليقتن مثل هذا ،هؤلاء البريطانيون يتعمدون إضعاف قدراتكم المعيشية ، ويعرقلون سير تجارتكم ، حتى تكسد محاصيلكم ، ولا ترون في فلاحة الأرض شيئاً مجدياً فتتركونها أو تبيعونها ليستوطنها اليهود .
أيها الناس عليكم بشراء السلاح وإخفاءه ، فالبريطانيون يحرمون عليكم اقتناء السلاح ، في حين أنه يَعِدْ اليهود بوطن على أرضنا ، ويمدهم بالسلاح .
هاهم يلاحقوننا في كل شئ ، في استقرارنا ورزقنا وأرضينا ومستقبلنا .
كان خليل يُصنع علي عينىْ الشيخ ، ويتمني لو كان من صحبه المجاهدين ، الذين خرجوا لنصرة الدين والوطن في قضاء الناصرة ، كان يحلم بالخروج معهم إلي أحراش يعبد في جنين ، غير أن هذا الأمل تبدد حينما حوصر القسام واستشهد مع إخوانه .
تعلم خليل معني الصمود من هذه المعركة التي خاضها الشيخ ، واستمرت من الصباح حتى العصر وامتلأ قلبه حباً حينما رأى الجماهير المهيبة في حيفا وهي تهلل مكبرة في موكب الجنازة ، و استطاع أن يلمس جثة الشهيد ، وأقسم ألا ينساه ، لم تكن الأيام طويلة ، حتى دخل كل الشعب في انتفاضته التي دامت ثلاثة سنوات ، لم يضع خليل رأسه على الوسادة ، حتى يتذكر موكب الشهيد فيقبل يديه اللتين لمستهما .أيام كثيرة كانت تمر عليه وهو يراقب حركة الجنود البريطانيين ، وأخيراً حدد هدفه لجندي اعتاد أن يرتاد إحدى الحانات في المدينة ، فشرب الخمر حتى الثمالة ، ثم يعود للبناية العسكرية التي كان يقطنها ، في ساعة متأخرة من الليل ،حينها عزم أن ينتقم ، وفي إحدى الليالي استل سكينه وانتظر ثم اقترب من الجندي وطعنه في الصدر ، فصرخ طالباً النجدة ، فانتبه له أحد الجنود الذي أطلق النار باتجاه خليل الذي اختطف بندقية الجندي وهرب .
تحامل خليل على ألمه وواصل طريقه وهو مصاب ، وعلى جناح من السرعة انتشرت الدوريات البريطانية تجوب أنحاء المنطقة ومنعت التجوال فيها .
فاضطر أن يلتجئ إلى أحد البيوت للحماية ، وتضميد الجرح النازف ، فطرق باب بيت مستور في زقاق ضيق ، ففتحت له ابنة صاحب البيت .
رأته الفتاة فأشفقت عليه ، وهرعت إلي والدها وهي ترتجف خوفا من حالة الشاب المصاب .
تعرف صاحب البيت على خليل وعلم بقصته ، فأخفى قطعة السلاح وباشر بعلاجه وبعث من يطمئن أهله عليه . وبعد أيام تشافى من جرحه ، وهدأت البلدة من جنود البريطانيين الذين فقدوا جندياً وقطعة سلاح .
تعرف خليل على عائشة التي ساعدت والدها في حمايته وعلاجه ، فكان مديناً لها بوقفتها إلي جانبه ، في حين أنها رأت في خليل البطل والمناضل .
وحينما عاد إلي بيته معافى بقى يحمل في قلبه لعائشة حباً كبيراً وذاكرة جميلة ، كان يشعر بالفضل لهذه الفتاة وأهلها فأحبهم وأحبوه ، واحترموا بطولته وشجاعته .
احتفظ خليل بقطعة السلاح التي رأي فيها رمز نصره ، واحتفظ في قلبه لعائشة مكانة كبيرة كان يفكر فيها ليل نهار ويسرح بابتسامتها المعبرة ولم ينتظر الكثير ليطلب من والديه الارتباط بها ، لم يفكر الوالدان الكثير في طلب عائشة فقد رأيا فيها وفي أهلها خير ونسب وزوجة صالحة لابنهم ، وبعد أشهر تزوج خليل من عائشة ، وتعاون المحبان على قهر صعوبة الحياة ومن ثم رزقهما الله بحسن وعبد الله وفاطمة ونعمة .
