إلى الفائزين بالانتخابات: ماذا عن هولوكوست قصف الموصل؟هيفاء زنكنةMay 29, 2018
لا يكاد يخلو يوم دون انتشال المزيد من الجثث من تحت الأنقاض، في المدينة القديمة، بالموصل، على الرغم من مرور عام، تقريبا، على اعلان حكومة حيدر العبادي الانتصار على منظمة الدولة الإسلامية (داعش). ومع انشغال المسؤولين والسياسيين بمماحكات تزييف الانتخابات، او عدم تزييفها، ظاهريا، والتنسيق فيما بينهم لإبقاء ذات الوجوه، بأقنعة مختلفة، في الحكم، عمليا، تم دفع الموصل، بعيدا، عن المسؤولية الحكومية والأخلاقية، ليعيش أهلها في ظلال موت من نوع مغاير، نتيجة الخراب والتلوث والاخطار الصحية، وحالة الإحباط، والوقوف على حافة الجنون يأسا.
ليست هناك احصائيات دقيقة حول عدد الضحايا الذين لايزالون تحت الأنقاض. الا ان عمليات انتشال مئات الجثث من تحت الأنقاض في المدينة القديمة المستمرة، ورائحة تفسخ الموت القوية، تشير الى ان العملية أبعد ما تكون عن نهايتها. اذ ان وضع حد للمأساة ليس من أولويات الحكومة، وان كانت قد جعلت من إعادة اعمار الموصل شعارا للاستجداء في مؤتمر المانحين بالكويت.
يقول متطوعون مدنيون أخذوا على عاتقهم مهمة انقاذ المدينة من الموت، انهم بحاجة ماسة الى المعدات التي تسهل عملية الانتشال وان حجم الكارثة أكبر بكثير من امكانياتهم المتواضعة، كما تبين اشرطة الفيديو المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي، المؤكدة، في الوقت نفسه، ان عمليات الانتشال وان كانت ضرورية، كحل سريع إزاء تقاعس الحكومة عن القيام بواجبها، الا انها تتم بشكل لا يوثق، بشكل علمي صحيح، اعداد الضحايا وظروف قتلهم ناهيك عن هويتهم ودفنهم بشكل يليق بالكرامة الانسانية.
عن عدد الضحايا، أخبر ضابط جهد الإنقاذ في غرب الموصل وكالة رويترز، في 12 أيار/ مايو، أن 763 جثة انتشلت خلال ثلاثة أيام فقط، وتحدث محافظ نينوى عن رفع 2838 جثة من تحت الأنقاض منذ تموز الماضي، تعود 600 منها إلى عناصر «داعش». وقاربت الأرقام في الأيام الأخيرة الخمسة آلاف، وقال الناطق باسم دائرة الدفاع المدني في الموصل (7 أيار/ مايو) ان «فرق الدفاع المدني في الموصل تمكنت من انتشال 22 جثة تعود لأطفال بأعمار متفاوتة».
أدى انتشار أفلام عمليات انتشال، وتنامي التغطية الإعلامية الدولية، وازدياد نقمة الناس على بطء سيرورة العمل، الى مسارعة رئيس الوزراء، وهو الذي يعيش مرحلة المناورات للحفاظ على منصبه، بتشكيل لجنة « بأمره» تواصل عمليات الانتشال من تحت ركام المدينة. وهي خطوة كان من واجبه القيام بها فور اعلان الانتصار وليس بعد عام تقريبا.
