رسالة مفتوحة إلى صانع القرار القطري
د. مثنى عبدالله
Jul 11, 2017
أستميحك عذرا سيدي في جرأة السؤال، عن ما الذي يدفع قطر للبقاء في منظومة مجلس التعاون الخليجي؟ فلقد أثار قرار بعض أعضائها حصار أهلي في قطر، مرارة سنوات عجاف مضت، وأعاد لنا صور كل خيبات الأمل التي عانتها أجيالنا العربية من منظومات ظننا أنها نواة وحدة عربية، أو في أضعف الإيمان خطوة ولو بسيطة نحو تعاون وتضامن ومودة على غرار الكثير من دول وشعوب العالم، التي نجحت في تشكيل مؤسسات لهذا الغرض، على الرغم من أن الروابط التي تربطها ببعضها بعضا لا تساوي عُشر ما يربطنا نحن كأمة.
اجتماعات ثنائية وثلاثية ورباعية وقمم سنوية، وعناق ورقص بالسيوف وتقبيل لحى وأنوف ورؤوس، شاهدناها على مدى ستة وثلاثين عاما من عمر مجلس التعاون، ثم وجدناها في لحظة واحدة كجبل جليد انهار، فتحول إلى تيار جارف يقتلع كل ما في طريقه من آمال وأحلام لشعبنا العربي في الخليج والوطن العربي الكبير. وراح الإخوة ينبشون في تاريخ العالم السياسي عن كل القرارات السياسية الجائرة، وعن أكثر العقوبات قسوة، وعن أظلم الاتهامات كي يطبقوها ضد شقيق لهم، كان حتى الأمس القريب واحدا من بين صفوفهم، فأغلقت الأجواء وأقفلت الحدود البرية والبحرية، وطُرد المواطنون القطريون من أرض عربية كانوا يعيشون ويعملون ويدرسون فيها لانها وطنهم، بل حتى المواشي والابل العائدة لهم التي كانت ترعى في دول الحصار، اعتبروها تهدد الامن الوطني لدول الحصار، فجرى الدفع بها إلى الاراضي القطرية عبر الحدود.
أما صور التشتت العائلي وتمزيق النسيج الاجتماعي في المجتمع الخليجي، فقد اثارت في كل بيت عربي غصة، واستدرّت فينا كل مخزون هموم الوطن العربي. فهل يُعقل أن تُجبر أُم على فراق أولادها لانها تحمل جنسية قطرية؟ وهل حقا يمكن أن يتم فصل زوجة عن زوجها فقط لان جنسيتها قطرية؟ وأن يُجبر طلبة المدارس والجامعات والمعاهد على ترك مقاعد الدراسة لانهم يحملون جنسية دولة خليجية باتت في لحظات مغضوبا عليها؟ ثم يضع صانع القرار السياسي والامني كل عبقريته في قرارات جائرة تُجرّم كل من يتعاطف مع قطر بالسجن سنين طوال وغرامات مالية باهظة؟ وانطلقت جيوش الدبلوماسية الخليجية والمصرية إلى دول العالم لشيطنة قُطر عربي، واختراع قصص وروايات ضده، وحث الدول الاخرى بالترغيب والتهديد على قطع علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية معه، وتجميد استثماراته وأصوله المالية في البنوك. والإيعاز إلى الإعلام بشن أبشع وأقذر حملة ضده، والطلب من كل الاعلاميين ترك العمل في وسائل الاعلام القطرية، متوعدين من لا يفعل ذلك بالويل والثبور وعظائم الامور.
أهذا هو مجلس التعاون الخليجي إذن؟ نعم لم يكن مجلس التعاون الخليجي منظومة حقيقية، بل كان أشبه بتجمع قبائل متحالفة في ما بينها، ولم يستطع خلال عقود من الزمن أن يقدم خطوة حقيقية واحدة تدل على أنه في صحة جيدة. فلا جواز سفر موحد، ولا سياسة خارجية واحدة، ولا منظومة أمنية حقيقية شاملة لدوله، ولا سوق خليجية مشتركة حقيقية. ومع كل ذلك كان بصيص أمل على الاقل لشعبنا العربي في الخليج، على الرغم من أن السياسة القطرية تجاوزته في نجاحاتها على الصعيد الدولي والاقليمي، ونجحت في بناء علاقات دولية مثمرة، ومارست أدوارا سياسية وأمنية واقتصادية في أصقاع كثيرة من العالم، لن يستطيع المجلس أن يقوم بها حتى لو امتد به العمر إلى عقود أخرى.
