إسرائيل على خطى دول الحصار
مثنى عبدالله
Aug 08, 2017
في السادس من الشهر الجاري طالب وزير الاتصالات الإسرائيلي بسحب تصاريح العمل الصحافية لمراسلي قناة «الجزيرة». وقال في بيان رسمي «وفقا للمادتين 4، 6 في قانون الصحافة: «قناة الجزيرة محرضة وعنصرية ومصيرها الإغلاق». مضيفا أنها «أصبحت الأداة الرئيسية لتنظيم الدولة الإسلامية، وحركة حماس، وحزب الله وإيران».
نشير هنا إلى أن رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو قال في السادس والعشرين من الشهر المنصرم «إن شبكة الجزيرة تواصل التحريض على العنف، وسأعمل على تفعيل التشريع اللازم لطرد الجزيرة من إسرائيل». وقد فصّلت وزارة الاتصالات في بيان لها الإجراءات التي ستتخذها ضد القناة، وصولا إلى الإغلاق، حيث شرح البيان الخطوات اللازمة لهذا الإجراء وهي، إلغاء تصاريح عمل صحافيي شبكة «الجزيرة» التي يبلغ تعدادهم أكثر من ثلاثين شخصا، ووقف بث قنواتها في إسرائيل، واستخدامها للاقمار الصناعية، أو خدمات الاشتراكات الارضية. كما أنها ستحاول الحد من قدرات القناة على البث عبر الأقمار الصناعية المفتوحة التي تسمح لغالبية المشاهدين من العرب بمتابعة المحطة. علما بأن الحكومة الاسرائيلية كانت قد عقدت اجتماعا، نهاية الشهر الماضي، ناقشت فيه هذا الموضوع بحضور ممثلين عن وزارة الخارجية وجهاز الشاباك ومكتب الصحافة الحكومي.
الجدير بالانتباه في هذه القضية، أن الاتهامات التي أعلنت في بيان وزارة الاتصالات الاسرائيلية وتصريحات وزيرها ليست جديدة، حيث كانت إسرائيل تتهم هذه القناة منذ سنوات بالانحياز في تغطية الصراع القائم بين الفلسطينيين والصهاينة، على الرغم من أنها ليست وحدها من قامت بالتغطية، بل كان معها الكثير من القنوات الفضائية العالمية المعروفة، لكن توقيت الإعلان الآن عن الشروع باتخاذ إجراءات الحصار كمرحلة أولى وصولا إلى الغلق يشي بأشياء كثيرة، ويتعلق مباشرة بالسياستين الداخلية والخارجية الاسرائيلية. على الصعيد الداخلي يعاني رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو من ضغوط قضائية تتعلق بتهم فساد تطاله، وهو يريد من موضوع قناة «الجزيرة» منصة يصرف بها الانظار الداخلية عنه. أما في الجانب المتعلق بالسياسة الخارجية، فإن وزير الاتصالات الاسرائيلي يقول حول قرار وزارته إنه «يتوافق مع ما قامت به دول عربية ـ يقصد دول الحصار – من إغلاق لمكاتب الشبكة، ومنع بثها وحظر مواقعها وتطبيقاتها» أي نحن أمام تبريرات مشابهة لما أعلنته دول الحصار، التي استندت إليها في قضية الغلق. وتبرز أهمية هذا الجانب على غيره في أنه يعطي للمراقب السياسي قاعدة مؤشرات، تدل على أن الطرفين الاسرائيلي ودول الحصار تجاوزا نقطة الحد الادنى من المصالح المشتركة، وذهبا بعيدا في انتهاج سياسة يكمل بعضها الآخر، أي عندما يتناغم طرفان دوليان في اتخاذ قرارات متشابهة من مسألة ما، فإنما يدل ذلك على أن قنوات الاتصال السري تمت تنحيتها جانبا، وفتحت قنوات الاتصال العلني في الجوانب السياسية والاستخباراتية، بحيث ساعدت المعلومات المتبادلة على الوصول إلى قناعة اتخاذ قرار مشترك واحد. وفي هذا الصدد بالتحديد، لم يعد خافيا على أحد أن الخطاب السياسي العلني والسري المُسرّب بين إسرائيل ودول الحصار، وكذلك الخطاب الإعلامي المسموع والمقروء والمشاهد لكلا الطرفين، بات يصب في اتجاه واحد زادت لهجته بعد حصار قطر، لكنه كان موجودا ما قبل الازمة أيضا. وقد جسدته تصريحات مسؤولين سعوديين مهمين، جمعتهم لقاءات علنية بشخصيات إسرائيلية، قادت إلى أن يتجرأ أحد عرب الجنسية في الدعوة إلى قيام علاقات طبيعية مع الكيان الصهيوني، داعيا إلى إيقاف جميع أشكال المقاومة ضد إسرائيل، بدعوى (أن المقاومة لم تقتل ذبابة) على حد تصريحه. تبعه آخر من الجنسية نفسها قائلا «من الغباء السياسي أن يعطل العرب سبعة أو ثمانية بنود من المصالح من أجل قضية واحدة هي فلسطين».