شعر أبو حسن ككل أهل فلسطين بالمؤامرة ، فقبل النكبة تخلت بريطانيا عن الانتداب في فلسطين ، وتبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة فرار التقسيم المجحف ، فسحبت بريطانيا قواتها قبل انتهاء الانتداب من المناطق اليهودية والتي أرادتها لليهود ، وتركت العرب تحت رحمة المنظمات العسكرية الصهيونية كالهاغانا والإيتسل والأرغون ليباشروا فظائعهم ، فقتلوا ودمروا وحرقوا وأرعبوا وأرهبوا المواطنين الأبرياء والعزل في يافا والقسطل ودير ياسين ، وبادوا قتلاً وذبحاً وتمثيلاً بالجثث ودفناً للأحياء وبقراً لبطون الأمهات الحوامل .
كان أبو حسن على يقين بأن هناك مشروعاً بريطانياً صهيونياً كبيراً ، حتى وقع ما كان يخشاه ، فأعلن الصهاينة إقامة دولة اليهود في فلسطين ، وكانت الهزيمة الساحقة حينما دخلت الجيوش العربية للتحرير دون جدوى ، رحل ما يزيد عن مليون لاجئ فلسطيني من منازلهم ومدنهم وقراهم ، فكانوا عرضة لحر الصيف القاسي ، ولبرد الشتاء القارس ، وللأمراض الفتاكة والقاتلة ، عاشوا حياة البؤس والفاقة وتحولوا من ملاك أراضي أغنياء ، إلي فلاحين أجراء فقراء يكتفون بلقمة العيش .
كانت أعظم مصيبة على أبي حسن ، يوم أن رحل من أرضه عنوة إلي جنين ، كما رحل غيره من مدن وقرى فلسطين للضفة الغربية وقطاع غزة وخارج الوطن ، حينها شعر بما أحل به وبأهله بسبب التخاذل ، لم تغف عيون أبى حسن منذ هجرته حتى يحلم بالعودة لبلده وبيته ومسقط رأسه ، وذكريات الطفولة .
استقبل الفلسطينيون أفواجاً من المهاجرين ، وتقاسموا معهم البيت والملبس وقطعة الخبز ، وبقي مئات الآلاف بدون مأوى فاشتد عليهم الكرب ، وانتشر المرض بين الأطفال والشيوخ ، زاد هم أبي حسن وزوجته حينما عجز عن تقديم أى شيئ لابنهما عبد الله ، الذي أصيب بالحمى ، لم يتصور أبو حسن أنه قادر على تحمل المزيد من المصائب حتى فقد ابنه وهو على صدره وبين ذراعيه .
كانت مصيبته أقل من الأم ، التي فقدت أحد أبنائها خلال التهجير ، ولا زالت في حيرة من معرفة مصيره .
تسلم أبو حسن خيمة بدلا من بيته الذي سكنه مستوطن يهودي أتى من خارج الوطن ، وعمل أبو حسن أجيراً كفلاح يتنقل من جبل إلي جبل ومن حقل إلي حقل .
لقد رضي أبو حسن برزقه على صعوبته ، وزرع في قلب أبنائه حب الوطن ، والحنين للعودة ، ومآسي الإبعاد مع كل بذرة قمح وجني حبة زيتون .
مرت السنون على أبي حسن مرة كالعلقم ، ولم يتبق الحال على ما هو عليه بل ازداد الوضع سوءا ، فمرت الأمة من نكبة إلي نكسة ، ومن هزيمة إلي أخرى .
كانت أوضاع اللاجئين صعبة ، في حين تعاظمت دولة اليهود بعد إقرار الهدنة بين الأنظمة العربية من دول الجوار واليهود وتم حفظ أمن حدود الدولة الجديدة من جهاد المتطوعين ، ونضال الفدائيين .
قويت دولة اليهود بعد حرب الأيام الستة التي أنتصر فيها اليهود انتصارات ساحقة ، فتوسعت رقعة الاحتلال ، وعسكر اليهود على قناة السويس ، وأطبق المحتل احتلاله الكامل على كل فلسطين والجولان . تقدم أبو حسن في السن ، وانتشر الشيب في لحيته ورأسه ، فربي وعلم أبناءه بالعرق والدم والتعب والسهر ، فكانت حياته قاسية وصعبة ومؤلمة ، ولم يشعر بالراحة حتى تزوج أبناؤه ، تمنى أبو حسن لو أن أحداً من أبنائه حمل هم ثورته وتاريخ هجرته ومعاناته ، إلا أن حسناً لم يشبه أباه ، فكان يميل للمزاح والتعاطي مع الظروف والعيش في هذه الحياة على ما هو عليه ، ففي الوقت الذي كان فيه أبوه يلعن ويبصق ويحلل ويعلق على نشرات الأخبار ، كان حسن يقلب الموقف إلي مسرحية ، ويغلب على حياته الاستهتار . كان أبو حسن يستبشر عند كل مولود لزوجة ابنه وينتظر أول مولود بعد ثلاث بنات ، ويحلم وهو يربيه على يديه ويقص عليه بطولاته هو في ريعان شبابه ، ويزرع فيه حب الوطن والأمل في العودة . تحقق حلم أبى حسن مع لحظة بطولات الفدائيين في معركة الكرامة ، التي كانت الانتصار الأول على دولة اليهود بعد هزائم متواصلة . كان شديد الفرح وهو يحمل حفيده الأول وحمله الذي تأخر ، أسرعت أم حسن بتسمية الطفل على اسم جده الذي أعجبته المبادرة ، وفرح الجد بالمولود فرحته بانتصار الكرامة .