ان النقطة الاساسية التي ستحدد علاقة أهل الموصل وبقية المدن المنكوبة التي تعرضت لقصف طيران التحالف، بقيادة أمريكا، بأية حكومة مقبلة، هي الاعتراف بالمسؤولية عما جرى من خراب، وإصلاح الضرر، وعدم الاكتفاء برميها، كلية، على تنظيم « داعش». وكان واجب الحكومة العراقية ان تجد السبل الملائمة، مهما كانت صعوبة الامر، لحماية حياة المواطنين وتقليل فرص تعرضهم للخطر، لا المشاركة بقصفهم والطلب منهم عدم مغادرة المباني، كما فعل العبادي باعتباره قائدا للقوات المسلحة، فكانت النتيجة مجزرة دفن 300 شخص تحت ركام المباني، خلال يوم واحد، بذريعة وجود إرهابيين. وهي ذات الحجة التي استخدمتها قوات التحالف الأمريكي – البريطاني، في قصفها مدينة درسدن الألمانية، عام 1945، والحرب العالمية الثانية على وشك الانتهاء. سبب القصف الجوي خرابا هائلا وسقوط آلاف الضحايا، خلال ثلاثة أيام من رمي المدينة بثلاثة آلاف وتسعمائة طن من القنابل الحارقة، عالية التفجير، وتبين الوثائق التاريخية، باعتراف مسؤولين عسكريين ساهم بعضهم في تنفيذ العملية، بان الاهداف العسكرية الاستراتيجية، لم تبرر استخدام القوة المفرطة التي سببت تهديم المدينة وسقوط اعداد الضحايا، مما يجعلها جريمة حرب وليس تحريرا. مما دفع المؤرخين الى تسمية العملية» هولوكوست قصف درسدن».
في الموصل، كرر التحالف الدولي، بقيادة أمريكا، ارتكاب الجريمة. ويوثق فريق موقع « ايروور»، البريطاني المختص، الحرب الجوية، بدقة، في العراق وسوريا، واصفا عدد ضحايا القصف الجوي الأمريكي، المدنيين، بالعراق « بأنه الأعلى منذ حرب فيتنام، ومع ذلك لا تبدي الحكومات الغربية والعراقية أي اهتمام بتوثيق اعداد الضحايا». استخدمت أمريكا لقصف الموصل، القاذفة الجوية بي 52، التي تعتبر رمز القوة العسكرية الامريكية، تستخدم فيما يعرف بـ «القصف البساطي»، وتم تحديثها لتُزود بالصواريخ والقنابل الموجهة بالليزر، وكان قصفها للموصل جزءا من تجربتها بعد التحديث. كما استخدمت طائرات أف 16 وأف-أي 18، وطائرات ريبر بدون طيار، بالإضافة الى مروحيات الأباتشي قاذفة القنابل. ليست هناك احصائيات عن كمية القنابل التي استخدمت وان ثبت استخدامها قنابل بوزن 500 رطل. واستخدامها كارثي في مدينة مكتظة كالموصل. الامر الذي دفع فريقا صحافيا هولنديا الى التقرير بان عدد الضحايا من المدنيين هو31 مرة أكثر من ارقام التحالف المعلنة. وإذا كان تنظيم داعش قد زرع الألغام، ولا يزال الكثير منها مدفونا تحت الركام، فان قوات التحالف رمت على المدينة» ذخائر أسقطت من الجو، قنابل تزن الواحدة 500 رطل، تخترق الأرض لمسافة 15 مترا أو أكثر»، حسب مدير برنامج الأمم المتحدة للإجراءات المتعلقة بالألغام، مؤكدا « أن مجرد إخراج واحدة منها يستغرق أياما وأحيانا أسابيع».
سيكون لتبعية المسؤولين والساسة العراقيين قوات التحالف حربها المختلقة ضد « الإرهاب» و صمت « النخبة» العراقية عن جرائم متكررة في العديد من المدن العراقية، بذريعة محاربة الإرهاب، بدون تمحيص الأسباب واثارة التساؤلات، انعكاسات خطيرة، مستقبلا، حين يجر المجتمع أنفاسه، فيصبح قادرا على المطالبة بالحقيقة وتحقيق العدالة للضحايا واهاليهم. ولن يتم ذلك في أجواء التلفيق السياسي، وحملات التضليل، وانعدام التوثيق. وهو من اساسيات عمل الحكومة وواجبها، لو توفرت النية لتحقيق المصالحة ووضع حد لروح الانتقام. اذ من المضحك مطالبة التنظيمات الإرهابية، وهي « الإرهابية» بحكم توصيفها وممارستها، بحماية حياة المواطنين، بينما لا يطبق الامر، نفسه، على الحكومات والدول. وهذا هو بالضبط ما عجزت عن تحقيقه حكومات الاحتلال المتعاقبة.
٭ كاتبة من العراق
إلى الفائزين بالانتخابات: ماذا عن هولوكوست قصف الموصل؟
هيفاء زنكنة
- Share on Facebook
- Click to share on Twitter
- Click to share on Google+
- Click to email this to a friend