كل هذه التصريحات والتفاعلات السياسية المشتركة بين دول الحصار وإسرائيل، تعطي انطباعا واحدا بأن الأهداف لديهم مشتركة. فالصهيانة أقدس أهدافهم هو طمر القضية الفلسطينية إلى الابد، كما أن دول الحصار لديها الهدف نفسه لأنها تعتبر هذه القضية هي البوابة التي سينطلق منها الجحيم الشعبي فيطيح بهم جميعا عاجلا أم أجلا. ولان قناة «الجزيرة» ساهمت على مدى عقدين من الزمن في إعادة تشكيل الوعي العربي حول هذه القضية وغيرها، ولأنها حاربت أمية الوعي السياسي ورفعت الغطاء عن الانظمة الفاسدة، وساهمت في صياغة سياسة جديدة للتحصين الوطني ضد الملاذات الخبيثة في الإعلام الفاسد والمبتذل، ولانها رفضت المساهمة بمؤامرة عكس الوعي وحرف زاوية النظر لدى المواطن العربي عن قضاياه المصيرية، التي ساهمت بها دول الحصار مساهمة فعالة، ولانها كذلك استخدمت النمط الابتكاري القائم على تفعيل القيم والمبادئ العليا في المجتمع، وراهنت على حيوية القيم لدى الإنسان في وطننا. كما أنها كشفت وبجرأة كبيرة ممارسات وسياسات غير إنسانية ولاأخلاقية، سواء في إسرائيل أو في دول الحصار، لكل هذه الاسباب فإن «الجزيرة» يقينا ستكون عدوا مشتركا للصهاينة ولعرب الجنسية، الذين لم يألوا جهدا ولم يدخروا مالا ولا جاها الا واستخدموه ضد شقيق عربي في اتهامات باطلة، بينما ادخروا كل الجهود وكل الأموال بعيدا عن القضية الفلسطينية، وعن كل قضايا الامة ماضيا وحاضرا.
لقد نقلت قناة الجزيرة نبض الاشقاء في فلسطين إلى كل بيت عربي، وساهمت مساهمة فعالة في جعل القضية الفلسطينية، وحصار أهلنا في غزة، ومعاناة كل الفلسطينيين، ومقاومة المقدسيين لتهويد القدس، وممارسات الصهاينة اللاأخلاقية واللاإنسانية، زادا يوميا على مائدة كل عربي، حتى أماطت اللثام عن وجه إسرائيل البشع، التي كانت على الدوام تتبجح بأنها الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الاوسط. وها هي تحارب الإعلام وترفض نقل الحقيقة تسترا على كل الجرائم التي ترتكبها يوميا.
واضح أن قرار الإغلاق الذي أعلنه الوزير الاسرائيلي يحتاج إلى تشريع يقدم بصيغة مشروع قانون إلى الكنيست، كما يحتاج إلى موافقة المستشار القانوني للحكومة الاسرائيلية، لكن كل ذلك ليس صعبا تحقيقه، في ظل الاتهامات الموجهة للقناة، التي تمس ما يسمى الامن القومي الاسرائيلي.
أليست مفارقة كبرى أن تتجه إسرائيل ودول عربية إلى إغلاق قناة إخبارية عربية، بينما يعج الفضاء العربي بآلاف القنوات التحريضية الدينية والمذهبية والعنصرية المقبلة من خلف الحدود العربية، أو من داخل الحدود بتمويل أجنبي؟
باحث سياسي عراقي