هذيان متعصب (الجزء الثاني)/ قُلْ ولا تَقُل في الفرق بالمعنى بين كلمتي البَاحث والبحاّثة
بقلم: سالم إيليا
هذيان متعصب (الجزء الثاني)/ قُلْ ولا تَقُل في الفرق بالمعنى بين كلمتي البَاحث والبحاّثة
كُنتُ قد سمعتُ وشاهدتُ منذُ زمنٍ بعيدٍ الكثير من التصحيحات اللغوية التي لم تكن تخلو من الطرافة عن لسان أحد جهابذة اللغة العربية الجميلة والواسعة بمفرداتها ومعاني كلماتها العميقة بمدلولاتها الجمالية وهو العلاّمة و(البَاحث) الدكتور مصطفى جَواد رحمه الله وطيب ثراه وهو صاحب البرنامج التلفزيوني الشهير حينها "قُل ولا تَقل"، وكانت إحدى تلك التصحيحات إذا صحّ راويها: (أنّ أحد مقدموا البرامج في تلفزيون بغداد كان قد إستضاف الدكتور مصطفى جواد وقدّمه بكلمات قصيرة حاولَ جاهداً أن لا يقع في خطأ لغوي أمامه كونه معجم مِن معاجم اللغة وإستهلّ كلامه ببادئة نعتَ فيها الدكتور مصطفى جواد بـ "البحّاثة"!!، فما كان من المصحح اللغوي الأشهر ضيف الحلقة إلاّ مقاطعة المقدم مصححاً له بقوله: "لا تقل البُحاثة، بل قُلْ البَاحث!!، لأنّ البُحّاثة: هي مَن تبحثُ عن الطعام في القمامة والتراب وهي الدَجاجة!!، وأمّا البَاحث مَن يُحقق ويُنقّب ويُفتش في بواطن الكتب وصفحاتها")!!.
وبعد طول فترة في الكتابة التي أحاول تجاوز أخطائها الشائعة بالبحث عن الأصح فيها، وبعد أن إنتهلتُ كتلميذ (ولا زلتُ) القطرات ليس إلاّ من أدبيات اللغة وبحرها الذي لا زلتُ أعوم في جرفه عومَ المبتدئين الحذرين من الإبتعاد عنه لتساعدني على الكتابة التي لا تخلو من الأخطاء اللغوية مهما جهدتُ في التدقيق بنحوها وإملائها، غير أنني لم أجد ما يدلل على عدم صحة إطلاق صفة "الباحث" أو "البَحّاثة" على مَنْ يفني عمره في التنقيب والتدقيق والتحقيق في بواطن الكتب بأنواعها، لكنني توقفت عند مدى صحة ما روي عن العلامة اللغوي د. مصطفى جواد في تفسير المعنى لكلمة "البحاثة" إذا صحّت تلك الواقعة!!، حيثُ تخبرنا معاجم اللغة العربية عن المعنى الآخر من المعاني الكثيرة لهذه الكلمة بعد ضم "الباء" وليس فتحها لتصبح (البُحّاثة) والتي تعطي معنى مغايراً للمعنى الأول وتصبح بمعنى مرادفاً لمن يبحث أو تبحث في التراب والمزابل وهي الدجاجة!!، وهذا هو بيت القصيد ولحد علمي في إعتراض الدكتور الراحل مصطفى جواد.
سردتُ هذه الواقعة التي لا أعلم مدى صدقها للدخول في موضوع البحث وأصحابه (البَاحثين) الحقيقيين الذين ما برحوا يبحثون بجهودهم العظيمة التي أهدروا معظم سنوات أعمارهم يعملون بصمت أناء الليل وأطراف النهار لينالوا صفة "البَاحث" بإقتدار لكنهم ضاعوا بين زخم الكم الهائل (الأنترنيتي) من أسماء "البُحّاثين" الذين ما برحوا في نقل سطر أو سطرين من المعلومات المشكوك بمصداقيتها من الحاسوب الألكتروني المليء بمزابل كتب التاريخ المملوءة بالتحريف والهذيان للبعض من كتّابها الذين لم تخلُ كتاباتهم على مر العصور والأزمان من التحيّز لطوائفهم أو لهذا الطرف أو ذاك وعلى حساب الحقيقة وعلى طريقة المثل الشعبي "حِبْ وإهچي ـ ـ وإكره وإهچي"!!، وحيثُ لا يتردد النموذج الحالي منهم وبكل صفاقة إلاّ ويكتبوا أمام أسمائهم كلمة (البَاحث) وكأنها (ال) التعريف التي لا بد منها لتحويل (النكرة) من أسمائهم الى (المعرّفة) منها!!!.
