عنـــوان مخلــد المخــــتار : القــــدس وبغــــــداد
شبكة ذي قار صلاح المختار
بهدوء رحل وتركنا كما اتى الينا بهدوء رجل كلمته واحدة وهويته راسخة ورسمه متفرد وعنوانه المعلن والعملي القدس وبغداد ، عندما تنظر في لوحات الفنان العالمي مخلد المختار تجد القدس محفوظة في ازقة بغداد ولا تفارق شناشيل البصرة تفوح بعطور الموصل متعانقة مع المنارة الحدباء تشكو ظلم الانسان ، القدس بالنسبة لمخلد المختار هي هوية بغداد والموصل والبصرة : الم تصبح الموصل وبغداد مثل القدس خرابا وتدميرا وعلى يد نفس الجهات التي هندست كوارثنا ؟ كان مخلد معي مديرا عاما لمركز صدام للفنون وكنت مديرا عاما للاعلام نبتسم سوية للابداع بكافة اشكاله ونصنع للعراقيين والعرب فجرا عظيما خشيت افواج خفافيش الظلام القابعة في قم وطهران وتل ابيب وفي بيت العم سام من انتشار نوره البهي فسارعت لاطفاء مشاعل النور المتدفقة من بغداد لتلحق بالقدس حبيبة مخلد المختار في صباه وشبابه وشيخوخته !
وقفنا نرقب الليل البهيم الضاج بكل مفارز الخوف والدم والدموع والذي خيم علينا عندما وصلت دبابات العم سام برفقة فريق الموساد الى المتحف العراقي لتنهب كل الادلة المادية التي تفضح تزوير التاريخ بحفظها لكتابات مسمارية تكشف التاريخ الحقيقي للالفيات الثمانية الاخيرة وربما ما قبلها ، وكان الفن وسط معمة النهب والتدمير للمتحف لان تماثيل هوية العراق كانت هي الهدف وهي اعمال فنية تدخل في اختصاص مخلد المختار الرسام المبدع ، ومع كل تدمير لتماثيل هويتنا وادلة وعينا للعالم القديم وهي محدد موقعنا في العالم الجديد كنا نحشر حشرا في مسارات انفاق لانور فيها وتتحكم فيها افاع لا تلدغ مرتين اذ تكفي لدغة واحدة لاعدام الجسد وسقوط الانسان في تابوت اعد له من بقايا اليورانيوم المنضب والمعلب !
وقف مخلد المختار على شرفات فيينا يراقب نينوى وتهديم داعش لادلة هويتها كما فعل العم سام ونغوله العراقيين يوم اغتالوا متحفنا وهو عاجز عن الفعل سوى العودة للقدس واعادة اكتشافها ليخرج من اسوارها وتلالها قبابا من ادلة الهوية تراها في بيوت الاعلام من الناس تذكّر بان بغداد هي قلعة القدس وان نينوى هي بيت من حررها قبل الفيات ، لوحات مخلد كانت ومازالت وستبقى عنوانا لبغداد وان كانت تحمل في خلاياها صور قباب القدس ودروبها وانفاقها العتيقة .
في عام 2007 زرت فيينا والتقيت بمخلد واهداني لوحة رائعة رسمها واخذتها معي الى صنعاء منبع وجودنا القومي ثم رافقتني الى اي مكان رحلت اليه مضطرا ، وكان الاهداء هو التالي حرفيا : ( اهداء الى الفارس المجاهد العراقي العربي الغيور الباسل اخي الغالي صلاح المختار اعزكم الله ونصركم ورعاكم مع كل الحب والتقدير : اخوكم مخلد المختار - فيينا في 25-11-2007 ) انتهى الاهداء . هل تعلمون ماذا كان محور اللوحة ؟ انه القدس حية في ضميره وقلبه والتزامه .
رحل مخلد المختار وهو يقف فوق تلال فينا وشرفات منازلها ينظر بعيدا بعين دامعة تخفي تدفق الدمع رجولة ابن قبيلة عريقة لعله يرى بيته في نينوى ويشاهد اثار النبي يونس والمنارة الحدباء ، ولانه كانت بينه وبين نينوى الاف الاميال لم يتسلل الى وعيه قبل عينه سوى صورة نينوى كما عرفها وعاش فيها فاعاد بناء الواقع بلوحات زاخرة بالحياة نرى فيها المنارة الحدباء والثور المجنح وكل لقيات العراق وهي مفروشة على عتبات القدس في دمج خلاق بين العراق وفلسطين لا يقوم به الا فنان عظيم ووطني راسخ الجذور وقومي عربي اصيل لاتهزه ريح العم سام ولا نغول فارس ويزيح اكاذيب وتلفيقات بني صهيون مثبتا على اركان من ماس يتحدى الزمن ادلة هوية العراق وامتداده الجغرافي غير القابل لفسخ عروة وحدته ولا تزوير هويته مهما تدفقت مواكب الابالسة من كل فج عميق .
مخلد المختار لم يرحل الا بعد ان ترك اثارا دائمة تذكرنا بانه كان معنا ومازال في قلوبنا ليس فقط لوحاته الفنية بل كلماته وطيبته وهدوءه وواصالته ووفاءه وموقفه الوطني من كارثة الاحتلال ، سيبقى مخلد حيا في ضمائر العراقيين والعرب ولن تندرس اثاره الفنية والانسانية والوطنية .
رحم الله مخلد واسكنه جناته وغفر له .
السبت ٩ محرم ١٤٣٩ هـ ۞۞۞ الموافق ٣٠ / أيلول / ٢٠١٧ م