محامون عراقيون يحكمون بالإعدام على خليفة أموي!
رأي القدس
Mar 03, 2018
أثارت منظمة حقوقية تدعى «المركز العراقي لإدارة التنوع» قضية غريبة من نوعها تتعلق بمحاكمة أجرتها نقابة المحامين في مدينة النجف للخليفة الأموي هشام بن عبد الملك وحكمت عليه بالإعدام بتهمة قتل زيد بن علي بن الحسين، واعتبرت المنظمة الحدث «تعبيرا عن تيه ثقافي وحضاري يعيشه العراق في ظل حكم الأحزاب الحاكمة».
انتقادات المنظمة الحقوقية ذات وجاهة وتشير إلى جذور الأزمة الشاملة التي يعاني منها العراق فنقابة المحامين العراقيين في النجف، وهي المدينة المقدسة لدى الشيعة، تجاهلت «انتهاك القانون والدستور في النجف من قبل السلطات المحلية التي تمارس قمع الحريات وفرض نمط من التدين لا يمثل ثقافة المجتمع النجفي»، وعودتها إلى عاشر خلفاء بني أمية، هو، في صلبه، قرار سياسي، فالتعامي عن مساوئ الاستبداد والفساد وانتهاك الحريات العامة وهي القضايا التي يعاني منها العراقيون، وإشغالهم عن الجرائم المهولة التي ترهب العراق والعراقيين، بمحاكمة خليفة توفّي قبل 1275 عاماً، لا يقصد منه، بالتأكيد، إلا كفّ أنظار العراقيين وإشغالهم عن المجرمين الكبار الذين يحكمون بلادهم.
حادثة نقابة محامي النجف تعني أن لا مظالم مهمّة في العراق ينشغل أولئك المدافعون عن القانون والقضاء والحق بالدفاع عن أصحابها، وما دامت المظالم قد انتهت فلا بأس أن يشغل أولئك المحامون أنفسهم بمحاكمة خليفة أمويّ في وقت لم يبق فيه أمويّ واحد في العالم!
وإذا كانت المحاكمة رمزية فإن مفاعيلها ليست كذلك، فهي تقوم عمليّاً بالتعمية على أبطال الفساد والقمع والإجرام الأحياء كما تعمل أيضاً على إعادة شحن آلة القتل الدائرة في البلاد على خلفيات طائفية، ولأسباب لا علاقة لها بالماضي بل بالواقع الحالي.
تكمن أهمية المنظور الطائفي للعالم للأنظمة السياسية العربية في مساهمته في تشويه عدد من الحقائق التاريخية والسياسية الخطيرة.
أول هذه الحقائق هو أن الحوادث التاريخية الماضية جرت في سياقات مختلفة كلّياً عن مفاهيم الحاضر الذي نعيشه، فرؤية الأقدمين للعالم كانت دينيّة بمجملها، ولا نستطيع، بالتالي، أن نسحب الماضي ونحاكمه بمفاهيم الحاضر، فلا صلاح الدين الأيوبي كان يعتبر نفسه كرديا كما يزعم البعض (لأن المفاهيم القومية نشأت في القرن التاسع عشر)، ولا يمكن اعتبار ابن سينا من مواليد أوزبكستان (لأن مفاهيم الجغرافيا والأقوام والدول كانت مختلفة)، ولا تشيع العصر الأمويّ يتطابق مع تشيّع اليوم الذي تشوبه أفكار السياسة الحديثة وتقلبات الصراعات الداخلية ونفوذ الجمهورية الإسلامية الإيرانية (وهي أيضاً كيان حديث).
وثاني هذه الحقائق هي أن المقاربة الرمزية بين حكم افتراضي جائر كحكم هشام بن عبد الملك، كما يقول محامو النجف، يجب أن يكون ضد حكم أمثال نوري المالكي، الذي ملأ العراق فسادا واستبدادا وشرا وليس تبرير وجوده، كما أن المقاربة بين مضطهدي العصر الأموي من الشيعة، يجب أن تكون مع مضطهدي العصر الحاضر في العراق، وأكثريتهم الساحقة من أبناء الأنبار والموصل من السنّة.
لقد كان الخارجون على السلطة أيام الأمويين يسمون غلاة وخوارج ورافضة أما المقموعون اليوم فأخذوا، بعد الاجتياح الأمريكي للعراق، وسيطرة إيران عليه، مسمّيات عديدة تدرجت من الصدامية إلى البعثية وصولاً للإرهاب، من دون أن ننسى طبعاً أن الحكم المتلفّع برايات الطائفية لا يقصّر أبداً في استغلال فقراء الشيعة والافتئات على حقوقهم حين تتعرض صفقات الفساد أو المناصب أو العمالة للخارج للتهديد.