كان أبو حسن يقضي معظم وقته مع خليل الصغير ، فأطعمه وسقاه ، واصطحبه للمسجد وأجلسه بجانبه وهو يستذكر مع أصحابه ذكريات الحياة ، استطاع الجد أن يوجد لنفسه ظروفا معيشية بسيطة وجميلة ، ويضع على رأسه طاقية منسوجة من الصوف ، يكره كل أشكال التمدن ، فكان يضيء السراج في الليل ، ويستمع إلى كل نشرات الأخبار في مواعيدها ، رغم أنه لا يملك ساعة يد ، ولا يوجد في بيته أي جهاز كهربائي ، ومذياعه يعمل على البطاريات ، كان يضع في جيبه علبة تبغ من الحديد ودفتر عربي وقداحة يدوية بفتيل ، أجمل ما في بيت الجد كانت الحاكورة المزروعة بالخضار والتي فيها مكان لتربية الطيور والماشية ، وفرن من الطين وتزينها أشجار الفواكه ، وعلي طرف الحاكورة عريشة من جريد النخل وزير مليء بالماء البارد الصافي العذب ، بيته مليء بالسعادة ولا يخلو من الزائرين والجيران والأقارب والأولاد والأحفاد .
لم يعرف أبو حسن المرض طيلة حياته ، رغم أنه شارف علي الثمانين ، يكره شيئاً اسمه مستشفي أو إبرة أو طبيب ، ولا يذهب إليه . نجح حسن في عمله كتاجر في سوق المخيم ، ومع هذا لم يبتعد عن والديه ، فسكن في بيت جميل مليء بالأدوات الكهربائية والأثاث ، دوماً كان يتردد على البيت المتواضع الذي تربي فيه والذي يستحضر بداخله كل ذكريات الطفولة الجميلة ، يشتاق لخبز أمه الساخن وصحن اللبن وكوب الشاي الذي تم غليه على الحطب ويذهب ليقتطف بيديه من الحاكورة حبات الطماطم ، ومن حين لآخر كان يتناول الماء من القلة الفخارية ، آثر حسن إرضاء والديه بدفع تكاليف الحج لأنه أقنع نفسه بعدم القدرة على دفع تكاليف الجهاد والمقاومة ، امتلأ بيت الحاج أبى حسن بالمهنئين عند عودته والحاجة أم حسن من الحج ، كان يحدث الزائرين بإعجاب وخشية عن الكعبة والحرم ، وقبر الرسول ( ص ) ومسجده ، وعن عظمة الوقوف على جبل عرفة ، وأجمل شعور يراوده هو الارتباط الروحي الوثيق بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى .
كان خليل يحب اللعب مع جده الذي منحه مزيداً من الحب والحنان والعطف فيقترب الجد من وجهه ليقبله فيتهرب ويقول له : تشوكني لحيتك يا جدي ، فيتعمد الجد إرضاء الطفل ويطلب من أم حسن أدوات الحلاقة ، فتغلي له الماء ، وتحضر له صابون يد عادي ، وفرشاة منتوفة صفراء قديمة ، وماكنة حلاقة مزركشة لا يقل عمرها عن عشرين عام ، كان يساعده في الحلاقة حفيده أحمد ابن بنته فاطمة ، وعندما ينتهي من الحلاقة ، ينظر لنفسه في المرآة ويقول له : هل تعرف فتاتين في التوجيهي يا سيدي ؟ فيرد أحمد أعرف ، ولكن لماذا ؟ فيقول الجد : واحدة لي والأخرى لك .
كانت أم حسن ترفض هذا الكلام ولو كان مزاحاً ، فتلوي عنقها وتحرك فمها وتقول باستهزاء : " شيلوني تقع " .
