حصار قطر: درس في الجغرافيا السياسية
رأي القدس
Jun 09, 2017
شكّلت القرارات الأخيرة بقطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر وما تبعها من إجراءات حصار جوّي وبحري وبرّي التي اتخذتها المملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين ضد جارتهم العضو في «مجلس التعاون الخليجي» مفاجأة كبيرة بسبب حدّتها الكبيرة والملابسات الغريبة التي حفّت بها.
إضافة إلى كونها تشكّل هزّة كبيرة للتقاليد السياسية الخليجية فإن هذه القرارات والإجراءات المفاجئة أظهرت انكشافاً للعلاقات الدولية، وبالخصوص مع الولايات المتحدة الأمريكية، التي يقوم رئيسها ليلاً بالتفاخر بما حصل وضمّه إلى «إنجازاته» الدبلوماسية الرفيعة، ثم يقوم، بعد صياح الديك، بعرض التوسّط في المشكلة ودعوة الزعماء المعنيين إلى البيت الأبيض لحلّها، وتعلن واشنطن موافقتها على صفقة مقاتلات أمريكية كبيرة للدوحة!
اهتزاز نوّاس القوّة الأمريكية العظمى العجيب هذا لم يكن أقل عجباً من «سوريالية» الحال الإقليمي والعربي الذي بدا مثل مشاهد من الكوميديا السوداء مع اندفاع أطراف مثل «جزر المالديف» وتشاد وحكومة طبرق الليبية إلى الاصطفاف في حفل إعلان الولاء والبراء للسعودية والإمارات وصب اللعنات على قطر، وهو حفل كان ينقصه دول مثل بوتان وميكرونيزيا وجزر الكريسماس كي تكتمل البهجة وتعمّ الأفراح!
كان عجيباً أيضاً أن يقوم وزير الخارجية السعودي، المعروف برصانته، عادل الجبير بترجمة تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول وقف تمويل الإرهاب لنعرف أن الإرهاب المقصود هو حركة «حماس» الفلسطينية، وهو ما يعني، بطريقة غير مباشرة، اعتماد التعريف الإسرائيلي للإرهاب، في «تسليك» فظّ للخطة سيئة السمعة لـ»تسوية» عربية مع إسرائيل على حساب الفلسطينيين، وفي ذلك ما فيه من تغافل عن المضامين الأخرى للتعريف الإسرائيلي الذي يمكن مطّه، عند الحاجة الإسرائيلية، ليتضمن السعودية نفسها (والذي يصفها الإعلام الإسرائيلي عادة بأنها بلد مستبد رجعيّ مساند للإرهاب) والمسلمين عموماً، كما لا ينتبه إلى المديح غير المباشر الذي يزجيه لقطر باعتبارها أحد أركان حماية القضية الفلسطينية عبر دعمها للفلسطينيين وليس لحماس والسلطة فحسب.
الدول المشاركة في الحصار، بما فيها «أشقاء» قطر الخليجيون، ستتأذى اقتصادياً بقدر تأذي قطر أو أكثر، لكنّ حدّة الحملة وعنفها أدّت إلى تحرّك مضاد سيشكّل درساً غير متوقع لغير النابهين في الجغرافيا السياسية، ففي حين وافق البرلمان التركي على إرسال قوّات إلى القاعدة التركية في قطر، فإن إيران سارعت إلى اقتناص الفرصة وعرضت تخصيص موانئ لتزويد الدوحة بما تحتاجه.
وإذا كان هذا الاندفاع للحملة ممكن الحصول من قبل الإمارات، التي جعلت من معاكسة قطر «استراتيجية» سياسية، فإن هذه النقلات السريعة على شطرنج الأمم، وما فتحته من احتمالات كبرى، تثبت الخطأ السياسي الكبير الذي قامت به الشقيقة السعودية الكبرى تجاه قطر، وهو أمر سيدفع قيادتها، من دون شكّ، إلى سحب تلك القرارات، وعسى أن يؤدي إلى محاسبة من أملوا بتخلّي قطر عن سيادتها ولم ينتبهوا إلى المخاطر التي فتحوها على أنفسهم وعلى المنطقة.
هو درس في الجغرافيا السياسية على الجميع أن يقرأوه بتمعّن.