مجلس الأمن يدفن جرائم غزو العراق هيفاء زنكنة Sep 26, 2017
أصدر مجلس الأمن، في 21 سبتمبر/أيلول، قرارا ينص على « تشكيل فريق تحقيق لجمع وحفظ الأدلة عن الجرائم الخطيرة التي ارتكبها تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) «. وهي خطوة كان بالإمكان ان تكون مهمة جدا، على مستوى أبعد مما تنص عليه، لتوثيق الجرائم، ومحاسبة مرتكبيها وتعويض المتضررين. أي كان بالإمكان ان تُصبح جزءا من تحقيق العدالة الانتقالية، من خلال العمل على كشف حقيقة أحداث ستبقى حية، لفرط بشاعتها وما سببته من أضرار، في ذاكرة العراقيين على مدى سنين مقبلة. فجاء اقتصار تحقيق مجلس الأمن بجرائم (داعش) انتقائيا يتوخى اضاءة زاوية واحدة من الجرائم المرتكبة بحق العراق بينما يُغلف بقية الجوانب بعباءة من الظلام.
هل هو قرار متعمد لطمر مسؤولية الدول، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، في غزو العراق وتفكيك دولته، وجيشه، ونصب حكومات طائفية فاسدة، لم تبق أي بند من بنود حقوق الانسان الا وانتهكته منذ عام 2003 وحتى اليوم، بذريعة محاربة الإرهاب؟ ألم يَطلع مجلس الأمن على سجل الجرائم التي ارتكبتها قوات الغزو الأنكلو أمريكي التي لو أُتيح وزنها لبلغت الأطنان؟ من التعذيب المروع في أبو غريب إلى استخدام اليورانيوم المنضب على المدن التي لاتزال مهدمة ونسائها يلدن أطفالا مشوهين، إلى جرائم المرتزقة الذين، باعترافهم، كانوا يتسلون بقتل المدنيين، إلى مجزرة حديثة وساحة النسور ببغداد، إلى قصف المدن باسم « التحالف الدولي» وتبرير وشرعنة قتل ودفن الضحايا من المدنيين تحت الأنقاض باسم «التحرير»؟ ألم يسمع قادة العالم « الحر» صوت منظمات حقوق الانسان العراقية المطالبة، المرة تلو المرة، منذ سنوات، بالتحقيق في جرائم لم يعد بالإمكان السكوت عنها؟ جرائم ترتكبها القوات الأمنية العراقية التي يشرف على تدريبها كل من أمريكا وبريطانيا بين دول أخرى ترفع راية الدفاع عن حقوق الانسان، عاليا؟ ماذا عن الأفلام والفيديوهات الموثقة لشهادات المعتقلين الذين يعانون من التعذيب بأنواعه والذي يمتد التعذيب إلى عوائلهم ليصبح عقوبة جماعية مدانة من كافة القوانين الدولية؟
قوبلت الجرائم المرتكبة، بأنواعها، وبضمنها سياسة التغيير الديموغرافي ومنع النازحين من العودة إلى مناطقهم وبيوتهم، وحملات التصفية الجسدية للصحافيين والعلماء والأكاديميين بالصمت المطبق. المفارقة، التي نشهدها الآن، ان الدولة التي قدمت مشروع القرار إلى مجلس الأمن هي بريطانيا بعد أن تعاونت مع النظام العراقي على إنشاء هيئة تحقيق في جرائم (داعش) بالعراق. ومنبع المفارقة انها ذات الدولة التي ساهمت بشن حرب عدوانية، غير قانونية ضد العراق، برئاسة توني بلير المتهم بأنه مجرم حرب، وارتكبت قواتها جرائم أوقفت التحقيق فيها، بعد ان تبين انها تجاوزت الادعاء بوجود « تفاحة فاسدة» واحدة.
في تقريرها الأخير المعنون « مجلس الأمن: إهدار فرصة للعدالة الشاملة»، الصادر منذ أيام، قالت منظمة «هيومن رايتس ووتش»، إن مجلس الأمن الدولي ضيّع فرصة أساسية للتصدي لجرائم الحرب والانتهاكات الحقوقية المرتكبة من قبل مختلف أطراف النزاع في العراق. وأكدت بلقيس جراح، مستشارة أولى للعدالة الدولية في المنظمة أن التحقيق في الفظائع التي ارتكبتها (داعش) في العراق ضرورية «لكن تجاهل انتهاكات القوات العراقية والدولية لا تشوبه عيوب فحسب، إنما ينقصه أيضا بعد النظر. فالعدالة لازمة لجميع الضحايا الذين شهدوا تعذيب وقتل أحبائهم أو أُحرقت بيوتهم وقُصفت، بغض النظر عن الطرف المسؤول».