مجلس أبي حسن دوما عامر وحديثه لا يمل ، ويومه مليء لا يشعر بالفراغ ، فيزرع ويقلب الأرض ، ويبني السلاسل للحديقة ، وينظف من تحت الشجر والماشية ، ويذهب للسوق لبيع بعضها ، ويسقي الزرع والماشية ويطعمها وفجأة ينظر لخيال جريد النخل تحت الشمس على الأرض فيستمع للمذياع ، فإذا بصوت إشارة الأخبار فيسمعها وكالعادة يتمتم ويشتم ويبصق ، ويشعل التبغ ، ويحضر لاستقبال أصحابه وفي الظهيرة ويذهب للمسجد فيصلي ، ثم يعود ليتناول الغذاء وينام حتى صلاة العصر ، ومع مجيء أصحابه القريبين في العمر منه ، يتناول من قرب سقف العريشة سلة منسوجة من البوص ، ويقدم لهم بعض الفواكه التي اقتطفها من ثمار الحديقة .
كان يقول لأصحابه مازحا : عيشوا من خير الله ومن خير خليل ، فيرد عليه أبو إبراهيم : والله يا حاج خليل فواكه اليوم ما هي نافعة0
يؤكد حديثة الشيخ حافظ : والله صدقت يا أبا إبراهيم ، ساق الله عن فواكه حيفا 0
وحينها يٌظهر أبو حسن تذمره من هذا الحديث ، وكأن الأمر يمسه شخصيا ، فيضطر لمدح رجل زمان : أنتم الذين نسيتم كيف كنا ونحن شباب ، فكنا نقف على شجرة تين مثمرة ولم نتركها إلا وهي ورق بلا ثمر .
وهكذا حتى يأتي وقت الأخبار ، فينصت الجميع ، فتبدأ الأخبار ويقول المذيع : هنا صوت العرب وإذا أبو حسن ينفجر غضبا ويسترجع كل الإحباطات من وراء العرب ويقول : والله طز …
والله وصلنا إلي ما نحن فيه إلا من وراء العرب الذين لم يكتفوا بتركنا في حالنا في الانتفاضة بعد استشهاد القسام ، ولفترة ثلاث سنوات متتالية فهم لم يفعلوا شيئاً أما حمام الدم ولم يكتفوا بالامتناع عن تقديم المساعدة لنا ونحن نواجه الدبابات البريطانية ، وبل وجهوا نداءاً علنياً لنا ، يدعوننا فيه لوقف الإضرابات والاحتجاجات والعمليات البطولية ضد حليفتهم بريطانيا التي أصبحت طرفا رئيسيا في الحرب العالمية .
هم أنفسهم حموا حدود دولة العدو في الهدنة بعد النكبة ، وهم الذين أوهمونا بالانتصار في حرب الأيام الستة ، وهم الذين ارتكبوا في حق الفدائيين مذابح أيلول ، وسحقوا المقاومة في جرش وعجلون وهم الذين ارتكبوا في حقنا مجزرة تل الزعتر وتحالفوا مع الصهاينة في صبرا وشاتيلا ، ألم يكن بوسعهم تحريرنا في حرب أكتوبر ، هم اللذين فتحوا بوابة العواصم العربية بعد كامب ديفيد .
لقد تقدم الحاج أبو حسن في السن ، الأمر الذي انعكس على صحته ونظره ، في حين أن خليل أصبح شاباً يافعاً وقوياً وواعياً ، لم يكن خليل لوحده يستمع لحديث جده ، بل كان يرافقه منذ الطفولة والمدرسة صديقة الأقرب والأحب على قلبه محمود ، كانا متلازمين طوال الوقت في النهار وساعات من الليل ، على مقعد الدراسة ، وساحات المخيم ، والتنزه في تلال الجبال المحيطة ، وفي فناء المسجد وحرم الجامعة والأحراش .
أحبا بعضهما بعضاً حتى الإيثار والتضحية ، وأحبا حديث الجد لدرجة سماعة بخشوع ، فنصتوا لكل حرف وكلمة ووصية ، ولكل الذكريات الأليمة ، كانا واعيين لمقصده وطموحه ، فحملا همه وتطلعا لتحقيق حلمه ، وتواعدا بالسير على دربه . عشرات السنين مرت على أبي حسن ، وهو ينتظر متأملا وضع هذه الأمانة ، وتوصيل هذه الرسالة لأشخاص ثقات ، ورجال أكفاء ، فرأى في خليل الحفيد وصديقه محمود العنوان ، وأمل المستقبل في النصر والعودة والاستقلال .
عاد محمود إلي بيته وبقي خليل عند جده ، الذي أدخله في غرفة مقفلة ، وأخرج له البندقية التي يرى فيها رمز بطولته ، فقدمها هدية لحفيده خليل وأوصاه بها ولكنه استوقفه وقال : يا خليل هذه البندقية لا تكفي ، وتبقي ناقصة إذا لم يكملها هذا ، فأخرج له مصحفاً وأشار إليه .