وكان لتراكم النجاحات التي جنتها قطر أثر كبير في أن ينظر العالم الغربي اليها نظرة مختلفة تماما عن نظرته إلى دول الخليج الاخرى. فلقد أحب الغرب المال الخليجي وليس السياسة الخليجية والزعماء الخليجيين، بينما كان ينظر باحترام إلى ما يخرج من الدوحة من سياسة فاعلة وأفكار ورؤى مثمرة، وصانع قرار سياسي شاب يضخ الفاعلية والحداثة في سياسات بلده، على عكس الاخرين الذين باتوا يتمسكون بالسياسات المحافظة. وهذه هي النقطة الحساسة والاساسية التي قصمت ظهر مجلس التعاون الخليجي، وهي نفسها التي كان بسببها صب الاخرين جام غضبهم على قطر. فاحتكار الفعل السياسي، والعيش في قوالب سياسية واقتصادية وأمنية عفا عليها الزمن، والتحرك السياسي بمنطق القبيلة، والاعتماد الأعمى على حليف واحد، وهجر القضايا العربية المصيرية كقضية فلسطين وتجريم المقاومة، واحتكار التحدث مع العالم الغربي كلها كانت أعمدة حكم الشقيقة الكبرى. فهل من المنطق أن تعيش قطر في هذا الجلباب، وأن تُقزّم نفسها كي يرضى عنها الاشقاء في دول الحصار؟
إن الزعامة التي تريد الشقيقة الكبرى فرضها بقوة شكلها الهندسي، وبما تملكه من سلعة البترول الاستراتيجية ومركزها الروحي، لم تجلب إلى العربي غير الخيبات والهدر غير المبرر للثروات، وضياع العراق وسوريا ولبنان واليمن، لانها وقفت أزاء كل هذه القضايا، أما موقف المساهم في النكبة، أو المتفرج بانتظار القرار الامريكي الذي يأمرها متى تقف ومتى تتحرك. واليوم بات لدى صانع القرار السياسي فيها توجيه خارجي، بالتحرك نحو التطبيع مع إسرائيل ودفن القضية الفلسطينية إلى الأبد. لذا أصبح في حكم الاستراتيجي أن يتم إيقاف المسيرة السياسية القطرية، وأن يتم تجريم المقاومة الفلسطينية وتشويه صورتها، من خلال الضغط عليها كي ترتمي في أحضان إيران، عندها تنطلق الابواق المأجورة للترويج بضرورة تجريمها بحجة أن إيران هي من تدعمها. سيدي صانع القرار في قطر. لقد ذهب زعماء دول الحصار إلى كل مديات الحقد الاعمى، بعد أن نسوا مديات العروبة والاسلام الرحبين، ومازلنا نرى توسلكم بالدماء أن لا تتحول إلى ماء، كي لا تتجمد في عروق الاشقاء، لكن صبركم اللامحدود على سياسات الاخرين، أنما يتغافل عن حقيقة المشروع الذي يرومه هؤلاء. ولقد بات من مصلحة الامة وليس من مصلحة قطر وحدها الوقوف بوجه مشروعهم، كي لا تنطفأ آخر جمرات المقاومة، وإن تنازلتم عن استقلالية القرار القطري، إكراما للقبيلة وللشقيقة الكبرى، فتسنون سنة تقضي على كل رأي آخر ينهض في الامة، وبذا ستتحملون وزر ذلك ومن عمل به إلى حين، لانهم يريدون الاخضاع لا المشاركة والتبعية لا الشورى، والزعامة المفروضة لا المستحقة بالفعل البطولي والموقف المسؤول. وإذا كان الواجب قد فرض علينا الوقوف في خانة الدفاع عن سياسات قطر، فليس معنى ذلك أن سياساتكم كانت نموذجية، بل نعترف بأنها فعل بشري يحتمل الصواب والخطأ. لكن ما نتصدى له أنما مشروعهم الذي يريد النيل من كل صوت عربي لا يغرد في سربهم.
باحث سياسي عراقي