وعجبي على هذه الوقاحة في زمنٍ ضاعت فيه المقاييس الصحيحة للتقييم العلمي المهني المحايد من ذوي التخصص لإعطاء هذه الصفة المبجلة التي تساوي بقيمتها المعنوية الإعمار الكاملة للحاصلين عليها عن جدارة، وليس منحها بالقنطار كما يطلقها البعض على أنفسهم أو على الآخرين.
ففي موضوع نقدي كنتُ قد كتبته عن أحد هؤلاء (البُحّاثين) الذي ربما توهم منتحل صفة (الباحث) من أنه أصبح بحق يستحق لقبها فوضعها هو أمام إسمه وليس لجنة متخصصة بعد (تسفيطه) لأقوال وآراء البعض ممن سبقوا عصرنا وأخرجها بكتيّب أو إثنين لا نستطيع وصفها إلاّ بكتيّبات لـ (لكلمات المتقاطعة) لما فيها من تناقضات واضحة جمعها هذا "البُحّاثة" من بحثه في مزابل الكتب ليتفاخر بها ويدعي (بتأليفها) وهي بمجملها نقل لمقاطع وأحاديث وآراء مجتزئة ومشكوك بها أصلاً!!، وحيثُ إعترض أحد (النكرات) الذي يحذو حذو معلمه الفاشل الذي يدافع عنه على ما ذكرته من معلومات تدعمها اللقى الأثرية التي تعتبر أدلة مادية لا تقبل الجدل، وبدأ هذا المحامي الفاشل بكيل المديح لمعلمه بإطلاق الألقاب عليه والتي لا يعي معناها وكأنها (كوشر من البطيخ)!!!، فأجبته بإقتضاب بأنني لم أسمع لا في الماضي ولا في الحاضر وربما حتى في المستقبل بباحث حقيقي يحمل الإسم الذي ذكرهُ!!!، ولربما سنتفاجئ بعد برهة من الزمن بوضعه للقب (الدكتور) والذي ربما سيحصل عليه من الكثير من دكاكين بيع تلك الشهادات المنتشرة حتى في الدول الأوربية متعدياً كغيره على جهد أصحابها الحقيقين الحاصلين عليها بالدراسة في الجامعات الرصينة وسهر الليالي لسنوات طوال حتى إحمرّت مآقيهم!!!، وقد ذكرتُ لذلك المدافع عن صاحبه بأنّ كلمة الباحث هي صفة مهمة وخطيرة ولا تُطلق جزافاً، وربما نستطيع أن ندّعي في كتاباتنا من أننا بحثنا في المصادر والكتب عن المعلومات كذا وكذا لدعم مقالاتنا، لكنها لا تكون كافية لننعت أنفسنا بالباحثين ما لم يتم تقييم (بحوثنا) من ذوي التخصص ولفترة زمنية طويلة وبكم هائل من البحوث!!، وقلتُ لذلك (المتبرع) بالدفاع والمغدق على صاحبه بالألقاب المجانية من أنني أعمل في الإعلام في مجالات متعددة منذ سنة 1979م ونشرتُ في الأحد عشر سنة الأخيرة مئات المقالات المطولة والتي عدّ بعضها ذوي التخصص كمقالات بحثية وأحمل هوية الصحفيين المهاجرين في بلد المهجر الذي أعيش فيه، لكنني لا أتجرأ غالباً بوضع صفة حتى (الكاتب) أمام اسمي وأستعيض عنه بجملة (بقلم: سالم إيليا)!!، وربما هنالك بعض الإستثناءات القليلة الي تحتم عليّ ذكر صفتي في بعض المراسلات المحدودة ليس إلاّ.
وعجبي على البعض ممن أزالوا نقطة الحياء من على جباههم، فباتوا يصفون أنفسهم بشتى الألقاب!!، ويحاولوا أن يتعدوا بكل صلافة على القمم من الأعلام في مجتمعاتهم وهم في وديانها السحيقة، وربما هذه إحدى سيئات التطور الإعلامي الألكتروني ـ التقني الذي سمح لهم بالدخول الى منازلنا عنوة ونكون مجبرين شئنا أم أبينا على مشاهدتم والقراءة لهم في أحيانٍ قليلةٍ من خلال الصندوق السحري الصغير الذي ندعوه بالكمبيوتر جزاه الله خيراً لمخترعه!!!.
ولي عودة قريبة لتكملة هذا الموضوع!!!!.
وشكراً/سالم إيليا !!!!