اشتاط أبو حسن غضبا على أثر حادث قتل متعمد لعمال كانوا يبحثون عن رزق أبنائهم ، فخرجت المظاهرات في مخيم جباليا ، واندلعت الانتفاضة ، وعمت كل فلسطين ، كان خليل ومحمود وأحمد من أبطال هذه الانتفاضة فتصدروا كل أشكال المقاومة ، بالحجر والسكين وإطلاق النار والعمليات الاستشهادية .
كان خليل من النشطاء البارزين في العمل الطلابي في الحرم الجامعي وله تأثيره على يد جده أبي حسن .
شهد أبو خليل نشاط ابنه المتميز في الانتفاضة ، فأراد أن يؤثر عليه بفكرة الخطبة ، في محاولة لثنية عن نشاطه وشعوره بالمسؤولية والتفكير في مشاغل الحياة .
عرض أبو خليل فكرة الخطوبة على ابنه الذي يتردد في رفضها متذرعاً بإكمال دراسته ، الأمر الذي لم يرق لوالدته التي بكت : أنت يا خليل ابني الوحيد ، وأريد أن أطمئن عليك فنحن جميعا محتاجون لك ، فلا تغضبني وتردني في طلبي 0
لم يوافق خليل على مشروع الخطبة حتى استشار جده الذي لم يعارض ، وقال له :
- رضا الله من رضا الوالدين يا جدي فالخطبة لن تعارض المقاومة .
وافق خليل على الخطبة ، ولم ينتظر الكثير حتى عرضت عليه والدته ليلى ابنة جارهم أبي طاهر .
قبل خليل بليلى التي كان يعرفها منذ الصغر ، ومع مرور الأيام أظهرت له إخلاصها وارتبط الحبيبان ببعضهما ارتباطاً قوياً ، اقترب خليل من ليلى وأحبها حتى العشق ، تحدثا بصراحة عن كل شيء وتعاهدا على الصدق والإخلاص في العلاقة وتطرقا لتفاصيل الحياة في المستقبل .
ذهب خليل لبيت جده فوجده مع أصحابه في حديقة ( حاكورة ) المنزل ، كان الجميع ينصت لنشرة الأخبار التي تحدثت عن جهود دولية لتحقيق السلام وعقد مؤتمر دولي يضم زعماء المنطقة. وفور انتهاء نشرة الأخبار ، بدأت جلسة التحليل كالعادة ، سأل أحدهم : هل يمكن تحقيق السلام ؟
رد أبو حسن : عندما يجد الأعور عينه وعندما يزهر الملح
- رد الآخر : ولكن هذه المرة يجري الحديث عن دول عظمي وأمم متحدة
- فقاطعه الشيخ حافظ : وما هو الفرق بينهما ؟ فهي نفسها التي زرعت اليهود في أرضنا ، وهي التي حمته ومدته بالمال ، وأتساءل : كم قرار من الأمم المتحدة يطالب دولة اليهود بالانسحاب دون جدوى !!
كل تصويت على تطبيق أي قرار يتعلق بفلسطين سرعان ما يتوقف بحجة الفيتو ، في حين إذا كان الأمر يتعلق بدولة ضعيفة وغالبا ما تكون عربية أو إسلامية ، فتخلق الحجج و المبررات لإخضاعها وضربها بالقوة ، إنها مؤسسة ظلم يتحكم بها ظلمة باسم العدل والسلام وحقوق الإنسان .
وعندها ارتاح أبو حسن من كلام الشيخ حافظ وقال :
-يسلم فمك يا شيخ " والله العرب يستاهلون أكثر من ذلك ، لأنهم سلموا رقابهم وأموالهم ومصائرهم للغرب ، ولأنهم تركوا دينهم ، واستجدوا عدوهم 0
- قاطعه الحاج أبو إبراهيم : ولكن لماذا وصلنا لهذه الحالة من الهوان !! هل يرجع الأمر للحاكم أم للعلماء أم القادة أم الشعوب ؟
- رد الشيخ حافظ : أنا أرى أن الكل ملام ومكان اتهام ، الحكام ظلمة ، وحماهم الغرب ، والعلماء اقتربوا منهم ولفوا لفيفهم ، والمعارضة تخشى السجن والقتل ، فإما جبانة وإما كسولة ، والشعب مقهور ومستضعف ومغلوب على أمره يجرى وراء لقمة العيش ، ويهاب سطوة الحكام ، وفجأة سمع الحضور صوت سيارة وقفت على باب الحديقة ، وإذا بأبي سامي زوج ابنته نعمة وأبنائه ، فأستأذن الحضور من أبي حسن وذهبوا إلى بيوتهم .
