دروع بشرية في الأزمة الخليجية
د. مثنى عبدالله
Jun 27, 2017
ليست المنظمات المصنفة إرهابيا وحدها هي من تستخدم السكان دروعا بشرية، بل هنالك دول باتت تستخدم هذا الأسلوب أيضا لتحقيق أهدافها السياسية في صراعاتها مع دول أخرى.
لكن الأكثر غرابة في هذا الموضوع هو أن يتم تطبيق هذا الاسلوب ضد شقيق، كما هو حاصل اليوم ضد شعبنا العربي في قطر. صحيح هي ليست المرة الأولى التي تحصل، فقد سبق ذلك حصار ضد العراقيين، كان فيه الاشقاء الأكثر قسوة في تطبيقه، لكن هذه المرة الوضع مختلف مع قطر. فحصار العراق كان الاشقاء يبررونه بأنه التزام بقرارات الشرعية الدولية، لكن ما هو التبرير لحصار قطر اليوم؟ وما معنى أن يقفز صانع القرار السياسي في دول الحصار من فوق كل الاجراءات الممكنة الاخرى، كالطرق الدبلوماسية والأعراف القبلية والصلات العائلية، التي منذ أكثر من 36 عاما كان مجلس التعاون الخليجي يتغنى بها، ليصل إلى ذروة الاجحاف والظلم بحق الشقيق القطري؟
هنا لابد من القول بصراحة متناهية، بأن دول الحصار اتجهت اتجاها لاأخلاقيا في تطبيق سياساتها، حينما وضعت شعبنا في قطر والسعودية والامارات والبحرين، وقودا لماكنتها السياسية، في سبيل تحقيق أهدافها ضد قطر. بمعنى أنها وضعت هذه الكتلة البشرية دروعا أمامية تضغط بها تجاه النظام السياسي في الدوحة، كي تجبره على الركوع والاستسلام وتغيير سياساته، وهو الفعل نفسه توصيفا وحقيقة، ذلك الذي تستخدمه المنظمات المصنفة إرهابيا، حين تريد الدفاع عن نفسها في حالة شن الحرب عليها. بمعنى آخر، أن صناع القرار في مجموعة دول 3+1، وضعوا معاناة أهلنا في الخليج وسيلة لإنجاح قرارهم السياسي. فأية قراءة سريعة لاجراءات دول الحصار ضد قطر، وأية نظرة إلى الصورة التي نتجت عن هذه القرارات، تأخذنا إلى تشتت غير مسبوق لعائلات لا ناقة لها ولا جمل في كل ما حصل. فطفل رضيع يحمل الجنسية الإمارتية يتم فصله عن أمه لانها من دولة قطر، ويطلب من أرملة تقيم مع أولادها بالعودة إلى بلدها وتركهم، لأنهم يحملون الجنسية القطرية، وكثير من الطلبة تركوا مقاعد دراستهم في الفصل الأخير من السنة الدراسية، فقط لان اشتباكا سياسيا حصل بين الاشقاء. ومئات العوائل ضربها زلزال التشتت لان أفرادها كانوا يحملون جنسيات خليجية مختلفة، كما انتهكت أبسط حقوق الإنسان في حرية التنقل والإقامة، في وقت كان فيه المسؤولون أنفسهم يباركون دائما هذه الحريات، التي تم تشريعها داخل منظومة مجلس التعاون الخليجي.
إن أستهداف المدنيين بشكل مقصود وسافر لتحقيق هدف سياسي ضد دولة أخرى، يعني ممارسة الإرهاب بشكل واضح وجلي. فليس اختباء العناصر المسلحة والميليشيات داخل الاحياء وبيوت المواطنين، وإجبارهم على البقاء في بيوتهم وعدم تركها، تجنبا للقصف الذي يطال عناصر هذه الجماعات وحده إرهابا، بل صنع قرارات سياسية، حشوتها الدافعة مأساة المواطن، والإخلال بعلاقاته الاسرية والاجتماعية يسمى إرهابا أيضا. فرئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في قطر، يشير إلى أن الاجراءات التي قامت بها دول الحصار تؤدي إلى (تشتت الاسر وتترك الكثير من الآثار السلبية على العلاقات الاجتماعية). وأن التقرير الصادر عن هذه اللجنة في 13 يونيو الجاري يحدد بأن 11387 مواطنا من دول الحصار كانوا يقيمون في قطر، دفعوا ثمن هذا الإرهاب السياسي، حين اضطروا لترك منازلهم ووظائفهم ومدارسهم، وعادوا مجبرين إلى دولهم، لان عدم العودة تعني أنهم يخالفون أمر الله وولي الأمر.
كما تسببت قرارات الحصار في إجبار الكثير من أصحاب المشاريع التجارية الصغيرة لغلقها والعودة إلى بلادهم، وبذلك نكون أمام عملية قطع للارزاق ومحاربة الناس في مصادر كسبهم وعيشهم.
