[size=32]العراق في سوق المناخ[/size]
د.مؤيد عبد الستار
مَـناخ ومُـناخ مكان الاقامة ، لغة : مَـبرك الابل ، و سوق المناخ كانت قديما موقعا في الكويت تناخ فيها الابل القادمة من نجد والصحراء والعراق والشام لبيع البضائع ، اما سوق المناخ في الثمانينات من القرن الماضي فهي سوق بورصة غير رسمية اقيمت في مكان مناخ الابل ، اشتهرت بالتعامل بالاسهم والاستثمار والقروض حتى فاق التعامل في هذه السوق غير الرسمية بورصة الكويت الرسمية .
ونتيجة بيع وشراء الاسهم في سوق المناخ بالآجل والمضاربات التي استندت الى الاوراق والشيكات في البيع والشراء ، اصبحت الديون كبيرة جدا وبلغت اضعاف الدخل القومي للكويت ، وبسبب عجز الزبائن عن التسديد والمضاربات غير القانونية والثغرات في القوانين وعدم وجود رقابة فعالة على السوق من قبل بنك الكويت المركزي ، حدثت الكارثة الشهيرة عام 1982 والتي عرفت بازمة سوق المناخ ، فخسر المضاربون وعجز الجميع عن تسديد قيمة الاسهم ، وقد اجاد الفنان عبد الحسين عبد الرضا في مسرحية فرسان سوق المناخ التعبير عن هذه الازمة بشكل كوميدي . رابط المسرحية اسفل المقالة .
وشبيه لهذا حصل في العراق في تسعينات القرن الماضي على يد شركة سامكو التي شاع خبر خسارتها وضياع اموال المستثمرين في بغداد نتيجة احتيال الشركة على المستثمرين ، والتي يقال ان نجل رأس النظام السابق كان وراء نهب اموال الشركة.
احتياطي العراق النقدي
قبل عقود مضت كان احتياطي العراق النقدي مئات المليارات من الدولارات ، ولكن القائد الضرورة يومذاك شـنّ الحروب الداخلية والخارجية ، على الجار واهل الدار ، فما هي الا سنوات قليلة حتى احترق الاخضر واليابس وضيع العراق ملياراته هباء في اسواق السلاح السوداء والبيضاء ، واصبح فيما بعد مدينا لكل من هب ودب من دول وصناديق قروض ميسرة ومعسرة ، حتى جاءت الضربة القاضية على رأس ابناء الشعب ليوضع البلد تحت البند السابع ويجبر على تقديم ثروته الوحيدة ، النفط ، مقابل الغذاء والدواء .
وقصة الغذاء معروفة ، اصبحت الحصة التموينية فيها أم المهازل بعد أم المعارك التي خاضها النظام الصدامي حتى وصل الى الحفرة الشهيرة التي اخرجه منها جنود العم سام بعد ان كانوا يطعمونه هامبرغر الغزلان في افخم القصور المرمرية على شواطيء دجلة والفرات وقدموا له الحماية من انتقام الشعب حين سمحوا له استخدام الطائرات السمتية - الهليكوبتر - للقضاء على انتفاضة الجماهير التي احتلت معظم المدن العراقية وكادت ان تبلغ عقر داره لتكنسه مع زبانيته وتلقي بهم الى مزبلة التاريخ . الا ان مشيئة العم سام كانت ترسم نهاية القائد الضرورة حسب خططها التي نعيش الان فصولها حتى اصبحت البلاد كثبانا من خراب وجوع وعطش فعاد العراق القهقرى كما اراد له بوش الاب الذي قال سـنعـيده الى عهـد ما قبل الصناعة .
بعد سقوط نظام الطاغية استبشرنا خيرا ، ولكن خاب ظننا في الطغمة التي جاء بها العم سام والتي لم تكن بديلا صالحا عن الطغمة الصدامية وانما ظلا لها لبست لبوس الحمل وهي ثعلب ماكر اسـتـغلت الدين والدنيا واشاعت الجهل وضربت بيد غادرة احلام الشعب في حياة حرة كريمة .
ولم تكتمل الافراح حين اعلنت الادارة الامريكية اعفاء العراق من الديون المتراكمة عليه ، وتقديم المنح من اجل اعمار العراق ، وارتفاع اسعار النفط من حفنة دولارات الى مائة دولار للبرميل الواحد واكثر ، فانهالت المليارات على العراق ، ولكنها وجدت طريقها الى جيوب السراق واللصوص من جميع الاصناف والاشكال ، فسارق يرتدي عمامة واخر يرتدي بيجاما وثالث يرتدي بسطال ورابع يرتدي مايو سباحة حتى وصل الامر الى ربات الحجال فنهلن من المليارات ما يشفي الفؤاد ونهبن الملايين ليشترين بها الجواهر واللآلي من اسواق دبي وباريس ولندن .