كان أبو سامي يحب لعب الطاولة مع أبي حسن الذي كان بصعوبة يرى حظه في حبات الزهر، فيطلب من حفيده الطفل أن يقرأ له حبات الزهر . كان الطفل ينقل ذلك وكأن الحاج يختاره بنفسه فيغضب أبو سامي من الهزيمة ، وأثناء اللعب طرق الباب ، وذهب الحاج ليرى الطارق . استغل أبو سامي غياب الحاج ووعد ابنه الصغير بإعطائه المال إذا ما نطق بما يشير عليه ، عاد أبو حسن للعب متشوقا لرؤية هزيمة صهره وإذا بالحظ يتغلب لغير صالحه ، أصيب الحاج بخيبة الأمل ، وتشاءم من قرب الهزيمة .
حضرت ابنته نعمة وراقبت حركات الطفل الذي يستجيب لإشارة والده ، فلم ترضَ لهزيمة والدها ، وكشفت الحقيقة التي أنقذت أبا حسن من قسوة الهزيمة ، ومرارة كلام صهره اللاذع .
وقرب المغيب استأذن أبو سامي ونعمة بالعودة لبيتهم ، إلا أن الأبناء أصروا علي البقاء مع جدهم في تلك الليلة ، وتناولوا طعام العشاء ، ثم أحضرت الحاجة أم حسن لهم الشاي ، تناول عدنان الكوب الأول وألحقه الثاني ، وأراد أن يصب الكوب الثالث ، فانتبه إليه الحاج وقال : لطالما أنك تحب الشاي لهذه الدرجة ، فالأفضل لنا ولك أن نضع كيلو شاي وكم رطل من السكر ونضعها لك في الحمام الشمسي ، ونسكب لك الشاي من الصنبور مباشرة ، ضحك الحضور علي عدنان وسأل سامي جده :
- هل ذهبت لمدرسة يا جدي ؟ فأجاب : لا ولكني درست في الكٌتاب ، فتعلمت القراءة والكتابة في القرآن .
- وماذا كنتم تلعبون في الكٌتاب ؟
- قال الجد : كان علي كل طالب أن يحضر كيساً كبيراً ويلبسه في رجليه ، ونقف صفاً واحداً ونتسابق .
- وهل كنت تفوز ؟
- دوماً كنتُ أسبق الجميع ؟ فهل تعرف لماذا ؟
- قال سامي : لأن جسمك نحيف .
- رد الجد مبتسماً : بل لأني كنتُ أتعمد إحضار كيس غير مغلق وأٌخرج قدماىّ علي الأرض دون أن ينتبه إلىّ الآخرون ، ولحتى الآن أستطيع أن أصرع هذا الشقي عدنان .
كان يخشى الخجول سامي والقوي من إحراج الجد إذا ما صرعه عدنان ، فحاول أبو حسن بكل قوته مع حفيده فلم يقدر عليه ، فأخذ يضرب برأسه صدر حفيده ولكن دون جدوى .
وضع عدنان قدميه خلف جده النحيف ، ودفعه فإذا به يخر كالحطبة علي الأرض .
حاول الجد تبرير هزيمته أمام الحاجة أم حسن دون جدوى ، فأوكل الأمر إلي سامي ، قوي الجسم ، فحمل عدنان ووضعه تحت رحمة الجد . شعر أبو حسن بالثقة بعد ما شفى صدره من عدنان وتناول عصاه وضربه علي قفاه .
ومع أصوات ضحك الجد وسامي وأم حسن بدأت معركة من إطلاق النار الكثيف ، وزخات من الرصاص المتبادل ، أدرك الجد أن هناك عملية مقاومة عسكرية قريبة من المخيم ، وعلي وجه من السرعة تناول المذياع وبدأ يقلب علي الإذاعات ، ويبحث عن نشرات الأخبار . بعد فترة وجيزة سمع الجد طرقات باب بيته ، وإذا بخليل يغطى رأسه بالكوفية ، ويلهث مع كثرة الخوف والتعب .
استدرك الجد الموقف ، وسأله منفرداً عن أصحابه والسلاح ، فأجاب خليل : اطمئن يا جدي الكل بخير .
كيف أتيت إلي هنا ، فسيقلق عليك أبوك وأمك .
لا يا جدي إني بلغتهم بأني سأمكث عندك هذه الليلة .
عانق الجد حفيده بمزيد من الفخر وأدخله للبيت .
تابع الجميع نشرة الأخبار العربية لإذاعة العدو ، والتي ذكرت العملية العسكرية مع التغطية لنتائجها ، ونعتت منفذيها بالإرهابيين .
- شتم أبو حسن الإذاعة وقال : عالم ظالم ومتواطئ أنا لا أعرف من هو الإرهابي ، من يدافع عن دينه وأرضه وشعبه ويقاتل في وطنه ، أم المتعدي والظالم والمحتل ؟؟
فإذا كانت الشرائع والديانات والقوانين الدولية تشرع للمظلوم المقاومة لاسترداد حقه ، فلماذا هذا العالم يساند الظالم ، ويتحامل علي المظلوم ، لماذا يقفوا مع القاتل ويلومون الضحية ؟ ألم تحرر كل الشعوب أرضها وكرامتها بالمقاومة فلماذا هي محرمة علي شعبنا ؟
لن أٌفسد علي فرحتي وهذا الفخر والشرف الكبير ، فليقولوا ما يشاءون .