على صعيد آخر فإن الاجراءات المتخذة ضد قطر لم تسلم من انتقادات منظمات حقوقية دولية أيضا. فقد نددت منظمة العفو الدولية بالحصار، ووصفته بأنه تلاعب بحياة الاف من المواطنين الخليجيين، لانه دمر سبل عيشهم وفرق شمل عوائلهم. كما أشار مفوض الامم المتحدة السامي لحقوق الإنسان رعد بن زيد، إلى التأثير المحتمل للحصار قائلا «إن التدابير المتخذة بشكل مفرط ضد قطر، تعرقل بشكل خطير حياة الالاف من النساء والاطفال والرجال»، وإن الإجراءات التخفيفية التي أعلنتها السعودية والامارات والبحرين، لمعالجة الاحتياجات الانسانية للعائلات المختلطة الجنسية غير فعالة. في حين نبهت منظمات حقوقية عالمية عديدة، إلى أن توجيه الاتهامات إلى قطر، دون تحقيق قضائي مستقل، يعني احتكار هذه الدول الحقيقة لنفسها فقط . كما تساءلت عن قانونية مقاطعة وحصار مؤسسات خيرية مهنية، كانت تعالج أزمات إنسانية في مختلف بقاع الارض بالمشاركة مع منظمات دولية.
لقد غيبت الكراهية والضغينة عن ذهن صانع القرار السياسي لدول حصار قطر، بأن هذا الاجراء، صحيح أنه أداة فعالة في الحاق الضرر بالدولة المُحاصرة من الناحية النظرية، لكن في المنظور العملي لن تتحقق به أية مكاسب سياسية. فالتراث السياسي العالمي يشير إلى أن تجارب فرض الحصار على الدول لم تأت ثمارها، بل أخفقت حتى في تحقيق الحد الادنى من الأهداف المرجوة من وراء فرض الحصار. وكلما مر الوقت فإنه يتآكل ويتفكك، بل يساعد الدولة المفروض عليها بأن تجد الكثير من البدائل والمنافذ والطرق التي تساعدها للتخلص منه، وهو ما سلكه صانع القرار السياسي القطري. كما أن الحصار يكون في حكم الفاشل حين يكون اقتصاد الدولة المستهدفة أقوى من اقتصاديات الدول التي حاصرتها، وتتمثل هذه الحقيقة في الاقتصاد القطري القوي، المرتبط بالاقتصاد العالمي، إضافة إلى أن الضرر الذي يلحقه يصبح ذا مردود سلبي على الدول التي فرضته، حينما تتأثر بسببه دول أخرى. مثال ذلك الحصار الذي كان مفروضا على العراق والذي اضر بدول كثيرة، مما دفعها للتهرب منه سرا وعلنا، واضطر الولايات المتحدة والامم المتحدة لدفع تعويضات لتلك الدول.
لقد ثبت بالدليل القاطع أن الحصار الاقتصادي، وغلق الطرق البرية والبحرية والاجواء، أداة فاشلة في تغيير سلوك وسياسات الدول المُستهدفة. كما أن تأثيراته تبقى بعيدة عن المساس بالحياة اليومية للسلطات الحاكمة، لكن تأثيره الأبرز هو في حياة الشعوب والفرد البسيط، الذي تمسه تلك الاجراءات بشكل قاس. فهل من صدى في نفوس القطريين لتغريدة وزير الخارجية البحريني في حسابه على تويتر وهو يقول «أهل قطر منا وفينا» متجاهلا كل هذه المأساة الانسانية، وحجم الكارثة التي يزرعونها داخل أسرنا ومجتمعاتنا، وذاكرتنا وتاريخنا وتقاليدنا وأعرافنا؟ وكأني بهم يقولون له ولصانع القرار السياسي الاماراتي والسعودي، ماذا أبقيتم لنا بعد حتى تقولوا بأنا منكم وفيكم، وقد جرّمتم حتى الذي يتعاطف معنا بكلمة أو تغريدة، فعقوبته تصل إلى السجن لمدة 15 عاما، وغرامة مالية كبيرة؟
كنا نتمنى على الوزير أن يسأل العراقيين إن كانت الذاكرة قد خانتهم فنسوا حصار أشقائهم عليهم في سنوات الحصار الذي فرض على العراق آنذاك. كما نأمل أن نعرف أن قد تم تطبيق عُشر هذه الاجراءات التي طبقت ضد قطر، قد تم تطبيقها ضد الكيان الصهيوني أو إيران.
يقينا سيجهد صانع القرار السياسي القطري نفسه في تخفيف الحصار عن شعبه، ما يعني تمسكا شعبيا أكبر من ذي قبل به، وستذهب كل أهداف دول الحصار سدى.
باحث سياسي عراقي