وإذا سايرنا مجلس الأمن بتناسي جرائم ما قبل داعش، فان الاستهانة بحقوق الانسان من قبل القوات العراقية وميليشيات الحشد الشعبي تبقى جسيمة في وضع يماثل الغابة في لا قانونيته. خاصة حين يلقى القبض على أحد الأشخاص المشتبه بانتمائه إلى داعش فيتعرض إلى التعذيب والاعدام الفوري بدون ان يقدم إلى القضاء. ولأن انتهاكات حقوق الانسان والاعدامات تمر بدون مساءلة، يسود الأحساس بين قوات الأمن والميليشيات بأنها تتمتع بالحصانة من العقاب مهما ارتكبت، وأنها خارج القانون.
طالب الاتحاد الأوروبي و»مفوضية حقوق الإنسان»، بالأمم المتحدة، العراق بالانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية، ما يسمح بملاحقات قضائية على الجرائم الجسيمة التي ارتكبتها أطراف النزاع جميعا، إلا ان رئيس الوزراء حيدر العبادي أخبر « هيومن رايتس ووتش»، في مارس/آذار 2016، إن العراق لا يعتزم الانضمام. وتعتقد المنظمة «أن السبب هو خشية أن تتمكن المحكمة من فحص الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها قوات الأمن الحكومية والشرطة الاتحادية وقوات الحشد الشعبي وقوات الأمن الكردية». وعلى الرغم من وعوده المتكررة، « لم يُظهر العبادي بعد محاسبة السلطات العراقية لجندي واحد على أعمال قتل وتعذيب العراقيين أو غير ذلك من الانتهاكات في هذا النزاع».
وكان « مركز جنيف الدولي للعدالة» قد وثّق في جميع رسائله ونداءاته انتهاكات عديدة بحجّة محاربة تنظيم داعش، بما في ذلك التعذيب والاغتصاب والإعدام بإجراءات موجزة والاختفاء القسري والقتل خارج نطاق القضاء.
ويشترك المركز مع المنظمة في دعوة الأمم المتحدة إلى إجراء تحقيقات مستقلّة بشأن الجرائم التي ارتكبت والضغط على الحكومة العراقية لمساءلة الجناة وتقديمهم للعدالة. والتذكير المستمر بأن انتهاكات قوات الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان و»قوات الحشد الشعبي» تعود إلى زمن بعيد، وإنها لاتزال مستمرة، في العديد من المناطق، آخرها محافظة تكريت التي هاجمتها قوات الحشد وأجبرت السكان على النزوح ونهبت البيوت، منذ أيام، وان المعركة ضد داعش أعطت هذه القوات المجال لتنفيذ انتهاكات تحت غطاء مكافحة الإرهاب.
وفي رسالة وجّهها، بتاريخ 13 تموز/ يوليو 2017، إلى السيد المفوّض السامي لحقوق الانسان، اكدّ مركز جنيف الدولي للعدالة أنّ التحالف الدولي بقيادة الولاياتِ المتحدة الأمريكيّة، والقواتِ العراقيّة قد ارتكبَا انتهاكاتٍ جسيمة وممنهجة، يضاف إلى ذلك الجّرائم البشِعة التي ارتكبتها ميليشيات الحشد الشّعبي. ولغرض وضع تدابير للمساءلة القانونية، طالبَ المركز إنشاء لجنة دوليّة مستقلة للتحقيق في الانتهاكات التي ارتكبت في العراق وانشاء محكمة جنائيّة دولية، لمحاكمة مرتكبيها وتحقيق العدالة للشعبِ العراقيّ.
ان قرار مجلس الأمن، الانتقائي سياسيا، الأحادي الجانب، لن يحقق العدالة التي يجب ان يتمتع بها جميع المواطنين، بلا استثناء، إذا ما أريد للعراق ان يتعافى من دورة العنف والإرهاب، سواء كان مرتكبوها افرادا او جماعات او دولا.
٭ كاتبة من العراق