وقف أبو حسن شامخاً ، وعلي غير عادته طلب من عدنان أن يضع علي أغنية احتفالا بهذا النصر والبطولة
وضع عدنان علي أغنية حديثة ، كلها موسيقي سريعة وكلمات غير مترابطة ولا مفهومة ، فتناول الحاج عصاه ولحق به
- ما هذه المسخرة يا ولد ؟ أين ذوق زمان ، وفن وكلمات وألحان وفنانين زمان ؟
لقد افسدوا علينا حتى ذوقنا ومزاجنا ، وتلاعبوا بأحاسيسنا ومشاعرنا ، فما هذه التفاهة والذوق السيئ ؟
بحث الحاج أبو حسن علي محطة أخري بنفسه وإذا بأغانٍ وطنية في صوت فلسطين ، فأشار الحاج بعصاه نحو المذياع ، وقال هذا هو الصوت ، وهذا هو اللحن وهذا هو الفن الهادف والنبيل والمنسجم مع الفطرة والذوق السليم .
مسك الجد يد خليل محتفلاً به ، وأخذ يدبك من شدة الفرح . بدأ اليوم الجديد ومنذ الشروق عاد الحفيدان إلى والدتهما وذهب خليل إلي جامعته ، وانشغل الجد أبو حسن بري حديقته ( الحاكورة ) الجميلة ، والجدة بترتيب البيت ، وإعادة الفراش التي استضافت عليه ضيوفها .
في نهاية اليوم اجتمع أصحاب أبى حسن كعادتهم ، وتحدثوا عن ليلة البارحة والعملية العسكرية ، وعن عيون العدو التي ستنتشر لمعرفة أبطالها، مدح الشيخ حافظ وأبو إبراهيم أبطال هذه العملية البطولية ، وكان يفتخر أبو حسن بحفيده ولكنه كان يدرك قيمة كتمان السر في هذه الظروف .
كان الحاج مصطفي شارد الدهن ، فعلم أبو حسن أن في الأمر شيئاً ، ماذا بك يا حاج مصطفي ؟
- أول أمس طلب مني جارنا أبو يحيي أتوسط له عند نسيبه لأعيد له زوجته التي عادت لأهلها إثر خلاف بينهما بعد ما طلبت منه الذهب الذي استعاره منها في أزمة مالية الأمر الذي لم يقدر عليه زوجها .
أردتٌ أن أكفل أبا يحيي عند أهل زوجته ، علي أن تعود لبيتها وأولادها ، وهو يعيد لها ذهبها الذي استعاره في فترة أقصاها ستة أشهر .
- ما قلته عين العقل يا حاج مصطفي .
- هذا عندك وعند السامعين يا أبا حسن ، فأهل الزوجة رفضوا كفالتي ، واشترطوا عودة ابنتهم لزوجها بعودة الذهب ، وأما أنا فعدت مكسور الخاطر .
وبعد يومين ذهبت لأبي يحيي لأعرف ما حصل ، وإذ بزوجته في بيته .
- قلت له : الحمد لله علي سلامة أم يحيي يا جار ، ومبارك عودتها ، فهل أعدتَ لها ذهبها ؟
- أجاب أبو يحيي : لا يا حاج مصطفي ، بل كفلني عندهم سليم ، أنت تتحدث عن أبي نصف عقل ؟
- هذا قبل ربحه جائزة البنك يا حاج مصطفي والتي تقدر بعشرة آلاف دينار علي رقم الحساب الذي يستقبل عليه مساعدة أخيه الموجود في الخليج له .
- وهل أخذ الجائزة ؟
- نعم ، قبل أربعة أشهر .
- قال الحاج مصطفي : ولكن كيف أعاد زوجتك ؟
- أقرضني نصف ثمن الذهب ، وكفلني بالمبلغ المتبقي .
هذا ما قاله لي أبا يحيي ، وهذه هي قصتي يا حاج أبا حسن.
- والله يحق لك أن تغضب يا حاج مصطفي ، فهذه ثقافة معك قرش تسوى قرش ، مع أن الكثيرين من أصحاب القروش تاجروا في دماء الناس ، فظلموهم وسحقوهم وتجاوزوا الدين ، وكل القيم والأخلاق . يبدو أن معايير الناس قد تغيرت في هذا الزمن ، وصدق الذي قال : رأيت الناس قد مالوا إلي من عنده مالُ وكذلك : رأيت الناس قد ذهبوا إلي من عنده ذهبُ وصدق القائل الآخر : إلّي معه فلوس علي رأسه الرجال تبوس ، وإلَََي ما معه فلوس علي رأسه الرجال تدوس ، فلا تقلق ولا تحزن ولا عليك يا حاج مصطفي فقيمتك محفوظة عند مَن يقدرون قيمة الرجال ، وأنت سيد الرجال .