وتناهب القوم الملايين الخضر وهرعوا بها الى احضان الحبيب ابو ناجي ، فاشتروا الفيلل والعمارات والاسواق والفنادق في عاصمة الضباب دون حساب .
ان سمعة اي تاجر هي رأسماله ، فمن التجار من عرف بالصدق والامانة ، فتطمئن اليه الناس واصحاب رؤوس الاموال ، فيشترون منه ويبيعونه بالنقد والنسيئة ، ومن التجار من ساءت سمعته فلا يتعامل معه أحد إلا نقدا وهات بـ هاك .
وقصة الفساد ليست جديدة في عالم المال والتجارة ، انما هي قديمة قدم السوق ، ولذلك لا فائدة من انكارها ، بل من الافضل معالجتها من الجذور، وفي حالة العراق فان الاحصاءات والدراسات والاستبيانات التي نشرت والتي كانت تعلن ان العراق أحد أكثر البلدان فسادا وانه ياتي على راس قائمة الدول المتهمة بالفساد ، وما جاء في اخر بيانات المنظمات الدولية من ان ربع اطفال العراق في حالة فقر ، وان سكان الريف في حالة مزرية وغير ذلك من بيانات ودراسات كثيرة تصف حال الدولة والفساد الضارب اطنابه في البلاد ، جميع هذه المعطيات لن تشجع احدا على المغامرة واستثمار امواله في العراق ، بل على العكس ، ستحاول الشركات والدول الاستفادة من الوضع الحالي وفرض شروط قاسية على العقود التي توقعها مع الجهات المسؤولة في العراق وتخضعها لاتفاقات مجحفة مثل العقد الذي وقعه المرابي شايلوك في مسرحية شكسبير تاجر البندقية مع انتونيو ، حين وضع شرطا لئيما قاسيا في عقد القرض وهو اقتطاع رطل من اللحم من جـسد انتونيو في حالة عجزه عن دفع ما يستحق عليه من ديـن.
زوبعة في فنجان
لا احد يعرف من كان وراء الدعوة الى مؤتمر للمانحين في الكويت ، فالمليارات ما انقطعت تتسلل الى جيوب السراق واللصوص في العراق مما تجود به شركات النفط والغاز وما تجنيه المنافذ الحدودية والموانئ وفي الوقت الذي بلغت فيه
ميزانية العراق مئات المليارات من الدولارات عجزت الحكومة العراقية عن انجاز المشاريع المفيدة وبددت الاموال دون رقيب او حسيب .
الان بعد التطبيل الكبير لمؤتمر الكويت يتمخض الجبل ليلد ثلاثين مليار دولار فقط معظمها على شكل ائتمانات لمشاريع نأمل ان لاتكون وهمية مثل مدارس الهياكل الحديد المتروكة في القرى والارياف او مثل مشاريع الكهرباء الوطنية الشهرستانية التي تصدر الكهرباء الى الصين والماو ماو .
ان مؤتمر الكويت لم يكن اكثر من زوبعة في فنجان ، لدرحة ان وزير الخارجية العراقية - رغم زهده وقناعته !! - اعلن عدم رضاه عن ما تمخض عنه المؤتمر ، فكأن المبلغ المعلن منحة لمتسول فقير او لجزيرة مثل كوريا موريا وليس للعراق الذي يبلغ تعداد نفوسه حوالي 40 مليون نسمة ، وخسر مدنا مثل الموصل والانبار وتشرد الملايين من سكانه ، وقد اعلن العراق انه بحاجة الى حوالي 100 مليار دولار في الحد الادني لاعمار البلاد .
ورغم شكوكنا في قدرة الحكومة بمسؤوليها الحاليين على ادارة ملف الاعمار والبناء الا اننا كنا نتمنى ان يخرج مؤتمر الكويت بنتائج ودراسات وخطط مشاريع اكبر من هذه النتائج المتواضعة .
اضافة الى انه كان من الاجدر بالحكومة توفير الظروف الملائمة لعقد مثل هذا المؤتمر في البصرة ، فلماذا يستطيع اتحاد الادباء تنظيم مهرجان المربد في مدينة البصرة بينما تعجز الحكومة عن تنظيم مؤتمر استثماري فيها ؟!
أليس في هذا دلالة على عجز الحكومة من توفير الامن في اكبر محافظة تنتج النفط بقدر انتاج الكويت واكثر ، ولكن لا امر لمن لا يطاع ولا خير فيمن لا يؤتمن على اموال وثروة البلاد ، والله المستعان .
رابط مسرحية سوق المناخ
https://www.youtube.com/watch?v=imB-U0MNH-0