من كردستان إلى كاتالونيا
رأي القدس
Oct 02, 2017
مضت حكومة إقليم كاتالونيا أمس قدماً في قرارها إجراء استفتاء مواطنيها على الاستقلال، وذلك بعد أسبوع واحد من إجراء حكومة إقليم كردستان العراقي بإجراء استفتاء مشابه، وهو أمر رفضته الحكومتان المركزيتان في مدريد كما في بغداد وقامتا بكل ما يمكنهما لمنعه.
ورغم اختلاف الظروف بين الإقليمين، ووجودهما في قارتين مختلفتين، واختلاف الظروف التاريخية والجغرافية فإن هناك تشابهات سياسية لا تخطئها العين، ولا يفيد القيام بإجراء مقارنات بين الحالتين في تحليل أسباب وصول الأزمتين إلى ذروتيهما الحاليتين فحسب بل يكشف، من حيث لا نحتسب التشابهات في الأحوال البشرية، بعد أن كف سكان منطقتنا عن مقارنة أنفسهم بأوروبا، ناسين أنها القارة التي قادت خلال القرن الماضي أكبر حربين عالميتين في تاريخ البشرية، وأن بلدانا منها، كإسبانيا والبرتغال واليونان (ناهيك عن بلدان أوروبا الشرقية) كانت تخضع لدكتاتوريات عسكرية يمينية خلال الستينيات والسبعينيات، وهو أحد العوامل التاريخية التي ما تزال تؤثر في الحالة الإسبانية الراهنة، رغم محاولة الأوروبيين تناسي ذلك.
يقود رئيسا الإقليمين، كارليس بويدغمونت، ومسعود بارزاني، حملتي الاستفتاء والانفصال، فيما قاد رئيسا الحكومتين، ماريانو راخوي، وحيدر العبادي، حملة تعتبر الاستفتاءين غير دستوريين، واستخدما كل ما في مكنتهما، قضائيا وعسكريا، لمنع الإقليمين من ممارسة الاستفتاء.
وفيما قامت بغداد بحظر جوّي وبتحشيد عسكريّ على حدود الإقليم وطالبته بتسليم المطارات والمراكز الحدودية، فإن مدريد قامت بإجراءات كبيرة أيضا لكسر الاستفتاء ومنع إعلان نتائجه فاعتقلت 14 من كبار المسؤولين في الإقليم، وداهمت 12 مركزا حكوميا، وأغلقت نصف مراكز الاقتراع، وصادرت 10 ملايين من بطاقات الاستفتاء و1.5 مليون من ملصقات الإعلان عنه، وتتجه الحكومة المركزية لتطبيق فقرة دستورية تلغي استقلالية الإقليم وتسمح لها بالسيطرة التامة عليه لمنع الاستفتاء وإلغاء أي آثار قد تنتج عن القرار.
غير أن التصعيد الكبير للحكومتين المركزيتين، المقصود منه ثني حكومتي إقليمي كردستان وكاتالونيا عن قراريهما أدى إلى مفاعيل معاكسة وجعل أصوات قادة ومؤيدي الأحزاب المعارضة لحكومتي الإقليم، او للانفصال، تتراجع أمام دعوات الاستقلال، فبعد أن كان هناك تعادل بين أصوات مؤيدي ورافضي الاستفتاء في كاتالونيا تصاعدت العواطف القومية وأعطت دفعاً غير متوقع لبارزاني وبويدغمونت.
وبغض النظر عن المساوئ التي ستترتب على المواجهة الحاصلة بين قيادتي الإقليمين والحكومتين المركزيتين، وعن الاستقطاب الحاصل داخل اسبانيا والعراق والدول القريبة المتخوّفة من تشجع التيارات الانفصالية داخلها، كما هو الحال في بلجيكا وإيطاليا، في الحالة الإسبانية، وإيران وتركيا في الحالة الكردية، فإن لجوء الحكومتين المركزيتين للتهديد والقوة هو سيف ذو حدين، فنجاحهما في قمع دعوة الاستقلال بالقوة قد يهدم ما كان الاقليمان قد بنياه من حكم ذاتي واستقلالية اقتصادية وسياسية ولكنه، في الوقت نفسه، سيؤجج الغضب الشعبي ويزيد عدد وقوة مناصري الاستقلال ويدفع المواجهة حثيثا إلى ما يشبه الحرب الأهلية، وهو أمر يتذكره المجتمع الاسباني الذي خاض حربا أهلية دامية في نهاية ثلاثينيات القرن الماضي تركت مفاعيلها العميقة في المنظومة السياسية الإسبانية اللاحقة، أما العراق فهو في عين العاصفة كما أن الحرب الأهلية والتشظي السياسي والاجتماعي في أعلى تجلياتها.
آثار الاستبداد وتقاليده إذن لا تزول وتبقى المجتمعات تعاني منها لعشرات السنين.