هدأ قلب الحاج مصطفي وارتاحت نفسه واعتز بأصحابه ووقفتهم ، وحيَاهم علي موقفهم وشكرهم ، وزال الهَم .
لم تمر أيام طويلة حتى حضرت قوات كبيرة من الجيش لتداهم المخيم ، وفي منتصف الليل توجهت إلي منزل أبي خليل ، وأحاطت به من كل الجوانب ، صوبوا بنادقهم والأضواء الكاشفة نحو البيت ، وطرقوا باب البيت بطريقة همجية ومرعبة ووحشية .
فتح أبو خليل الباب ، وتفاجأ من العدد الكبير للجيش ، سأل الضابط :
- أنت خليل ؟
- أجاب : لا ، ولكني أبوه ، لم ينتظر الجنود وبسرعة دخلوا البيت ، فخرج خليل بملابس النوم .
- أنت خليل ؟
- أجاب خليل : نعم .
وعلي الفور اختطفوه وأعصبوا عينيه ، ووضعوا السلاسل في يديه وأرجله ، وأدخلوه إلي زنزانة معتمة قذرة ورائحتها سيئة ، وبعد ساعات نقلوه إلي غرفة التحقيق .
- قال المحقق : أنت من قام بالعملية العسكرية في ساحة المخيم ؟
- أنكر خليل كل الاتهامات الموجهة إليه ، فأحالوه لمسلخ التحقيق . انتقل خليل من مرحلة إلى أخرى ، وذاق كل أنواع التعذيب ، الضرب الوحشي ، والشبح ،والهز ، وصب الماء البارد علي رأسه ، والحروق بالسجائر والامتناع عن الحمام ، والتهديد بهدم البيت ، واعتقال والده والصراخ ، والشتم بألفاظ سيئة بذيئة
ومع هذا لم ينكسرولم تضعف عزيمته او إرادة التحدى فيه 0
وبعد ستين يوماً من هذا الحال ، قال المحقق لخليل :
- ألم تشهد مؤتمر مدريد ، وتسمع عن اجتماعات أوسلو ؟
- قال خليل : سمعت وأعرف .
- قال له المحقق : ما لا تعرفه أن السلطة الفلسطينية باشرت بعملها ، وتدفقت أفواج من العائدين ، والحديث يجري الآن عن إطلاق سراح معتقلين ، فلماذا هذا العناد والإنكار ؟
لم يؤمن خليل بكل ما سمع ، واستبعد ما ذكره المحقق وبقي علي موقفه .
أدخل المحقق علي خليل شخصين مقنعين ، فشهدا عليه ،فسألهم المحقق :
- هذا هو نفس الشخص الذي رأيتموه يوم العملية العسكرية مع صديقه المسمي محمود ؟
- أجاب الشخصان : نعم هو ، فنحن تابعنا خطواتهم وتأكدنا منهم .
تفاجأ خليل من الرواية ، ومن خبر اعتقال صديقه محمود ، وانتهي الأمر بشاهدتين دون اعتراف ودون استدلال علي قطعة السلاح . وبعد خمسة أشهر من الاعتقال ، نزل الصديقان إلي محكمة عسكرية ظالمة ، استكفت بشاهدين دون اعتراف ، وحكمت عليهما بالسجن لمدة سبع سنوات .
تغير الحال في فلسطين ، وأقيمت الأفراح بإنشاء السلطة واستقبال العائدين ، و إخراج عدد من المعتقلين ، وأقيمت الشركات ، ومشاريع الإسكان والاستثمارات لرؤوس الأموال من الخارج ، ظهرت طبقة غنية جداً من ذوي رؤوس الأموال والعائدين ، ورجالات السلطة ، في حين أن حال سكان المخيمات لم يتغير ، علي الرغم من أنهم الأكثر تضرراً من الانتفاضة التي صنعوها بدمائهم ، ودفعوا ثمنها زهرات شبابهم وأعمارهم و استُشهٍدوا وجُرحوا واعتقلوا وانتشر بينهم الفقر .
كان أبو حسن يعتصر ألماً علي حبيبه خليل ، الذي لم ينسه لحظة واحدة ، ولم يقطعه من الزيارات التي كان يقول له فيها ، اصبر يا جدي ، فالسجن لا يبنى علي رجال.
نقلا عن مركز الأسرى للدراسات